آخر الأخبار

هل يخدم العلاج النفسي الأنظمة القمعية بدلًا من معالجة أسباب الاكتئاب؟

شارك

في أعقاب الأزمات الإنسانية الكبرى الناجمة عن الحروب والكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وفيضانات وجفاف ممتد ومجاعات، وانقلابات فاشية وحملات أمنية واسعة وإبادة جماعية هي الأسوأ، يتساءل كثيرون عما يمكن تقديمه للضحايا من علاج وإعادة تأهيل للتعافي من كروب الصدمة واضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة ونوبات الغضب والاكتئاب واليأس وانعدام الأفق واعتلالات الهلاوس والارتياب والفصام والذُهان، وما ينجم عنها من اعتلالات جسدية عديدة؟ وهل لدى علماء النفس والمعالجين النفسيين، من أدوات ومقاربات تُعين الضحايا على التعافي من الكارثة وتجاوز عواقبها؟

تلقي هذه التساؤلات الضوء على أزمة معرفية أكبر وأكثر أهمية. ففي نطاق العلوم الاجتماعية الغربية، يبدو ما يسمى بـ"علم النفس" أو "السيكولوجيا" من أكثر الحقول الأكاديمية والبحثية التباسا معرفيا واضطرابا أخلاقيا واختزالا إنسانيا. بل ومن أكثرها ارتباطا بالمشروع الإمبريالي الغربي، داخل الغرب وخارجه.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 هل يمكن اعتبار سرقة مجوهرات اللوفر احتجاجاً على الظلم التاريخي؟
* list 2 of 2 حيدر التميمي عن الاستشراق والترجمة في فهم الفكر العقدي الإسلامي end of list

ارتباط علم النفس بالسياسة

في هذا السياق، اهتمت أفيغيل أباربانل، المعالجة النفسية البريطانية حاليا، الإسرائيلية (سابقا) والمعادية للصهيونية، بتوثيق خبرتها النظرية والعملية في سياق "كشف غموض العلاج النفسي". وإلقاء الضوء على خلفيات العلاج السلوكي الإدراكي وممارساته ومغالطاته ودوره في خدمة السياسات السيكوباتية وقهر الإرادة الإنسانية.

لا ترى أباربانل علم النفس والسياسة موضوعين منفصلين. فكل ما نفعله سياسيا – طريقة توزيع للموارد وتصميم المجتمعات – تحدده سيكولوجيتنا مسبقا، وكذلك منظوماتنا العقدية وتصوراتنا أو مدركاتنا عن العالم، وعن أنفسنا، وعلاقتنا بالآخرين. فالتحليلات السياسية والاقتصادية مُفسِرة ومهمة، لكن علم النفس يُشكل أساس كل شيء في الشؤون الإنسانية، وبالتالي لا يمكن تجاهله.

وهذا التناول ليس مخصصا فقط لمن قد يعانون من الاكتئاب، أو لمن يرغبون في التعرّف عليه؛ إنه مهم للجميع نظرا للعالم الذي نعيش فيه وتأثير علاقتنا بالاكتئاب علينا جميعا.

مصدر الصورة (الجزيرة)

في أواخر ستينيات القرن الماضي، أجرى مارتن سيليغمان وستيفن ماير تجارب "العجز المكتسب" (بالتعلم) في جامعة بنسلفانيا. تضمنت التجارب صدمات كهربائية أُعطيت للحيوانات (الكلاب) المستخدمة في الدراسة بطرق مؤلمة للغاية.

إعلان

قسّم الباحثان الكلاب إلى 3 مجموعات:


* وُضعت كلاب المجموعة الأولى ببساطة في أحزمة دون صدمات.
* وتلقّت كلاب المجموعة الثانية صدمات كهربائية، لكن كان بإمكانها إنهاؤها بالضغط على رافعة أو لوحة بأنوفها.
* وتلقّت كلاب المجموعة الثالثة صدمات مماثلة، لكن دون سيطرة لها عليها، فالرافعة لم تعمل، ولم تتوقف الصدمات إلا عندما تُنهي كلاب المجموعة الثانية "المقيدة" صدماتها.

وعندما وُضعت لاحقا في غرفة حيث يُمكنها الهروب بسهولة من الصدمات بالقفز فوق حاجز منخفض، استلقت كلاب المجموعة الثالثة (التي تعرضت لصدمات لا مفر منها) مستسلمة وأصدرت أنينا، ولم تُحاول الهروب رغم إتاحته بسهولة. أما كلاب المجموعتين الأولى والثانية، فقد تعلمت بسرعة القفز فوق الحاجز وهربت.

خلص الباحثان إلى أن الحيوانات عند تعرضها لصدمات كهربائية متكررة لا تتحكم بها، تعلمت أن لا شيء مما تفعله يؤثر على بيئتها، مما دفعها للتوقف عن محاولة الهروب حتى عندما أصبح ممكنا.

وخلص سيليغمان إلى أن كلاب المجموعة الثالثة تعلمت أن محاولة الهروب من الصدمات بلا طائل، وبالتالي لن تحاول الهروب حتى في بيئات جديدة يكون الهروب فيها ممكنا.

مصدر الصورة أثبتت التجارب أن العجز سببه ظروف خارجة عن الإرادة، لكن التحيز السلوكي حوّل العلاج لتركيز داخلي بدل معالجة الأسباب الخارجية (شترستوك)

احتيال "علمي"

هناك معتلون نفسيا يتوقون للسلطة والسيطرة على الآخرين، فالسيطرة "موردهم" الأهم. فيُسببون الاكتئاب لضحاياهم من خلال إلحاق الضرر بهم إزعاجا وإيلاما نفسيا وجسديا، وجعلهم عاجزين عن التأثير في أوضاعهم وأحوالهم.

وهذان العنصران، الألم النفسي والجسدي، أساسيان لتجربة الاكتئاب، وكلاهما كان حاضرا في هذه التجارب. إن استعداد سيليغمان وماير لإلحاق المعاناة بثدييات عاجزة وواعية وذكية، بزعم تعلم علم النفس البشري، يشير إلى أنهما ربما تصرّفا لإشباع بعض الرغبات السادية فيهما. فمن غيرهم يُعذّب الحيوانات لأي سبب كان، إلا إذا كانوا مرضى معتلين نفسيا أو مختلين عقليا؟

يبدو هذا متسقا مع الاحتيال "العلمي" الذي ارتكبه هذان الباحثان أيضا، والذي لا يزال يُلاحقنا ويُؤرقنا حتى يومنا هذا.

اقترح سيليغمان أن "العجز المُكتسب" كان نموذجا مختبريا للاكتئاب السريري (الإكلينيكي)، ويُنتج 8 من الأعراض التسعة المُدرَجة في دليل الاضطرابات النفسية التشخيصي والإحصائي (DSM) لاضطراب الاكتئاب الشديد.

النظرية هي أن الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب تعلموا الشعور بالعجز، معتقدين أن أي شيء يفعلونه سيكون بلا جدوى، وأنهم لا يملكون السيطرة على بيئاتهم.

أدى هذا البحث لتطوير مناهج علاج معرفي سلوكي (سي بي تي) تتحدى وتفترض تعديل المعتقدات "غير التكيفية" حول السيطرة والفاعلية.

أثبتت تجارب العجز المكتسب (بالتعلم) أن أعراضا شبيهة بالاكتئاب نشأت من ظروف خارجية، وتحديدا، أوضاع لم يكن للحيوانات فيها سيطرة على الأحداث السلبية.

لكن المفارقة واضحة: فبينما أظهرت التجارب بوضوح أن العجز ناتج عن ظروف خارجية لا يمكن السيطرة عليها، أدى التحيز السلوكي إلى تطبيقات علاجية تركز على تغيير الأفكار والسلوكيات الداخلية بدلا من معالجة العوامل الخارجية التي تُسبب العجز في المقام الأول.

إعلان

ومن اللافت أن "العلاج" الوحيد الذي أُتيح للكلاب المكتئبة كان تحريك أرجلها فعليا لإظهار قدرتها على الهرب، وهو ما كان يجب القيام به مرتين على الأقل قبل أن تبدأ بقفز الحاجز بمفردها.

لا أعرف كيف أثرت الصدمة والاكتئاب الناجمان عن هذه التجارب البشعة على تلك الكلاب المسكينة في الأمد الطويل. وكما سيخبرك أي شخص تبنى حيوانا بعد إنقاذه من محنة، حتى بعد تحرر الحيوانات من تعذيب سابق، تبقى لديها درجة ما من الصدمة، وأحيانا تكون دائمة.

لا نعرف ما إذا كان تحريك أرجل الكلاب المكتئبة فعليا "حلّا" دائما. ولكن على أي حال، كان التدخل الخارجي -وليس تغيير معتقدات الكلاب الداخلية- ضروريا لتغيير سلوكها.

مصدر الصورة امرأة من غزة فقدت كل شيء وتعيش في خيمة تحت القصف، فيُقال لها إن معاناتها ناتجة عن تفكيرها الخاطئ لا عن واقعها المأساوي (الفرنسية)

في خدمة سياسات معتلة نفسيا وعقليا

تؤدي الغالبية العظمى من أدمغة البشر الوظائف المخلوقة لها تماما. المشاعر معلوماتٌ أساسيةٌ لبقاء البشر ونموّهم، فهي انعكاسٌ دقيقٌ للتجربة المعيشة أو ردّ فعلٍ عليها. نادرا ما يُصاب الدماغ "الحوفي" limbic بخللٍ وظيفيٍّ أو يُنتج مشاعرَ لا معنى لها.

المعلوم أن المنظومات "الحوفية" في أدمغة البشر والحيوانات مناطق عميقة مسؤولة عن سلوكياتها لأجل "البقاء" ولا يعرف عنها الكثير. لكن عندما تكون أدمغة المرضى النفسيين "حوفية"، أي أن اعتلالها هو بالمناطق "الحوفية" العميقة، فإنها تُصاب بخلل وظيفي لأنها لا تُنتج مشاعر طبيعية استجابة للتجربة المعيشة. بمعنى آخر، لا يمتلك هؤلاء المرضى النفسيون مشاعر طبيعية، لكن معظم الناس ليسوا مرضى نفسيين.

وقد أظهر البحث بوضوحٍ كيف يُولِّد العجزُ المفروض خارجيا كروبا داخلية. لكن الغريب أنه أدى إلى تطوير علاجاتٍ تُركِّز على تغيير الإدراكات الداخلية بدلا من مُعالجة الظروف الخارجية أو ديناميات وحركيات القوة التي تُسبِّب مِحنا وكروبا للناس.

يُشير هذا التفسير الفادح الخطأ للنتائج التجريبية إلى إحجامٍ كامنٍ عن المُساهمة في التغيير الاجتماعي. ووفقا لأنصار العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، يجب تعليم الأفراد ذوي المُعاناة التفكيرَ بشكلٍ مُختلف، ليتمكنوا من "البقاء" في مواقف تُسبِّب معاناتهم، دون الشعور بالاستياء حيالها.

تقول أباربانل: فكِّروا في امرأةٍ في غزة تعيش الآن في خيمةٍ بعد أن فقدت كلَّ من تُحبُّهم، بمن فيهم أطفالها، وتُكافح لأجل الحصول على الطعام. لقد فقدت عملها، وإحساسها بهويتها، وما كان يمنح حياتها معنى، وكل جانب مما كانت تعتبره واقعها الطبيعي. فهي تعيش في حالة من عدم اليقين المروّع، لا تدري إن كانت هناك نهاية تلوح في الأفق لمعاناتها، أو إن كانت ستنجو منها.

فلا تزال إسرائيل تسيطر على كل شيء في حياتها، وكان نتنياهو قد أعلن -وهو ما كنا نعلم أنه آتٍ لا محالة- أن إسرائيل على وشك إتمام سيطرتها على غزة بأكملها، قبل وقف إطلاق النار بأيام، بينما كان أولئك الذين يستطيعون فعل شيء لوقف هذا الكابوس ما زالوا يختارون التواطؤ مع إسرائيل.

تشعر هذه المرأة بالاكتئاب والخوف واليأس والعجز، وتعاني كروبا بدنية ونفسية شديدة. لنفترض الآن أن معالجا يمارس العلاج النفسي المعرفي جاء للتحدث معها. سيخبرها أنها طوّرت تفكيرا مُشوها أو خاطئا، وأن تفكيرها الخاطئ سبب معاناتها. كل ما عليها هو تعلُم تغيير تفكيرها، وستشعر بتحسن كبير.

هكذا، يرى العلاج النفسي المعرفي أن الصحة النفسية تعني عدم الشعور بمشاعر طبيعية استجابة لتجارب الحياة، الماضية أو الحالية أو كليهما. فإذا تجاهلنا الظروف الخارجية، وألقينا باللوم في محن الناس على "إدراكاتهم الخاطئة"، فلن نضطر لإجراء أي تغييرات لظروف تضرهم. هذا تحريف للمنهج العلمي يخدم الأنظمة التي تعذب الناس.

مصدر الصورة يركز علاج الاكتئاب على كبت الألم بدل إزالة أسبابه، يتواطأ علم النفس الحديث مع الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تؤذي الناس (شترستوك)

عبثية علاج الأعراض

تخيّل أنك وضعت يدك في النار، ستشعر فورا بحرقة وألم شديد كما هو متوقع. ولكن بدل إطفاء النار أو سحب يدك منها، حقنت مخدرا في يدك حتى لا تشعر بالألم. وبينما لا تشعر بأي ألم، تحترق يدك حتى تصبح مقرمشة. هذا ما يفعله "علاج" الاكتئاب بالتركيز على أعراضه وغيره من تحديات الصحة العقلية.

إعلان

يتواطأ علم النفس الحديث مع الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تؤذي الناس. وتستشهد أباربانل بما لاحظه عالم النفس أندرو سامويلز:

"بجانب مشكلات متوقعة -صعوبات في العلاقات، وصدمات مبكرة، ومشاعر الفراغ- نرى أزمات بيئية وغيرها تُقدم كمصدر للأعراض وسبب لتعاسة الأفراد. من وجهة نظر سيكولوجية، فالعالم يجعل الناس مرضى؛ وبالتالي لكي يشعر الناس بتحسن، يجب أن يتغير وضع العالم.

لكن ربما يكون هذا سلبيا للغاية: فربما لكي يشعر الناس بتحسن، عليهم إدراك أن النفسية البشرية هي نفسية سياسية، وبالتالي التفكير في اتخاذ إجراء حيال الوضع الذي يعيشه العالم".

أندرو سامويلز، (2001)، السياسة على الأريكة، ص21.

إذا ليس المريض هو المشكلة؛ بل فلسفة علم النفس وعلاج الأعراض هي الجنون بعينه. كيف يُعقل أن يدّعي سيليغمان وماير، وكثيرون من أتباعهما، أن العجز والاكتئاب مرضٌ أو اعتلالٌ داخليٌّ حين يُلحقون معاناة جسدية ونفسية بتلك الحيوانات البائسة؟

الدرس القيّم الوحيد الذي يُمكن استخلاصه من تجربتهما هو أنه لم يكن هناك أيُّ علةٍ في الكلاب. فحالتها النفسية وسلوكها يعكسان ببساطة بيئتها وظروفها. كما نتعلم أنه يُمكننا إحداث الاكتئاب لدى الثدييات عن طريق إلحاق المعاناة بها عمدا، وسلبها فعاليتها أو قدرتها على تغيير وضعها نحو الأفضل.

مصدر الصورة إسرائيل تستخدم علم النفس كسلاح، فتُحدث العجز والاكتئاب عمدا عبر القمع والتعذيب واعتقال الأطفال وهدم المنازل وسلب الفلسطينيين حريتهم (وكالة الأنباء الأوروبية)

في خدمة الاحتلال الإسرائيلي

بمساعدة جيش من علماء النفس والأطباء النفسيين، تُطبّق إسرائيل هذا النمط (أي إحداث الاكتئاب بإلحاق المعاناة بالضحايا عمدا وسلب قدرتهم على التغيير) بشكل متعمّد ومنهجيٍّ على الفلسطينيين تحت الاحتلال منذ عقود.

إنها تفعل ذلك عبر قمع المقاومة السلمية، وقتل القادة، واعتقال الناس واحتجازهم، بمن فيهم أطفال في سن الدراسة الابتدائية، في سجون البالغين لأجل غير مسمى دون توجيه أي تهمة إليهم (يُسمى ذلك الاعتقال الإداري)، واستخدام التعذيب، وتسليح المستوطنين وتمكين عنفهم، والهدم التعسفي للمنازل والمرافق العامة، وسنّ قوانين وقواعد أكثر وحشية تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني وتحد من حريته.

وبينما تفعل إسرائيل كل هذا وأكثر، فإنها تُشوّش على التعبيرات الدولية الداعمة للشعب الفلسطيني وتقمعها بشدة. تُؤدي الأنظمة السيكوباتية المختلة عقليا، بحكم تعريفها، بالناس إلى الاكتئاب. إن تحفيز وإحداث الاكتئاب لدى الناس ومن يحاولون دعمهم، يُضعف من قدرة الناس على المقاومة الفعّالة.

من وقت لآخر، يجد البشر أنفسهم في مواقف سيئة للغاية تُسبب لهم معاناة، جسدية أو نفسية، وغالبا كليهما. أحيانا نشعر أيضا بالعجز عن تغيير ظروفنا. كل من يعاني من صدمة نفسية متواصلة قد ترسخت بدماغه تجارب المعاناة والعجز. كل من لا حول له ولا قوة في مواجهة إساءات السلطات أو الشركات يمر بالتجربة نفسها.

فالأطفال، بحكم طبيعتهم، عاجزون عن تجنّب الإساءة والإهمال. لذلك، يجب علينا حماية الفئات المستضعفة ومساعدتهم على اكتساب القوة. هذا ما تقوم به نقابات العمال، وخدمات أزمات الاغتصاب، وخدمات العنف الأسري، وغيرها من المنظمات التي تمنح القوة لضحايا يعانون بسبب اختلال توازن القوى.

تدعو أباربانل إلى ضرورة أن يكون لدينا نظام مماثل لحماية الفلسطينيين من نظام الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وهو نظام مُدمّر، بطبيعته، مُعتلّ نفسيا ومُسيء. بدلا من ذلك، فإن من يستطيعون التدخل وكبح العدوان ومنح القوة للفلسطينيين، لا يفعلون ذلك بل يدعمون الجاني ويُمكنونه.

عندما تشاهد ما تفعله إسرائيل في غزة، وعندما تتعاطف مع معاناة الفلسطينيين، وتشاهد من يملكون القدرة على إيقافها، لا يفعلون شيئا أو يتواطؤون مع العُدوان بنشاط، فإنك تشعر بالمعاناة والعجز. إذا شعرت بنوبات اكتئاب نتيجة لذلك، فهو ليس لأنك مريض أو "مُختلّ وظيفيا"؛ بل لأن دماغك يعكس الواقع بدقة، بما في ذلك وضعك العاجز فيه.

المرض الحقيقي لا يكمن في أولئك الذين يشعرون بالاكتئاب بل في مؤسسة نفسية تُمارس السلطة أو تخدمها من خلال إسكات المشاعر (رويترز)

الاكتئاب ليس مرضا؟

ترى أباربانل أن طريقة "تناول وعلاج" الاكتئاب -فهي لا تستخدم كلمة "شفاء" لأن الاكتئاب ليس مرضا- هي محاولة إيجاد مكامن القوة لدى المكتئب واستخدامها، حتى ولو بأساليب بسيطة.

لكن أوّل ما عليك فعله هو التحقق من مشاعرك، وهذا يعني أن تتنفس، وأن تُقنع نفسك بأن ما تشعر به طبيعي، ثم استكشف ما يُسبب لك في حياتك المعاناة والعجز عن تغيير وضعك.

إذا أصغيت جيدا لنفسك، فقد تُضطر لإجراء تغييرات جوهرية في حياتك، وقد لا تكون هذه التغييرات سهلة أو مباشرة بالضرورة. لكن إذا لم تُغير ما يُسبب لك المعاناة والعجز، فالبديل هو التعايش مع نوبات الاكتئاب. فالأدوية لا تحل مشكلات الحياة الواقعية.

إذا كان سبب اكتئابك هو حالة العالم، وهيمنة المُعتلين نفسيا والأنظمة المُختلة عقليا أو نفسيا، والمعاناة والعجز التي يُسببونها، ففكّر في كيفية التصرف لتغيير العالم. أحيانا تكون الطريقة الأكثر فعالية للمساهمة في التغيير الإيجابي هي أن تكون قدوة حسنة.

إعلان

إذا كنت تُعاني اكتئابا دوريا أو مُتكررا بسبب صدمة في الطفولة، فأنت بحاجة إلى الانخراط في رحلة تعافي. التعافي من الصدمة ممكن، لكنك تحتاج إلى الإطار المناسب، وإلى معالج نفسي يفهم العملية ويستطيع الوقوف بجانبك قدر الإمكان.

كشفت تجارب العجز المكتسب عن حقيقة عميقة: أن المعاناة المفروضة خارجيا تُسبب كربا داخليا. ومع ذلك، أمضى علم النفس الغربي عقودا في الترويج لكذبة معاكسة، أن الكرب حالة مرضية فردية تنبع من تفكير خاطئ وليس من ظروف ضارة، هذا التفكير ليس مجرد ممارسة زائفة علميا؛ بل أداة سياسية تحمي الأنظمة القمعية بتعليم ضحاياها لوم أنفسهم.

تخلص أباربانل إلى أنه عندما نفهم الاكتئاب كاستجابة دقيقة لواقع مُحبط، سواء أكان صدمة شخصية أم استغلالا في مكان العمل أم معايشة إبادة جماعية، فإننا نتوقف عن إضفاء طابع مرضي على ردود الفعل البشرية الطبيعية تجاه المواقف غير الطبيعية.

فالمرض الحقيقي لا يكمن في أولئك الذين يشعرون بالاكتئاب بسبب عالم مُحبِط يثير الاكتئاب، بل في مؤسسة نفسية تُمارس السلطة أو تخدمها من خلال إسكات المشاعر ذاتها التي قد تُحفزنا على تغييرها. فإذا كان من الممكن تعلم "العجز"، فكذلك يمكن تعلم "العزم" على تغيير الظروف التي تُسبب معاناتنا.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار