أغاني الراي الجزائرية مثل "طال غيابك يا غزالي" و"راني خليتها ليك أمانة" للشاب حسني، لم تقتصر شهرتها على الجزائر فحسب، بل لاقت رواجًا واسعًا أيضًا في المغرب، ولا تزال تحقق ملايين المشاهدات على منصة يوتيوب من قبل الجزائريين والمغاربة، في وقتٍ اشتد فيه الصراع الافتراضي بين فئة من شعبي البلدين. فكيف تُشكل أغاني الراي هذا الرابط المشترك بين المغربي والجزائري؟
"حسني لم يمت، فهو حي في قلوب المغاربة والجزائريين، " يكتب أحد المعلقين على فيديو أغنية "طال غيابك يا غزالي" للشاب حسني. فكيف استطاع فن الراي أن يبقى حتى اليوم لغة للتعبير عن الحب والخيانة والحزن لدى شباب البلدين؟
يجيب محسن الودواري، الباحث في الأنظمة المعرفية للخطاب، قائلا: "يمكن القول إن الموسيقى، في أصلها، هي انعكاس روحي لمكنونات الإنسان الباطنية، وهي لغة متعالية عن وسائل التواصل العادية بين البشر. ولهذا، ورغم اختلاف لغات الموسيقى، فإنها تظل وسيلة ممكنة لتوحيد البشرية في تنوعها وتعددها".
ويضيف الودواري: "ينطبق هذا بشكل خاص على موسيقى الراي، التي توحد بين المغربي والجزائري، لأن كليهما يعيشان في الأساس نفس الوضعيات السوسيواقتصادية، وما تخلفه من آثار نفسية، فالمغربي، من الناحية الاجتماعية والاقتصادية نظير الجزائري، ولهذا يجد كل منهما ذاته في موسيقى الراي، التي تعبر عن تحدياتهم اليومية المشتركة، مثل البطالة، وحلم الهجرة إلى أوروبا، والفقر، وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحب. فرغم اختلاف التفاصيل، إلا أن المضمون والحمولة النفسية والاجتماعية يظلان متطابقين".
ويتابع المتحدث ذاته: "ولهذا السبب، تعد موسيقى الراي متعالية على كل ما هو سياسي، فهي تمثل مساحة لا يختلف حولها المغربي والجزائري، بل تجمعهما وتوحد بينهما في الهم والأمل. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الموسيقى، حتى اليوم، لم تنزلق إلى بؤر التوتر السياسي، وهو ما يجعلها ركيزة موحدة للمواطن المغاربي".
ولد الراي في ريف منطقة وهران الجزائرية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، حين كان شيوخ القرى ينشدون نصوصا شعرية باللهجة العامية، بمرافقة أوركسترا تقليدية. وفي سياق التحولات التي عاشها المجتمع الجزائري اكتسبت هذه الموسيقى شعبية.
وفي بحثه الأنثروبولوجي حول الدلالات الاجتماعية لموسيقى الراي، يرى الباحث مارك شاده بولسن من جامعة تكساس أن "الراي نفسه يشكل تعبيرًا إشكاليًا، استمد من مصادر ثقافية انتقائية للغاية، وغالبًا ما عبر عن مشاعر وهموم عالم الهامش في وهران".
ويضيف بولسن: "نصوص أغاني الراي تعج بتعبيرات عن الرغبة، الندم، الشعور بالذنب، والخيانة، كما تستعمل مزيجا من الصور الشعبية والدينية، التي تُصور النساء كمشاركات في الخداع. وهذا جاء في سياق ثقافي وسياسي خاص، حيث كان معظم الرجال يعانون من العجز الاقتصادي والسياسي".
ويضيف الباحث: "يمكن العثور على مشاعر مماثلة في الموسيقى المنتجة عبر الحدود في المغرب، حيث نقلت موسيقى الراي وصف العلاقات العاطفية إلى المجال العام بسبب السياق السياسي".
ويشار إلى أنه تم ادراج الراي الجزائري ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي ، ويُعد الراي وسيلة لنقل الواقع الاجتماعي دون رقابة أو قيود.
لكن في الجزائر، دفع فنانو الراي ثمنا باهظا، إذ قتل الشاب حسني، "ملك الراي العاطفي"، الذي اغتيل عام 1994 في وهران على يد متطرفين إسلاميين. فقد كانت هذه الموسيقى بجرأتها ودعوتها للحرية، غير مقبولة لدى التيارات المتشددة.
وتعرض الفنان الشاب خالد للهجوم من طرف الجمهور الجزائري وتم اتهامه بالخيانة بعد حصوله على الجنسية المغربية، واعتبر بعض الجزائريين قراره إساءة للوطن. في المقابل اعتبر المغاربة رفعه لعلم البوليساريو في اسبانيا مس بالوحدة الترابية.
يُذكر أن قرار إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر يعود إلى عام 1994، عقب تفجيرات فندق "أطلس آسني" في مراكش، حيث فرض المغرب تأشيرة على الجزائريين، فردت الجزائر بإغلاق الحدود البرية.
من جهتها، تقول الصحفية حفيظة بوضرة، المختصة في جهة شرق المغرب: "الموسيقى لا تعرف الحدود. نحن في وجدة نُكن عشقا خاصا لموسيقى الراي الجزائرية، مثل أغاني الشاب حسني، والشاب خالد، والشاب مامي. لازلت أذكر كيف كانت صديقاتي خلال فترة المراهقة يستمعن إلى الشاب حسني، وعند وفاته، حزن عليه الكثير من شباب وجدة، لقد كان بالنسبة لهم مثل عبد الحليم حافظ في مصر".
أغاني الراي الجزائرية تعبر الحدود وتصل لقلوب المغاربةصورة من: Fadel Senna/AFP/Getty Imagesواحتفالا بموسيقى الراي تنظم مدينة وجدة شرق المغرب مهرجان الراي للتعريف بهذا الفن الشبابي الذي يعبر عن قضايا الشباب، وشارك في المهرجان فنانون جزائريون مثل شاب بلال وشاب فوضيل.
وفي هذا السياق تضيف بوضرة: "مهرجان موسيقى الراي في وجدة يحظى بإقبال كبير، سواء من المغاربة المقيمين في الداخل أو الخارج، هذه الأغاني تعبر عن قضايا الشباب، ليس فقط في الجزائر، بل في المغرب أيضًا. فمثلا، شاب بلال يعكس عبر أغانيه قضايا المجتمع بكامله".
إلهام الطالبي