آخر الأخبار

طوفان الاحتجاجات بإسرائيل بين بوادر العصيان ومطالب وقف الحرب بغزة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

على مدار الأيام الماضية، انفجر في إسرائيل تسونامي من عرائض الاحتجاج -وفقا لوصف الإعلام الإسرائيلي- وقّع عليها عشرات آلاف القادة العسكريين والضباط والجنود، العاملين، وهم أهم مفاصل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية المختلفة، وتطالب جميعًا بإطلاق سراح الأسرى ووقف الحرب.

وتهدف عرائض الاحتجاج ضد الحرب -بحسب جاي فورن أحد الطيارين الموقعين عليها- "إلى صدم النظام السياسي بعنوان "طيارو سلاح الجو" الذين لهم تقدير مبالغ فيه في الرأي العام الإسرائيلي.

ووقع عريضة الطيارين 4 جنرالات و29 عميدا، ومئات العقداء وقادة القواعد، وعشرات قادة الأسراب، و4 من الطيارين الذين دمروا المفاعل النووي العراقي، وقد جوبهت بهجوم شديد من رئيس الحكومة بنيامين نتنياه و وأعضاء حكومته.



طوفان احتجاجي

وتوسعت عرائض الاحتجاج التي رفعت شعار "أطلقوا سراح الأسرى، حتى لو كان الثمن إنهاء الحرب"، وشملت قدامى المحاربين في وحدات 8200 الاستخبارية، والبحرية، وسلاح الدروع، وتلبيوت النخبوية، والفيلق الطبي، والمشاة والمظليين، والمدفعية، وشايطيت 13 البحرية، ووحدة المهام الخاصة والسايبر الهجومي، والمراقبات ومراقبي العمليات، وخريجي كلية الأمن القومي. وحتى وحدة المتحدث باسم جيش الاحتلال.

إعلان

كما وزعت عرائض من قدامى ضباط الموساد والشاباك والسفراء السابقين، إضافة إلى قدامى المحاربين في وحدات "شالداغ" و"موران"، و"669″، وهيئة الأركان العامة و"المشاة العامة" ولوائي غولاني و إيغوز .

وممن وقع على العرائض المختلفة قادة سابقون، منهم 4 من قادة البحرية السابقين، و6 من قادة الشرطة السابقين و3 من قادة الموساد السابقين، إضافة إلى رؤساء أركان سابقين ووزير دفاع سابق، ويُعتبر تأييد هؤلاء دفعة معنوية كبيرة للمبادرة.

كما شملت موجة التوقيعات شخصيات عامة بارزة في مجالات مختلفة، ووقع عليها عشرات من السفراء وكبار موظفي وزارة الخارجية السابقين، كما برز ذوو أسرى ضمن الموقعين؛ إذ نشر نحو 200 إسرائيلي (منهم أهالي أسرى) رسالة مفتوحة تؤيد جنود الاحتياط والمدنيين الداعين إلى وقف فوري لإطلاق النار.

وعكست العرائض الاحتجاجية حالة حراك مدني واسعة النطاق في إسرائيل ضد استمرار الحرب، فالأكاديميون، والمثقفون والأدباء، وأولياء أمور الجنود، والمعلمون، والسفراء السابقون، وضعوا نتنياهو وائتلافه، بين فكي كماشة العصيان المدني، والتمرد في صفوف الجيش.

ووصفت صحيفة يديعوت أحرنوت عريضة الطيارين بأنها أصبحت بمثابة حافز لمناقشة عامة واسعة النطاق في إسرائيل لقضية الأسرى وإنهاء الحرب، وإلى أي مدى ينبغي أن يكون القتال من أجل الأهداف العسكرية مستمرًا، مقارنة بالالتزام الأخلاقي بإنقاذ الأسرى بأي ثمن.

ولقد أوضح العدد الهائل من الموقعين على العرائض أن الدعوة إلى ذلك كانت بمثابة دعوة إلى الاحتجاج السلمي.

واستمرارا للعرائض الاحتجاجية اجتمع رؤساء سابقون للمؤسسة الأمنية، منهم رؤساء الأركان، ومفوضون، ورؤساء الشاباك، والموساد، والاستخبارات العسكرية، مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الخميس بعد أن حذروا في بيان منشور من أن "سلوك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يشكل خطرا على الدولة، وهو يقود إلى كارثة أخرى".

إعلان

وجاء في بيانهم أن استئناف القتال في قطاع غزة لأسبابٍ غير جوهرية ودون هدف سياسي قابلٍ للتحقيق لن يُفضي إلى إطلاق سراح الرهائن، ولن يُؤدي إلى هزيمة حماس ، وسيمحو إنجازات الجيش والأجهزة الأمنية في الحرب، إن وقف القتال سيُتيح التطبيع مع السعودية واستعداد أفضل لمواجهة التحدي الإيراني".

وتدعم عرائض الاحتجاج -وفق المنظمين- مئات آلاف المتظاهرين الذين يطالبون في كل أسبوع منذ استئناف القتال في قطاع غزة "بتنفيذ اتفاق إطلاق سراح الرهائن على الفور، قبل أن تستمر الحرب على حماس".

وبحسب صحيفة هآرتس "تشير كافة استطلاعات الرأي إلى أن هذه هي رغبة نحو 75% من الجمهور بوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى إلا أن نتنياهو يختار تجاهل تلك الإرادة".

مصدر الصورة احتجاجات على حكومة نتنياهو مطالبة بالإفراج عن جميع الرهائن (رويترز)

استفزاز قائد الجيش

وتمثل الأعداد التي انضمت إلى عرائض الاحتجاج عصب وحدات الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، مما دفع رئيس الأركان إيال زامير إلى الإعلان عن طرد الموقعين على العرائض الاحتجاجية من خدمة الاحتياط وتهديدهم بأنه لا مكان للنقاش السياسي في صفوف الجيش.

وقال اللواء (احتياط) نمرود شيفر وهو أحد قادة سلاح الجو السابقين، وأحد المبادرين للعريضة الاحتجاجية "أستغرب قرار قائد الجيش الإسرائيلي مخاطبة الموقعين على الرسالة بهذه الطريقة وتهديدهم. هؤلاء أناس أمضوا عشرات ومئات الأيام في خدمة الاحتياط خلال العام والنصف الماضيين، فالرسالة دعوة للحكومة الإسرائيلية لإعادة المختطفين إلى ديارهم، هذه مسؤوليتكم النهائية، فافعلوا ذلك".

وبسبب اتساع رقعة العرائض الاحتجاجية، أجبر رئيس الأركان على تغيير لهجته الموجهة للموقعين -بحسب يديعوت أحرنوت- فبعد قراره الطرد الفوري وتهديدهم صرح زامير، أن الجيش سيواصل العمل بمسؤولية ولن يسمح للخلافات بالتسلل إلى صفوفه.

إعلان

وقال إن "لجنود الاحتياط الحق في التعبير عن آرائهم خارج الخدمة، كمواطنين، في أي قضية، وبطريقة ديمقراطية. هناك ما يكفي من السبل والأماكن للاحتجاج المدني، إن محاولة جرّ الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك التحدث كمجموعة باسم وحدة عسكرية، أمر مرفوض ولن نسمح به".

ووصف المختص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور العرائض الاحتجاجية بأنها غير مسبوقة ليس فقط بسبب توقيتها، ولكن لطبيعة الأشخاص الموقعين عليها، والذين يمثلون أكثر الوحدات العسكرية والأمنية حساسية.

وأوضح أنه بالرغم من أن كثيرا من المحتجين ليسوا في الخدمة الفعلية، "إلا أن لهم تأثيرا كبيرا جدا على الجيش والأجهزة الأمنية ولهم وزنهم في الشارع الإسرائيلي"، فوفقا ليديعوت أحرنوت فإن نحو 20% من الموقعين على العرائض هم من أفراد الخدمة الاحتياطية النشطة.

وأضاف أن أهم ما يميز عرائض الاحتجاج الحالية، هو كسر الإجماع على استمرار الحرب على غزة، وأن إنهاء قضية الأسرى لن يحل بالضغط العسكري.

مصدر الصورة زامير (وسط) يعلن طرد الموقعين على العرائض الاحتجاجية من خدمة الاحتياط ويهددهم (رويترز)

شرارة الاحتجاج

والجدير ذكره أن العرائض الاحتجاجية خصوصًا التي أطلقها الطيارون والعاملون في سلاح الجو الإسرائيلي كانت دفعت إلى إطلاق شرارة موجة رفض الخدمة العسكرية، التي انطلقت في فبراير/شباط 2023 احتجاجًا على خطوات ائتلاف نتنياهو الانقلابية على القضاء.

وانضم في حينه عشرات آلاف من الجنود من الاحتياط، والمحاربين القدامى، وحتى جنود في الخدمة النظامية للاحتجاج.

لكن القائمين على العرائض الاحتجاجية الحالية شددوا على أنه لا يوجد فيها دعوة لرفض الخدمة العسكرية، أو التمرد، وقالوا إنهم يرفعون صوتا من أجل إنقاذ أرواح الأسرى، واتهموا نتنياهو بالتخلي عنهم.

وأكد قائد سلاح الجو ورئيس الأركان السابق دان حالوتس على حق الجنود الاحتياط في التعبير عن رأيهم، بعيدا عن رفض الخدمة العسكرية، وقال إن عدم حدوث الاحتجاجات الآن "يعني أن 400 ألف جندي احتياطي سيضطرون إلى الانتظار حتى نهاية الحرب للتعبير عن آرائهم، أن لهم الحق في التأثير".

إعلان

من جهته، لم يستبعد منصور بأن خطوات قدامى المحاربين في أهم وحدات الجيش والأجهزة الأمنية قد تحفز جنود الاحتياط والنظاميين على الانضمام للعرائض الاحتجاجية.

وأضاف "أن حالة الاحتياط من جهة وتحذيرات زامير نفسه، إضافة إلى حالة انعدام الثقة بين المستوى السياسي والعسكري والأمني هي عوامل محفزة على حالة من التمرد ورفض الخدمة التي تشكل أكبر هاجس لنتنياهو وائتلافه".

في المقابل يرى المختص في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى في حديثه للجزيرة نت: "أن الدعوة للعصيان، وعدم الالتزام بالخدمة العسكرية، سوف تنزع الشرعية عن هذه العرائض، مما يضعف تأثيرها، فالهدف ليس إضعاف الجيش بل الضغط على الحكومة الإسرائيلية به، ليأخذ موقفا حازما في قضية الأسرى والرهائن".

احتجاج صامت

وعقب عرائض الاحتجاج قرر الجيش استبدال جنود الاحتياط في مناطق القتال بجنود نظاميين وتقليص عدد أوامر الاستدعاء المرسلة للاحتياط.

ويعتقد القادة أن عدم ثقة جنود الاحتياط بالمهمة التي تنتظرهم قد يضر بالخطط العملياتية، ومن الواضح فعلا للجيش، أن هناك صعوبة في تنفيذ الخطط القتالية في غزة، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، يتم إرسال المزيد من الوحدات النظامية إلى غزة لتقليل الاعتماد على جنود الاحتياط.

وتعترف مصادر في الجيش وفق صحيفة هآرتس بأن طرد جنود الاحتياط تم بضغط من المستوى السياسي، حتى لو لم يكن مباشراً، ويعتقدون أن أزمة الاحتياط أصبحت أكبر بكثير مما يتم تصويره للرأي العام.

ورغم تهديدات زامير وقراره طردَ جنود الاحتياط الموقعين على العرائض، إلا أنه حذر المستويات السياسية في اجتماع للكابينت في 14 أبريل/نيسان الحالي من ضرورة أخذ النقص في القوى البشرية في الجيش في الاعتبار، "وأنه من المستحيل تحقيق جميع أهداف الحرب من دون تحركات سياسية".

وبحسب أوري مسغاف في مقال نشرته صحيفة هآرتس "بأن زامير اكتشف متأخراً، أنه عُيّن في منصبه من قيادة سياسية فاسدة كانت تتوقع منه أن يبدأ من جديد حرباً سياسية خادعة، وأن يضحي بالرهائن والجنود لصالح احتلال القطاع على الأرض وإدارته من خلال الحكم العسكري، هذه حرب ليس لها إجماع، وليس لديها ما يكفي من الجنود".

إعلان

ويرى مصطفى أن العرائض الاحتجاجية تشجع على الاحتجاج الصامت من الجنود الاحتياط، والذي ظهر في تراجع نسبة المستجيبين لأوامر الاستدعاء للاحتياط إلى 50% والذين يرون أن الحرب الحالية لا تمثلهم.

جنود منهكون

وتحت "تسونامي العرائض الاحتجاجية"، تتكشف أزمة استقرار بين جنود الاحتياط المنهكين، الذين فقدوا الثقة في الحكومة المهملة والمراوغة، كما "تثير البيانات التي تم التعرف عليها في الجيش للمرة الأولى القلق في ضوء الخطاب العام المحيط بقانون الإعفاء من الخدمة العسكرية للحريديم"، حسب تقرير نشرته القناة 12.

وقالت القناة، إنه بعد مرور عام ونصف العام على اندلاع الحرب، تواجه قوات الاحتياط في الجيش أزمة متزايدة حيث تتراجع نسبة المنضمين إلى الجيش، كما تتراجع الدافعية".

وتثير البيانات التي تم التعرف عليها في الجيش للمرة الأولى القلق في ضوء الخطاب العام المحيط بقانون "الإعفاء من الخدمة العسكرية للحريديم".

ويوضح الخبير مهند مصطفى، أن العرائض تعمق الانقسام الداخلي في تواطؤ الجيش ورئيس أركانه زامير في مخططات الحكومة اليمينية المتطرفة في قطاع غزة، ليس لاستعادة الأسرى عبر العمليات العسكرية، بل تنفيذ مخططات أيديولوجية وشخصية لنتنياهو وائتلافه، فضلًا عن أن هناك احتجاجا على عدم تجنيد الحريديم في الجيش مع استئناف العلميات العسكرية.

وفي رأي محللين، فإن هذه الخطوات خصوصا من شخصيات كانت في قلب المؤسسة السياسية والدبلوماسية والعسكرية تعكس اتساع دائرة الدعم لتغيير النهج الحالي اتجاه الحرب على غزة، وقضية الأسرى.

وقد تحولت حركة الاحتجاج الجديدة إلى هاجس لدى نتنياهو وحلفائه، الذين وصفوا المشاركين فيها بأنهم "مجموعة من الفاشلين الهامشيين، وجماعة متطرفة تحاول من جديد تقويض المجتمع الإسرائيلي من الداخل، فهذه الجماعة الصاخبة تعمل لهدف واحد وهو إسقاط الحكومة، إنها لا تمثل الجنود ولا الجمهور".

إعلان

وجاء في العرائض، أن الحرب في الوقت الحالي تخدم أساسا المصالح السياسية والشخصية وليس المصالح الأمنية، وإن تجدد القتال يعيق إطلاق سراح الرهائن، ويعرض الجنود للخطر ويتسبب في إلحاق الضرر بالأبرياء.

مصدر الصورة أزمة استقرار لدى جنود الاحتياط المنهكين الذين فقدوا الثقة في الحكومة المهملة والمراوغة (الجزيرة)

معارضة ضعيفة

ورغم أن المعارضة في إسرائيل ضعيفة ومنقسمة وكانت طوال الوقت تابعة لذيل نتنياهو، وفقا للخبير عصمت منصور إلا أن العرائض قد تشجعها على التحرك والاستفادة من الزخم الاحتجاجي.

وتوقع منصور أن وزن المشاركين في الحراك الاحتجاجي في نظر المجتمع الإسرائيلي كمجتمع أمني يقدس العسكريين والجيش، سيدفع قطاعات أخرى إلى الانضمام للاحتجاج وعلى رأسها نقابات العمال "هستدروت"، وقطاعات اقتصادية مختلفة، يمكنها بسهولة شل الاقتصاد والدعوة الى الإضراب الشامل وهو أسوأ كوابيس نتنياهو وائتلافه.

لذا سيبقى زخم العرائض، لإحداث تغيير دراماتيكي في المشهد الداخلي، لوقف الحرب وإنهاء ملف الأسرى، رهينة بتحويله إلى روافع ضغط فاعلة على نتنياهو، وقدرة المعارضة على اقتناص الفرصة تحرك معها الشارع وتغير من تكتيكاتها بعيدًا عن الانقسام، والتنافس بين مكوناتها المختلفة على من يقود المشهد.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا