في الماضي، كان الصحفيون يعتمدون على الحواس والملاحظة والاتصالات المباشرة للتحقق من صحة الأخبار، يقلبون الصفحات، ويتصلون بالمصادر، ويقفون أمام العدسات لتقييم الحقيقة بأعينهم.
ومع تصاعد حجم المعلومات الرقمية وتداخل الصور والفيديوهات المزيفة مع النصوص المضللة، أصبح التمييز بين الحقيقة والزيف مهمة معقدة أكثر من أي وقت مضى.
هنا يظهر الذكاء الاصطناعي كرفيق جديد للصحفي، أدواته المتقدمة تقرأ الصور والفيديو، وتفك شيفرة النصوص بسرعة تفوق العقل البشري، لتكشف التلاعب وتضع الحقائق أمامنا واضحة، كمن يضع الأشعة إكس على الزوايا الخفية في الأخبار الرقمية.
في هذا السياق يقول لانري أولاغونجو، رئيس تحرير "تشيك كليمايت أفريكا" (CheckClimate Africa):
"لقد أصبح الذكاء الاصطناعي بلا شك حليفا أساسيا في مكافحة المعلومات المضللة والمغلوطة، لقد شهدتُ شخصيا كيف غيرت أدوات الذكاء الاصطناعي المدعومة عملياتنا".
ومع هذا الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في غرفة الأخبار، تبرز أهمية أدوات التحقق من الحقائق التي تمثل العمود الفقري للصحافة المسؤولة.
الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي للتحقق من الحقائق يمنح الصحفيين القدرة على تجنب المعلومات المضللة التي قد تضر بمصداقيّتهم وثقة جمهورهم.
وتسهم هذه الأدوات في توفير الوقت من خلال أتمتة المهام الروتينية مثل التحقق من صحة المصادر وإدارة المراجع، مع الحفاظ على دقة المحتوى وضمان أن التقارير مبنية على بحث موثوق ومصادر صحيحة، الأمر الذي يجعل عملية التحقق أكثر سرعة وفعالية، ويعزز جودة العمل الصحفي بشكل ملحوظ.
١- التحقق من الوسائط المتعددة
٢- تحليل النصوص
أدوات إضافية للتحقق من الحقائق
تعدّ "سورسلي" أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي مصممة لتبسيط عملية التحقق من المصادر الأكاديمية والوصول إليها، وتمتلك قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 200 مليون ورقة علمية محكمة، وتقدم تجربة بحث تتجاوز حدود الكلمات المفتاحية التقليدية نحو فهم أعمق وسياقيّ للنصوص البحثية.
وعلى عكس قواعد البيانات الأكاديمية المعتادة، تتيح "سورسلي" للمستخدمين البحث باستخدام فقرات كاملة أو ملاحظات شخصية بدلا من الاعتماد على الكلمات المفتاحية فقط.
ويشير الدكتور مشتاق بلال من مركز هانز كريستيان أندرسن بجامعة جنوب الدانمارك إلى أهمية هذه الميزة قائلا:
"إحدى قيود قواعد البيانات مثل "غوغل سكولر" (Google Scholar) أنها تسمح بالبحث بالكلمات المفتاحية فقط. لكن ماذا لو أردت البحث باستخدام فقرات كاملة أو ملاحظاتك؟ "سورسلي" هي تطبيق مدعوم بالذكاء الاصطناعي يتيح لك القيام بذلك".
ومن أهم مميزات الأداة، التصفية حسب سنة النشر، وترتيب النتائج وفق عدد الاستشهادات العلمية، والتحقق من مؤهلات المؤلفين، وتتبع سمعة المجلات العلمية، وتحميل مباشر لملفات الـ"بي دي إف" (PDF).
ولا تتوقف قدرات "سورسلي" عند البحث فقط، إذ يحلل الذكاء الاصطناعي النصوص التي يدخلها المستخدم لتحديد المقاطع الجديرة بالاستشهاد وربطها بالمصادر الأكاديمية ذات الصلة.
كما يقدم لكل مصدر ملخصا ذكيا من نحو 200 كلمة يسهل على الصحفي أو الباحث تقييم مدى صلاحيته بسرعة ودقة.
تساعد أدوات "غوغل" الصحفيين من التأكد مما إذا كانت القصة أو الصورة قد تمّ التحقيق فيها مسبقا بواسطة محققين موثوقين، ويمكن إضافة ملصق "كليم ريفيو" (ClaimReview) للمقالات لتسهيل التعرف عليها من محركات البحث ومواقع التحقق.
تشمل هذه الأدوات:
هذه الأدوات مجانية، وتتيح إمكانية الوصول عبر "إيه بي آي" (API).
"ميدان تشيك" هي منصة للتحقق من المحتوى المرسل عبر تطبيقات المراسلة مثل "ماسنجر" و" واتساب " و"لاين" و"تليغرام" و"فايبر". وتتيح للأفراد تقديم نصوص، وفيديوهات، وصور، أو أسئلة للتحقق منها، بينما يرد عليها المحررون والمحققون الموثوقُون.
وتجمع الأداة الاستفسارات أو المحتوى المماثل لتسهيل تحليل الأنماط، وتدعم إدارة سير العمل بشكل مشترك عبر أدوات التعليقات التوضيحية.
وتقدم "ميدان تشيك" خطة الأعمال بسعر 400 دولار شهريا مع رسوم تفعيل تبلغ 150 دولارا، وخطة المؤسسات بسعر 2900 دولار شهريا مع نفس رسوم التفعيل. وقد تطبق رسوما إضافية حسب حجم المراسلات أو تكاليف التطبيقات الإقليمية، مع إمكانية الوصول للأداة عبر "إيه بي آي".
أدوات الذكاء الاصطناعي تغير بشكل جذري طريقة التحقق من المحتوى الرقمي، إذ تشير الدراسات إلى أن هذه الأدوات توفر حتى 50% من الوقت المستغرق في التحقق من المصادر وإدارة الاستشهادات، وهذا يسمح للصحفيين بالتركيز على التحليل والتقييم.
ومع ذلك، أظهرت تجربة منصة "بوليتي فاكت" (PolitiFact) للتحقق من الحقائق، أن الأنظمة الآلية تواجه صعوبة في الدقة في حوالي نصف الحالات، وهذا يؤكد أن التدخل البشري لا غنى عنه، خصوصا عند التعامل مع السياق والفروق الدقيقة في الأخبار.
من هنا، تظهر أهمية التكامل المثالي عند توزيع المهام، إذ يقوم الذكاء الاصطناعي بمسح المصادر بسرعة، وتنسيق الاستشهادات، واكتشاف الأنماط، ومقارنة قواعد البيانات، بينما يركز الإنسان على تقييم السياق والتحقق من النتائج، ومراجعة الملاءمة، وتطبيق الحكم الخبير لضمان أعلى معايير الجودة والمصداقية.
لتحقيق هذا التكامل، يمكن للمؤسسات:
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يظل أداة قوية لتعزيز العمل الصحفي، لكنه لا يغني عن الخبرة البشرية. فبينما تساعد هذه الأدوات في كشف التزييف وتحليل الكم الهائل من البيانات بدقة وسرعة، يظل الصحفي هو الحكم النهائي على صحة الأخبار وفهم سياقها.
إن التكامل بين سرعة الذكاء الاصطناعي وحكمة الصحفي يشكل ضمانة حقيقية لتحقيق أعلى معايير الدقة والمصداقية، ويجعل من عملية التحقق أكثر فعالية وجودة، وهذا يعزز ثقة الجمهور بالمعلومات التي يتلقونها.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة