آخر الأخبار

تفاهمات حماس وواشنطن تثير قلق إسرائيل: تغيير منهجي شامل له ما بعده أم خطوة تكتيكية مؤقتة؟

شارك
مصدر الصورة

طرح التفاوض المباشر بين حماس والولايات المتحدة والذي أفضى إلى ما يعد أول اتفاق سياسي أمريكي مع الحركة بإطلاق سراح جندي إسرائيلي يحمل أيضاً الجنسية الأمريكية، تساؤلات عدة عن نهج كل من حماس وواشنطن وتأثيرات هذه الخطوة على العلاقات مستقبل الحرب في غزة وعلى العلاقات بين الأطراف الثلاثة ومدى تأثيره على وساطة مصر وقطر.

وأوضحت مصادر إسرائيلية عديدة أن إسرائيل لم تكن جزءاً من المفاوضات الأمريكية مع حماس ولم تطلع عليها، بل أبلغت قبل يوم من تنفيذ الاتفاق بإطلاق سراح الجندي الكسندر عيدان.

وفيما قالت حركة حماس إن الموافقة على إطلاق سراح عيدان إنما هو "بادرة حسن نية"، يقدر محللون إسرائيليون أن هذه التفاهمات رافقتها وعودة أمريكية هامة لا تعلم عنها إسرائيل شيئاً، وربما لن يمكنها الاعتراض عليها مستقبلاً.

وبحسب تقرير تحليلي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن حماس كسبت كثيراً من تفاوضها المباشر مع إدارة ترامب، ما يعزز شرعيتها الدولية و"يضعف الجبهة الإسرائيلية"، وهو ما جاء أيضاً في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

والبيان أكد كذلك، أن "إسرائيل لم تكن جزءاً من المفاوضات"، وأن أي تحركات خارجية من دون تنسيق "ترسل إشارات خاطئة للرأي العام وتضرّ بالتماسك الداخلي".

ويرى محللون أن حماس، التي لم تحصل على مقابل مباشر وفوري لإطلاق سراح عيدان، ربحت بالتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، وأظهرت مرونة في التفاوض وأنها ليست طرفاً معطلاً.

وتعتقد حماس أنها بهذا التفاوض، الذي تم دون علم إسرائيل التي تعتقد أنها تسيطر على القرار الأمريكي بنسبة كبيرة، أحدثت نوعاً من الشرخ في العلاقة بين ترامب ونتنياهو أو على الأقل أربكت هذه العلاقة.

ومن بين ما استهدفته حماس من هذه الخطوة أيضا، "تكريس التفاضل بين الجنسيات وإظهار الأمر وكأن حياة الأمريكي أهم لدى حكومته من حياة الإسرائيلي لدى نتنياهو الذي وجهت له ضربة واضحة تتعلق بسياسياته التفاوضية،" بحسب مصدر في حركة حماس تحدث لبي بي سي عما سماه "العائد الاستراتيجي بعيد المدى".

قلق إسرائيلي واتهام بالتقصير

مصدر الصورة

وأثار إطلاق سراح عيدان بتفاوض مباشر بين حماس والولايات المتحدة، موجة من ردود الفعل في إسرائيل تراوحت بين الترحيب والقلق، والاتهام بالتقصير الحكومي.

وطرحت عودة عيدان أيضاً تساؤلات صعبة في إسرائيل، أبرزها: هل أصبحت الجنسية الأجنبية شرطاً للخروج من الأسر؟ وهل فشلت الحكومة في تحمل مسؤوليتها تجاه بقية الرهائن؟

يائير لابيد، زعيم المعارضة في إسرائيل، وصف الإفراج بأنه "مؤثر"، لكنه شدد على أن "الرهائن كلهم إسرائيليون، والمسؤولية تقع على عاتق الحكومة".

بيني غانتس، رئيس حزب "المعسكر الوطني"، قال إن "فرحتنا بعودة إيدن لا تُخفف من الإحباط من حكومة بلا مسؤولية"."

أما الصحفية لي ناعيم، فوصفت الوضع بـ"المخزي"، مضيفة: "فرحتنا مُرّة لأنه تم الإفراج عنه فقط لأنه يحمل جوازاً أمريكياً".

وسارع نتنياهو إلى تأكيد أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لسياسة الحكومة الإسرائيلية والضغط العسكري في غزة والتنسيق مع الولايات المتحدة، لكن كثيرون من الساسة الإسرائيليين شككوا بذلك.

وأثارت مفاوضات حماس والولايات المتحدة قلق العديد من السياسيين، ليس فقط بعد هذه التفاهمات المباشرة، إنما قبل أشهر عندما علمت إسرائيل عبر استخباراتها عن وجود قنوات اتصال سرية بين الطرفين من أجل المفاوضات.

وأن تتفاوض حماس والولايات المتحدة بشكل مباشر يعتبر قضية "خطيرة"، ومصدر القلق لدى اليمين في إسرائيل من أن "يؤدي ذلك مستقبلاً لفرض صفقة سيئة" على إسرائيل.

المراسلة السياسية، تال شنايدر، قالت لبي بي سي، إن إدارة ترامب منحت إسرائيل "فرصة زمنية محدودة" لتحقيق تقدم، لكنها لم ترَ أي نتائج، ما دفعها إلى التحرك منفردة.

واعتبرت شنايدر أن إسرائيل لم تكن جزءاً من عملية اتخاذ القرار فيما يتعلق بملفات إقليمية مهمة، من بينها التفاهمات مع الحوثيين، والتفاوض مع إيران، وإطلاق سراح مواطن أمريكي من الاحتجاز، وهي إشارات تدل على توتر متصاعد في العلاقة بين واشنطن ونتنياهو، على حد تعبيرها.

وأضافت: "ترامب لا يعادي إسرائيل، لكن علاقته بنتنياهو متوترة. ما نراه هو عمل أمريكي دون تنسيق، وربما في بعض الأحيان ضد رغبات الحكومة الإسرائيلية".

وما تزال الإجابات التي يريدها الإسرائيليون غير واضحة بشأن مستقبل التفاهمات الأمريكية مع حماس، ومدى قدرة ترامب على فرض حلول معينة على إسرائيل قد لا تتماشى مع توجهات اليمين المتشدد.

إذ يعتبر اليمين المتشدد الأولوية في غزة هي القضاء على حماس مع هدف ثانوي وهو إعادة المحتجزين الإسرائيليين.

إريك رودنيتسكي، الباحث في جامعة تل أبيب، وصف العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية الحالية بأنها "زواج غير مريح"، مشيراً إلى أن ترامب يسعى لحلول "براغماتية"، حتى لو تمت بدون التنسيق الكامل مع تل أبيب.

وحذر من أن هذه التحركات تثير قلقاً داخلياً إسرائيلياً متزايداً بشأن قدرة الحكومة على ضمان أمن مواطنيها، في ظل مفاوضات تتم بعيداً عنها.

ويتوقع الباحث الإسرائيلي أن تصبح قضية المفاوضات مع حماس أكثر بروزاً على جدول الأعمال السياسي للحكومة الإسرائيلية، بعد الاتفاق الأمريكي الأخير مع حماس، مع إمكانية الوصول إلى اتفاقات جزئية أو شاملة، ولكن لا شك أن الحكومة الإسرائيلية ستجد نفسها مضطرة لمواجهة هذه القضية المهمة، التي لا يمكن تجاهلها بأي حال.

باب حوار مفتوح ولكن

مصدر الصورة

ويعتقد محللون فلسطينيون أن باب الحوار بين حماس الولايات المتحدة فُتح وسيظل مفتوحاً دوماً، خصوصاً فيما يتعلق بجثث لرهائن إسرائيليين يحملون الجنسية الأمريكية ما يزالون في غزة، غير أنه ليس من المؤكد أن يكون "حواراً مثمراً".

ويرى مصطفى إبراهيم، وهو كاتب ومحلل سياسي مقيم في قطاع غزة حالياً، أن حماس لم تختر بمفردها الحوار مع الولايات المتحدة.

ويعتقد إبراهيم أن الإدارة الأمريكية سعت نحو الاتفاق مع حماس بسبب تعثر المفاوضات ووجود مختطف أمريكي وجثث أمريكيين، في محاولة لوضع حد لما يجري خاصة في ظل الإصرار الإسرائيلي على استعادة الرهائن بالقوة.

ولا يتوقع الكاتب الفلسطيني بأن يكون لهذا التواصل ثمار ضخمة إذا استمر تبنى الولايات المتحدة لمواقف إسرائيل بشكل كامل بألا يكون لحماس وجود لها في "اليوم التالي" في حكم غزة، مع الإصرار على نزع سلاحها.

وبشأن مستقبل العلاقات الأمريكية مع حماس، يعتقد إبراهيم بأنه ربما يكون "هناك توجه أمريكي بالتعامل مع حماس على أن تستجيب الحركة لطلب أمريكا وإسرائيل أن تظل حركة سياسية منزوعة السلاح ومن ثم تصبح جزءاً من منظومة الحكم القادم".

ومن جانبه، يوضح المحلل السياسي، إسماعيل مسلماني، في حديثه لصحيفة الرسالة التابعة لحركة حماس، بأن الحركة تهدف إلى إظهار استعدادها للتفاوض المباشر مع واشنطن، مشيراً إلى أن الإفراج قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لتحقيق مكاسب سياسية وإنسانية.

ويقول مصدر مصري مطلع لبي بي سي، إن حماس حاولت خلال الفترة الأخيرة التواصل المباشر مع واشنطن، بعد تعثر التفاوض عبر الوسطاء مصر وقطر وتزايد الشروط الإسرائيلية في كل جولة تفاوضية.

ويضيف المصدر لبي بي سي، أن حماس تسعى لنموذج تواصل سياسي "مشابه للنموذج الإيراني مع أمريكا،" مؤكداً أن الحركة تعتقد أنها يمكنها إدارة علاقة جيدة مع الولايات المتحدة قد تسهم ولو بقدر قليل في تبنى الرؤية الإسرائيلية كاملة.

حوار حماس: القانون والسياسة

مصدر الصورة

وقبل أسابيع قليلة، كشف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن العنصر الجديد والمتغير الأهم في الرؤية الأمريكية لإدارة ترامب في قضية غزة.

وفي حديث لويتكوف مع الإعلامي المؤثر في الأوساط المحافظة في أميركا تاكر كارلسون، أوضح أن هناك إمكانية لبقاء حماس في معادلة غزة بشكل من الأشكال لكن من غير جناحها العسكري وسلاحها.

وحماس من جانبها، تراهن على إمكانية تطوير هذا التمايز في الموقف الأمريكي عن الموقف الإسرائيلي، وتأمل في تطوير خط تفاوض بل وتفاهم أكبر مع الولايات المتحدة يكون مستقلاً عن إسرائيل.

وتصنف واشنطن، حركة حماس، على أنها "منظمة إرهابية" منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أنها تواصلت معها مؤخراً فأبرمت ما يعد الاتفاق السياسي الأول لإطلاق سراح عيدان.

ويقول الدبلوماسي الأمريكي السابق العربي الأصل هادي عمرو، إن القوانين الأمريكية لا تمنع التفاوض مع الإرهابيين أو المنظمات الإرهابية.

وشغل عمرو في الماضي منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي وكان مسؤولاً عن الشؤون الفلسطينية في الوزارة أثناء إدارة الرئيس السابق جو بايدن وهو اليوم زميل في معهد بروكنز في واشنطن.

ويتحدث عمرو عن أن القانون يمنع تقديم الدعم للمنظمات الإرهابية، وقد يشمل هذا دفع نفقات سفرهم أو إقامتهم، ويذهب ساخراً للقول بأنه ليس بإمكانك أن تشتري لهم "الشاورما" مثلاً، لكن ليس هناك ما يمنع من الحوار معهم.

ويرى عمرو بأن ترامب ربما اختار الحوار طريقاً لتغيير نهج حركة حماس ولتحقيق هدفه في تحرير الرهينة الأمريكي. لكنه يتحدث بحذر ويقول إنه لا يعرف دوافع الرئيس الأمريكي وإدارته، لكنه يشير إلى أنه يبدو أن "الأهداف التي يريدها ترامب قد تحققت".

ولا يبدو أن دعم الولايات المتحدة وترامب لإسرائيل من الناحية الاستراتيجية قد تغير، لكن يبدو أن هناك اختلافاً في الرؤى والأولويات في موضوع غزة والرهائن تحديداً.

ويرى برايان كاتوليس، زميل معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن إسرائيل ورئيس وزراءها لم يتقدما إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق في غزة الذي كان قائماً.

وأوضح الباحث الأمريكي أن هذا القرار أثار قلق ترامب بخصوص الرهائن وتحديداً الرهينة الأمريكي وجعله يتحرك بهذه الطريقة.

لكن كاتوليس يقول أيضاً أن ذلك لا يعني تخلياً من ترامب عن التزامه بدعم إسرائيل وهو الذي يستمر فعلياً بتقديم ذلك الدعم عن طريق الشحنات العسكرية، مضيفاً أن الاختلاف حتى الآن يتعلق بطريقة التعامل مع ملف الرهائن.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا