في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يمر العالم اليوم بمرحلة من التحول التكنولوجي السريع تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي ، التي باتت تتغلغل في مختلف مفاصل الحياة بأنواعها، ومع هذا التوسع المتسارع، أصبحت الدول والمؤسسات في سباق محموم لاعتماد الخوارزميات ودمجها ضمن عملياتها، بينما ارتفع اعتماد الأفراد على الأنظمة الذكية في أنشطتهم اليومية بصورة غير مسبوقة.
ورغم ما يقدمه الذكاء الاصطناعي من فوائد، فإن لكل تقدم تقني جانبا آخر يجب التوقف عنده، إذ يكشف الاستخدام الواسع وغير المنظم لهذه التقنيات عن مجموعة من التحديات العميقة التي تمس سوق العمل، والخصوصية، والاقتصاد، والاستقرار الاجتماعي، والأمن السيبراني ، وصولا إلى توازنات القوة الدولية.
في هذا المقال، نستعرض 10 محاور تُبرز الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن للإفراط في الأتمتة واستخدام الأنظمة الخوارزمية من دون ضوابط واضحة أن يعيد تشكيل الدورة الاقتصادية ويؤثر في بنية المجتمعات والدول خلال السنوات المقبلة.
مع توسع الذكاء الاصطناعي، تتركز الموارد الرقمية الأساسية المتمثلة في القدرة الحاسوبية، والبيانات، والشرائح المتقدمة في يد عدد محدود من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين .
تُظهر بيانات 2025/2024 أن الولايات المتحدة تهيمن على 70% من القدرة الحاسوبية السحابية العالمية، مقابل 11% للصين، في حين تتقاسم 19% المتبقية دول مثل فرنسا وألمانيا واليابان.
وفي مجال المعالجات المتقدمة، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 80% من القدرة العالمية، مقابل 10% للصين، في حين لا تتجاوز حصة بقية الدول نسبا هامشية.
ويمتد التركز إلى البيانات نفسها إذ تجمع القوى التكنولوجية سنويا ما يفوق 50 ألف تريليون وحدة بيانات تغطي السلوك والمواقع وأنماط الحركة للمستخدمين، مما يمنحها تفوقا حتى على قدرة الحكومات، وتؤكد تقارير الأمن الرقمي أن أقل من 10 مؤسسات تتحكم في الشرائح المتقدمة والبنى السحابية للنماذج الأكثر تطورا.
يمنح هذا الوضع تلك القوى قدرة استثنائية على توجيه المعلومات والتأثير في السلوك العالمي، ومع سيطرة 8 إلى 10 كيانات -غالبيتها أميركية وصينية- على 80-85% من القوة الرقمية، تتعمق "فجوة القوة التكنولوجية التي ستستخدم يوما ما ضد من يخالف مصالح تلك الدول".
الخوارزميات هي نظم حسابية تُعالج البيانات وتتخذ القرارات تلقائيا، ورغم مظهرها المحايد فإنها تعكس تحيزات البيانات التي تُدرَب عليها، ما ينتج عنه اختلالات على نطاق واسع.
وتوضح استطلاعات دولية أن 60% من المؤسسات لا تستطيع تفسير كيفية اتخاذ القرار الخوارزمي، مما يجعل التحيز صامتا وغير مرئي، ويزيد من خطر تحوله إلى نمط دائم يعمق عدم العدالة ما لم تُراجع البيانات وتُضبط النماذج ويزيد الاختلالات في المؤسسات والمجتمع.
تشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل سوق العمل العالمي بسرعة غير مسبوقة منذ الثورة الصناعية ، ويُقدَر أن نحو ربع الوظائف عالميا مهدد بدرجات متفاوتة من الأتمتة، وأن 60% من المهن تضم ما لا يقل عن 30% من الأنشطة القابلة للاستبدال، وعلى مستوى الاقتصاد العالمي يعمل اليوم نحو 3.8 مليارات عامل، وتُظهر بيانات 2025 أن الوظائف الروتينية والحسابية والكتابية والتشغيلية هي الأكثر انحسارا، في حين تتباطأ فرص نمو الوظائف المتقدمة.
يمتد هذا التحول ليشمل قطاعات تشغل أكثر من 3.8 مليارات عامل على النحو التالي:
وبناء على هذه التقديرات للقطاعات، يُتوقع أن يفقد العالم بين 800 مليون و1.2 مليار وظيفة خلال العقد القادم في سيناريو تراكمي تدريجي، وهو تقدير تؤكده منظمة العمل الدولية، وبنك الاستثمار الأوروبي (تقديره بشطب 45% من وظائف أوروبا)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي ترجح نمطا مشابها عالميا ويمثل هذا الحجم من الخسارة تهديدا مباشرا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويمهد للمحور التالي المتعلق بتأثير البطالة على الاستهلاك والدورة الاقتصادية العالمية.
قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى قوة ضد النمو إذا ضرب منظومة الدخل والاستهلاك
يقوم الاقتصاد الحديث على دورة مترابطة، فالاستثمار يولد الوظائف والوظائف تولد الدخل، والدخل يخلق الاستهلاك، والاستهلاك يحرك الطلب الذي يعيد تشغيل الإنتاج.
ومع توسع الأتمتة وفقدان الوظائف المحتمل في القطاعات الكبرى، يصبح تراجع الاستهلاك الخطر الاقتصادي الأول إذ تُظهر تقديرات 2025/2024 أن الأسر التي تتعرض لصدمة في الدخل تخفض إنفاقها الاختياري 8-15%، بينما يؤدي فقدان الوظيفة إلى تراجع الاستهلاك بمقدار ثلث إلى نصف انخفاض الدخل الصافي.
ويمثل الاستهلاك نسبة حاسمة من الناتج المحلي تتراوح بين:
وحسب الدعم الحكومي وأي ضغط واسع على الوظائف، سيقوض قدرة الاقتصادات على الحفاظ على الطلب الذي تعتمد عليه الصناعة، والزراعة، والطاقة والخدمات.
هكذا قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى قوة ضد النمو إذا ضرب منظومة الدخل والاستهلاك، فالإفراط في الأتمتة لا يهدد فقط بتفاقم البطالة وضرب الاستهلاك، بل قد يجعل شركات الذكاء الاصطناعي نفسها ضحية لتراجع الاستهلاك مما يعرضها إلى الخسائر وضرب استثماراتها فهي بالنهاية مؤسسات ربحية.
أصبح الذكاء الاصطناعي محركا رئيسيا لتوسع اقتصاد المراقبة، إذ تعتمد المنصات الرقمية على جمع كم هائل من البيانات السلوكية لاستخدامها في التنبؤ والتوجيه.
وتشير تقديرات 2024 إلى أن صناعة البيانات العالمية تجاوزت 300 مليار دولار، مع توقع بلوغ 550 مليار دولار بحلول 2027 بفعل انتشار الخوارزميات وأنظمة التتبع.
ويُظهر تحليل حديث أن المستخدم الواحد ينتج يوميا أكثر من 1500 نقطة بيانات تشمل كل تفاعل رقمي: ضغطة زر، أو مدة المشاهدة، أو الموقع الجغرافي، أو سرعة الكتابة، أو نوع الجهاز، أو الصفحات التي يزورها، أو التفضيلات الشرائية.
كما تبين بيانات 2023-2025 أن 70% من التطبيقات تجمع معلومات تتجاوز حاجتها، وأن 40% من الشركات تستخدم نماذج تتبع دقيقة ترصد السلوك دون وعي المستخدم.
وارتفعت حوادث تسريب البيانات عالميا بنسبة 20% بين 2022 و2024، في حين تجاوز عدد السجلات المكشوفة عام 2024 إلى 9 مليارات سجل كما أصبحت أنظمة التنبؤ السلوكي قادرة على توقع تصرفات الأفراد بدقة بين 70% و90%.
ويمثل هذا التوسع خطرا يتجاوز الخصوصية، إذ يحول السلوك الإنساني إلى مورد تجاري يمنح الشركات قدرة خفية على التأثير في قرارات الأفراد وتوجيهها وعلى الدول.
تقدر مراكز بحثية أن 20-30% من المحتوى السياسي في 2025 يحتوي على عناصر مزيفة، مما يهدد الحقيقة العامة ويُسهل التلاعب بالمجتمعات واستقرار الدول
يمثل تزييف المحتوى أحد أخطر تداعيات الذكاء الاصطناعي المعاصر، مع قدرة النماذج الحديثة على إنتاج صور وأصوات وفيديوهات بدرجة واقعية تتراوح بين 70% و90%.
وتُظهر تقارير تقنية لعام 2024 تسجيل محاولة تزييف كل 4 دقائق، بينما قفز عدد المقاطع المزيفة من 500 ألف في 2023 إلى أكثر من 8 ملايين متوقعة في 2025، بنمو يقارب 900% وارتفاع إجمالي يفوق 550% خلال 5 سنوات.
ويبين تقرير البرلمان الأوروبي أن 49% من الشركات واجهت محاولات تلاعب بصري أو صوتي، في حين لا تتجاوز قدرة الإنسان على كشف الفيديوهات المزيفة نسبة 24%.
وارتفعت عمليات الاحتيال الصوتي والمرئي بأكثر من 700%، مع دقة تقليد أصوات بنسبة تبلغ 95% ومسؤولية التزييف الصوتي عن 88% من محاولات الانتحال.
وتقدر مراكز بحثية أن 20-30% من المحتوى السياسي في 2025 يحتوي على عناصر مزيفة، ما يهدد الحقيقة العامة ويُسهل التلاعب بالمجتمعات واستقرار الدول.
تشهد الهجمات الإلكترونية المؤتمتة قفزة حادة إذ تشير تقديرات تقنية لعام 2025 إلى أن 87% من المؤسسات العالمية تعرضت لهجمات تعتمد على خوارزميات قادرة على تحليل الثغرات وتنفيذ الاختراق تلقائيا.
وتُظهر بيانات "دارك ترايس" أن هجمات التصيد الذكي ارتفعت 703% في 2024، بينما يعدها 78% من مسؤولي الأمن التهديد الأسرع نموا كما توضح وحدة الاستخبارات الرقمية في "آي بي إم" أن منطقة آسيا والمحيط الهادي استحوذت على 34% من الهجمات بعد زيادة قدرها 13%.
وفي العملات الرقمية، ارتفع الاحتيال القائم على التزييف بنسبة 654%، وشكلت العملات المشفرة 88% من حالات التزييف العميق، في حين يتوقع أن ترتفع خسائر الاحتيال في الولايات المتحدة من 12.3 إلى 40 مليار دولار بحلول 2027.
وتؤكد تقارير شركات الأمن الرقمي -مثل سنتينل وان، وسايبر آرك، وبالو ألتو- أن قدرات الهجوم المؤتمت تنمو بوتيرة قد تصل إلى 900% مقابل نمو دفاعي لا يتجاوز 28-42%، مما يخلق فجوة خطيرة تهدد استقرار المجتمعات.
الإنفاق العسكري المرتبط بالذكاء الاصطناعي تجاوز 130 مليار دولار، مع توقع بلوغه 250 مليارا بحلول 2030 بنمو يقارب 12%
يتوسع الذكاء الاصطناعي بوتيرة تفوق قدرة التشريعات على المواكبة، مما يخلق فراغا تنظيميا واسعا.
وتشير تقديرات 2025 إلى أن أكثر من 70% من الدول لا تمتلك أطرا قانونية شاملة للذكاء الاصطناعي، بينما لا تتجاوز الدول التي تملك قوانين ملزمة للخصوصية 15% فقط.
وتظهر تحليلات بحثية أن 60% من المؤسسات لا تستطيع تفسير قرارات خوارزمياتها، في حين تجمع 40% من الشركات الرقمية بيانات تفوق الحاجة دون رقابة كما ارتفع عدد النماذج المفتوحة المصدر 120% بين 2022 و2024، مما يزيد من صعوبة الضبط وتحذر مؤسسات الحوكمة من أن غياب التشريعات قد يرفع أخطار التزييف والهجمات الذكية بنسبة 80% بحلول 2026، وهو ما يفتح الباب أمام إساءة الاستخدام، وتضارب المصالح، وانتهاك الخصوصية.
تقديرات 2025 تشير إلى أن أكثر من 70% من الدول لا تمتلك أطرا قانونية شاملة للذكاء الاصطناعي، بينما لا تتجاوز الدول التي تملك قوانين ملزمة للخصوصية 15% فقط
يمر العالم بمرحلة تسلح جديدة تتقدم فيها الخوارزميات على العنصر البشري، مع اعتماد الجيوش على أنظمة قتالية ذاتية التحليل واتخاذ القرار دون إشراف مباشر.
ويُظهر تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (2025) أن الإنفاق العسكري المرتبط بالذكاء الاصطناعي تجاوز 130 مليار دولار، مع توقع بلوغه 250 مليارا بحلول 2030 بنمو يقارب 12%.
كما يكشف المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية أن 65% من الجيوش الكبرى تطور طائرات هجومية وأنظمة دفاعية وذخائر جوالة تعتمد على التحليل الخوارزمي.
وقد رُصد في 2024 أكثر من 1200 استخدام لطائرات قتالية ذكية، إضافة إلى 3200 طائرة انتحارية ذاتية في صراعات 2024/2023.
وتظهر دراسات أوروبية أن بعض الأنظمة التنبؤية تعمل كـ"صندوق مغلق" بنسبة خطأ 15-18%، مع انخفاض تدخل الإنسان إلى أقل من 20%، مما يعني قرارات لا يمكن تفسيرها وقد تكون واحدة من كل 5 أو 6 قرارات خاطئة.
وتحذر الأمم المتحدة من ارتفاع احتمالات "اشتباكات غير مقصودة" بنسبة 25-40%، في حين تسجل شبكات الإنترنت الخفية (السوق السوداء) أكثر من 14 ألف عملية بيع لأدوات هجومية.
وارتفع عدد الدول المالكة لقدرات قتالية ذكية من 12 دولة إلى أكثر من 40 دولة، مع تركز 70% من الإنفاق المرتفع في عدد قليل منهم، بما يزيد خطر الصراعات غير المتوقعة.
يكشف الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي عن آثار بنيوية عميقة تمس استقرار المجتمعات ذاتها، فالتداعيات لا تتوقف عند فقدان الوظائف أو تباطؤ النمو فقط، بل تمتد إلى تماسك الدولة وقدرتها على الصمود.
فارتفاع البطالة وتراجع أو انعدام الدخول يُولد ضغطا اجتماعيا متصاعدا، ويرفع من احتمالات الجريمة والاضطرابات مع تقلص فرص العمل وتزايد الشعور بالتهميش.
وعلى المستوى الاقتصادي، يؤدي انخفاض الاستهلاك إلى انكماش الإيرادات الحكومية، ويجبر الدول على خفض الإنفاق أو اللجوء إلى الاقتراض ويربك أسواق المال، في حين ترتفع معدلات التعثر داخل البنوك نتيجة ضعف القدرة الشرائية وتراجع الإنتاجية.
وفي المجال المعلوماتي، تواجه المجتمعات موجة غير مسبوقة من التزييف وانتهاك الخصوصية، مما يضعف الثقة العامة ويجعل الرأي العام أكثر هشاشة أمام التضليل. ومع هذا التراكم، تصبح المجتمعات مهيأة لأي صدمة قد تهز المنظومة بالكامل، علما أن الأزمات الاقتصادية الكبرى كانت تاريخيا مقدمة لحروب واسعة.
وهنا يبرز السؤال الحاسم: هل نحن مستعدون لتحمل الكلفة الحقيقية لهذا السباق التكنولوجي؟
المصدر:
الجزيرة