آخر الأخبار

خسائر أميركا 55 مليار دولار بعد الإغلاق الحكومي الأطول

شارك

واشنطن صوّت مجلس الشيوخ الأميركي مساء أول أمس الأحد على خطوة إجرائية تسمح بالمضي نحو اتفاق تمويلي مؤقت ينهي الشلل الحكومي، في تحرك يُعد أول انفراجة منذ بداية الأزمة.

ويأتي هذا التطور بعد 41 يوما من الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة نتيجة مواجهة حادة في الكونغرس بين الجمهوريين الساعين إلى خفض كبير في الإنفاق وربط التمويل بتعديلات على التزامات "أوباما كير"، والديمقراطيين المتمسكين بتمويل كامل دون شروط سياسية.

وقد تسبب الإغلاق -الذي بدأ في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي- في تعطيل عمل وكالات فدرالية واسعة النطاق وإيقاف رواتب مئات الآلاف من الموظفين، مما كبّد الاقتصاد الأميركي خسائر بمليارات الدولارات.

صدمة الناتج المحلي

وتُظهر قراءات الربع الأخير من العام أن حجم الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو 55 مليار دولار، مع تباطؤ النمو بنحو 0.2% خلال هذا الربع.

ورغم أن جزءا كبيرا من الخسائر سيُعوض بعد استئناف عمل الحكومة فإن التقديرات تشير إلى خسارة دائمة في الناتج القومي تقارب 11 مليار دولار، إضافة إلى نحو 3 مليارات دولار تكلفة مباشرة لعمليات الإغلاق وإعادة التشغيل.

وقد انعكس الشلل الحكومي مباشرة على الأسر مع تعليق رواتب نحو 800 ألف موظف فدرالي، مما سحب نحو 1.7 مليار دولار أسبوعيا من الدخل وأدى إلى تراجع حاد في الثقة والإنفاق الاستهلاكي.

مصدر الصورة قطاع الطيران كان من أبرز المتضررين مع آلاف الرحلات الملغاة (الفرنسية)

تضرر السفر والسياحة

فرضت هيئة الطيران الفدرالية خفضا تدريجيا في وتيرة الرحلات بدأ عند 4% وارتفع إلى 10% لضمان السلامة في ظل نقص المراقبين العاملين بلا أجر.


* سجل يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلغاء نحو 2950 رحلة وتأخير 10 آلاف و800 رحلة خلال 24 ساعة، في أسوأ يوم منذ بداية الأزمة وقبيل ذروة موسم العطلات في البلاد.
* قُدّرت خسائر قطاع السفر والسياحة بنحو مليار دولار أسبوعيا في إنفاق السفر، في حين تكبدت المتنزهات الوطنية والمجتمعات المحيطة بها خسائر يومية تقدر بنحو 80 مليون دولار نتيجة تراجع الزوار بنحو 425 ألف زائر يوميا وإغلاق المتاحف الفدرالية.
* في قطاع الضيافة قُدّرت خسائر الفنادق بنحو 650 مليون دولار خلال الأسابيع الأولى، وبنحو 31 مليون دولار يوميا من حجوزات مفقودة.

شلل الزراعة والتغذية

أدى إغلاق نحو نصف مكاتب وزارة الزراعة وتسريح ثلثي موظفي وكالة خدمات المزارع إلى تجميد القروض والدعم وتعطيل برامج التعويض، إضافة إلى توقف نشر بيانات السوق الزراعية التي يعتمد عليها المزارعون.

إعلان

وعلى الصعيد الاجتماعي، تصاعدت المخاوف بشأن الأمن الغذائي لأكثر من 40 مليون أميركي يعتمدون على برامج التغذية الفدرالية.

ورغم صدور أمر قضائي باستمرار صرف الإعانات فإن تسريح 98% من موظفي إدارة برامج التغذية تسبب في قلق واسع بين الأسر محدودة الدخل وأثقل كاهل بنوك الطعام والجمعيات الخيرية.

مصدر الصورة المزارعون الأميركيون فقدوا الدعم والبيانات الرسمية في موسم حرج (غيتي)

عرقلة الابتكار والاقتصاد الرقمي

امتدت تداعيات الإغلاق إلى قطاع التكنولوجيا والأبحاث، حيث توقفت عمليات المراجعة والموافقات التنظيمية، مما أدى إلى تأجيل قضايا مكافحة الاحتكار الكبرى مثل القضية المرفوعة ضد أمازون، وتعطيل مراجعة طلبات الطرح العام الأولي لشركات التكنولوجيا نتيجة تقليص عمل اللجان المختصة.

كما أوقفت المؤسسة الوطنية للعلوم إصدار مئات المنح البحثية الجديدة، وتوقفت المعاهد الوطنية للصحة عن قبول مرضى جدد في التجارب السريرية الحيوية، مما عطّل مسيرة الأبحاث الطبية والتقنية وجمّد برنامج تمويل للشركات الناشئة.

وتأثر أيضا تدفق العقود الفدرالية التي تضخ نحو 13 مليار دولار أسبوعيا، مما أثر على سيولة شركات التقنية الصغيرة، في حين ارتفعت المخاطر السيبرانية مع عمل فرق الأمن بالحد الأدنى وتعطل تحديث الخدمات الحكومية الإلكترونية.

تآكل الثقة في المؤسسات

لا تقتصر تكلفة الإغلاق على الأرقام فحسب، إذ يرى خبراء أن آثاره تُضعف معنويات موظفي الخدمة المدنية وتؤثر سلبا على قدرة الدولة على الاحتفاظ بكفاءاتها.

وفي هذا السياق، يرى الباحث دونالد موينهين خبير السياسات العامة بجامعة ميشيغان أن الإغلاق ترك "ندبة إضافية داخل الجهاز البيروقراطي"، مؤكدا أن "هذا العام كان الأصعب على العاملين في الحكومة الفدرالية، فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تعاقب موظفيها عندما يفشل السياسيون في تمرير الموازنة".

ويضيف موينهين في حديثه للجزيرة نت أن "استغلال الإغلاق لاستهداف وكالات توصف بأنها ديمقراطية أضعف ثقة الموظفين والمواطنين بمؤسسات الدولة"، محذرا من أن الأبحاث تشير إلى ارتفاع معدلات الاستقالات بعد كل إغلاق.

ورجّح أن تكون الموجة المقبلة الأكبر والأسوأ، نظرا لأن الأزمة جاءت بعد عام اتسم بتقلبات حادة وفصل جماعي وخطاب سياسي نزع الشرعية عن مؤسسات الدولة نفسها.

تكلفة سياسية

وعلى المستوى السياسي، يرى محللون أن تكلفة الإغلاق تمتد إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في واشنطن، ويعتبر ديفيد سوبر أستاذ القانون الدستوري والموازنة الفدرالية بجامعة جورج تاون أن التسوية المرتقبة تمثل "انتصارا واسعا للرئيس دونالد ترامب والجمهوريين" بعدما كان الرأي العام يحمّلهم مسؤولية استمرار الشلل.

ويوضح سوبر في تصريحه للجزيرة نت أن "تراجع الديمقراطيين من دون انتزاع ضمانات تُلزم الإدارة باحترام سلطة الكونغرس في الاعتمادات سيشجع الرئيس على متابعة سياسات تحويل الموارد نحو البرامج التي يفضلها ووقف التمويل عن البرامج التي لا يرغب بها"، وهو ما يجعل من الصعب -وفق تقديره- خوض مواجهة مماثلة قريبا.

ويحذر سوبر من أن هذه النتيجة قد تحمل تكلفة سياسية لاحقة، خصوصا إذا ازداد الغضب الشعبي من ارتفاع أقساط التأمين الصحي أو إذا تعرّض الاقتصاد لانتكاسة.

إعلان

لكنه يرى أن الواقع الحالي يمنح البيت الأبيض "مساحة نفوذ أكبر بكثير مما كان عليه الحال عند بدء الإغلاق"، في وقت يُتوقع فيه أن تستغرق الانقسامات داخل المعسكر الديمقراطي وقتا أطول للالتئام.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار