في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على مدى أكثر من 3 عقود، عاش رجل غامض في الولايات المتحدة كشبح بلا هوية، متخفيا خلف عشرات الأسماء المستعارة ومخلفا وراءه سجلا إجراميا يمتد من السرقة إلى الشروع في القتل. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقا صحفيا يكشف القصة المذهلة لهذا المحتال الذي تلاعب بالهويات ووثائق الدولة، مستغلا اسم "كارل أفينغر" المسروق لسنوات، ليبلغ ذروة جرأته في عملية احتيال عقاري كبرى في كوينز بنيويورك عام 2023.
ففي قضية هزّت المدينة، قام المتهم وشركاؤه بتزوير ملكيات عقارات بقيمة مئات الآلاف من الدولارات، لكن انكشاف هذه الجريمة الأخيرة لم يكشف اسمه الحقيقي، بل فتح فصلا جديدا من الغموض. فقد واجه الرجل القضاء باسم "جون دو" (مجهول الهوية)، بعد أن فشل المحققون في تأكيد هويته، رغم وجود سجلاته الإجرامية المتراكمة منذ عام 1992. فكيف استطاع سارق الهويات الأول في أميركا خداع نظام العدالة لعقود، ولماذا بقي اسمه الحقيقي حتى اللحظة لغزا؟
وهذا ما يستعرضه التقرير في قصة لم تُغلق فصولها بعد.
بدأت القصة في عام 1992 عندما اعتقل شاب يبلغ من العمر 16 عاما عرّف نفسه باسم إلفيس تيلر (Elvis Teller) بتهمة السطو في مانهاتن، وعلى مدى السنوات التالية، استخدم المتهم أسماء متعددة مثل ماركو فيراري، جون ستامب، بوبي جاكسون، وكارل أفينغر، ليُعتقل أكثر من 30 مرة بتهم مختلفة، من السرقة إلى الشروع في القتل.
خلال فترة سجنه عام 2002، تعرف المتهم على سجين يدعى دواين أفينغر، حكى له عن عائلته في ولاية كارولاينا الشمالية، وبعد خروجه من السجن عام 2003، استغل المتهم هذه المعلومات، ودخل منزل العائلة حيث سرق محفظة كارل أفينغر الحقيقي، متضمنة بطاقته الشخصية ورقمه التأميني.
ومنذ ذلك الوقت، تبنّى هوية "كارل أفينغر" وبدأ باستعمالها في سلسلة جرائم جديدة، مما دمّر حياة الضحية الحقيقي، الذي عانى من صعوبات في السكن والعمل بسبب السجل الإجرامي المنسوب إليه ظلما.
في عام 2006، اعتُقل في أوكلاهوما بعد أن ضُبط بحوزته 51 رطلا من الماريجوانا أثناء قيادته سيارة ميني فان. استخدم حينها اسم "كارل إي. أفينغر"، لكن سرعان ما كُشف زيف هويته، فقُدمت ضده تهم انتحال شخصية، وقضى 3 سنوات في السجن.
عاد بعدها إلى نيويورك، وواصل جرائمه تحت أسماء متعددة حتى عام 2022، وشملت جرائمه القيادة بدون رخصة، والتهديد، والتزوير، مما أدى إلى تراكم سجل إجرامي ضخم باسمه المستعار.
وفي عام 2023، بدأ المتهم أكثر عملياته جرأة بالتعاون مع شريكة جديدة هي أوتمن فاليري (Autumn Valeri)، وهي نائبة رئيس في شركة عقارية تدعى فيف ريالتي (Fave Realty).
ابتكر الثنائي خطة احتيالية تضمنت:
لكن هذه الخطة انهارت بعد سرقة منزل في كيو غاردنز هيل (Kew Gardens Hills) لعائلة تمتلكه منذ 83 عاما، باعا المنزل مقابل 600 ألف دولار، لكن المالكة اكتشفت السرقة عند تلقيها إشعار نقل الملكية.
فقدت العائلة كل ذكرياتها ومقتنياتها العائلية التي رماها الثنائي في القمامة، مما أثار تحقيقا واسعا قادته المدعية العامة ميليندا كاتز في كوينز.
وفي مارس/آذار 2024، وبعد أن انتشرت أخبار القضية، اتصل كارل أفينغر الحقيقي من تينيسي بالمدعين العامين مؤكدا أن الرجل المتهم ليس هو، وأظهرت التحقيقات أن المتهم استخدم اسمه لأكثر من 20 عاما، ومنذ تلك اللحظة، تحوّل التحقيق إلى لغز هوية.
عندما واجهته المحكمة، زعم المتهم أن اسمه كريغ تايلور وأن والدته تدعى مارغريت كيرتس. لكن المرأة التي زعم أنها والدته أكدت لاحقا أن اسمه الحقيقي هو أنجيلو ألكسندر فوربس (Angelo Alexander Forbes) من جزر البهاما، وأنه مولود عام 1976.
رغم ذلك، لم يتمكن المحققون حتى الآن من تأكيد هويته الحقيقية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، اعترف المتهم بسرقة هوية كارل أفينغر، وحُكم عليه بالسجن ما بين 3 سنوات ونصف و7 سنوات، إضافة إلى 9 سنوات محتملة في قضايا أخرى تتعلق بالاحتيال العقاري.
أما شريكته السابقة فاليري فقد خسرت رخصتها العقارية وحُكم عليها بـ5 سنوات من المراقبة، أما هو، فقد حضر جلسة المحاكمة الأخيرة باسم "جون دو" (John Doe)، وهي تعني باللغة الإنجليزية "مجهول الهوية"، في انتظار الحكم النهائي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
هذه القصة جعلت البعض يبحث عن سبب عجز نظام العدالة تحديد من يقف أمامه، إذ كيف لرجل قضى أكثر من 30 عاما ينتحل أسماء الآخرين، يتلاعب بالوثائق، يخدع النظام، ويبقى حتى اللحظة بلا اسم حقيقي؟
المصدر:
الجزيرة