تمكن باحثون من معهد نيوجيرسي للتقنية في الولايات المتحدة من استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف 5 مواد مسامية جديدة، قد تمهد الطريق لبطاريات أكثر كفاءة وأمانا من بطاريات أيونات الليثيوم الحالية.
حاليا، تشكل بطاريات أيونات الليثيوم العمود الفقري لمعظم الأجهزة الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية، إلا أن الليثيوم عنصر نادر، واستخراجه مكلف بيئيا، كما أن بطارياته تواجه تحديات في الكفاءة والأمان.
من هنا، اتجه الباحثون إلى بطاريات الأيونات متعددة القيمة، وهي بطاريات تستخدم أيونات تحمل أكثر من شحنة كهربائية واحدة، مثل المغنيسيوم (+2) أو الألمنيوم (+3)، بدلا من (+1) في الليثيوم، مما يسمح نظريا بتخزين طاقة أكبر في الحجم نفسه.
بيد أن المشكلة الأساسية تكمن في أن هذه الأيونات أكبر حجما وأكبر شحنة، مما يجعل اختراقها للتجويفات داخل المواد التقليدية مهمة صعبة بشكل كبير. بالتالي، يحتاج العلماء إلى مواد تتيح حركة هذه الأيونات بسلاسة، دون أن تتعطل أو تضعف البطارية.
لمعالجة هذه الإشكالية، استخدم فريق البحث نظاما من الذكاء الاصطناعي يتكوّن من مرحلتين، الأولى، والمعروفة باسم "آلية ترميز بلوري تعتمد على الانتشار"، تعمل على توليد آلاف البُنى البلورية الجديدة المحتملة لهذه الأيونات، والتي تمكنها من الحركة بسهولة، بحسب الدراسة التي نشرها الفريق في دورية "سيل ريبورتس فيزيكال ساينس".
أما الثانية، فاعتمدت على نموذج لغوي كبير، مُدرّب على تقييم ثبات هذه المواد وسهولة تصنيعها، لاختيار أكثرها وعدا من الناحية العملية.
بهذا الأسلوب، تمكن النظام من تقليص عدد المرشحين بسرعة من آلاف المواد إلى 5 مواد مسامية واعدة، يعتقد أنها ستتيح حركة فعالة للأيونات متعددة القيمة، وتجمع بين الكفاءة والقدرة على التصنيع.
بعد ذلك، بدأ العلماء في عملية التحقق النظري من استقرار هذه المواد باستخدام "المحاكاة الكمومية"، أي استخدام الحواسيب والنماذج الرياضية لمحاكاة سلوك الذرات والجزيئات بدقة عالية اعتمادا على قوانين ميكانيكا الكم بهدف فهم خواص المواد وتصميمها دون الحاجة لتجارب مخبرية مكلفة.
ويعمل الفريق الآن بالتعاون مع مختبرات تجريبية لاختبار المواد فعليا وإنتاج نماذج أولية من البطاريات المبنية عليها.
وإذا أثبتت هذه المواد كفاءتها في الواقع، فقد تُمثّل قفزة نوعية في عالم الطاقة، حيث يمكن تطوير بطاريات أكثر قدرة على تخزين الطاقة، وأسرع في الشحن، وأقل تكلفة، وأكثر أمانا وصداقة للبيئة من بطاريات أيونات الليثيوم، بحسب بيان رسمي صادر من المعهد.
وتكمن الأهمية الكبرى لهذا الإنجاز ليس فقط في المواد التي تم اكتشافها، بل في المنهجية نفسها وهي استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع اكتشاف وتصميم مواد جديدة، وهي مهمة كانت تستغرق سابقا سنوات من التجارب المختبرية.
وفي عصر العلوم الحديثة، ينتج العلماء كميات ضخمة من البيانات، مثل بيانات الجينوم، وصور الأقمار الصناعية، أو نتائج التجارب أو المواد المرشحة لعلوم الأدوية أو فيزياء المواد، ويمكن للذكاء الاصطناعي وتقنيات "تعلم الآلة" تحليل هذه البيانات بسرعة هائلة، واستخراج أنماط ونتائج لم يكن من الممكن ملاحظتها بالعين البشرية.
إلى جانب ذلك، فالذكاء الاصطناعي يمكنه محاكاة التفاعلات الكيميائية، أو توقع سلوك المواد تحت ظروف معينة، هذا يعني أن العلماء يمكنهم "اختبار" مئات الاحتمالات افتراضيا، قبل إجراء تجارب حقيقية، مما يوفر وقتا ومالا وجهدا. ففي علم المواد مثلا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولد تركيبات جديدة ذات خصائص مرغوبة (مثل خفة الوزن أو مقاومة الحرارة).
كما أن بعض خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على ربط معارف من مجالات مختلفة، واكتشاف ترابطات لم تكن واضحة. فعلى سبيل المثال، اكتشاف علاقة بين تغير مناخي وأثره على سلوك مواد معينة، من خلال دمج معلومات من علوم الفيزياء والمناخ.
يشير هذا إلى مستقبل قد يكون فيه تطوير التقنيات المتقدمة قائما على التعاون بين الإنسان والآلة، حيث يمكن للحاسوب أن يقترح، ويقوم العلماء بالتحقّق والتنفيذ، ويشير ذلك إلى دخولنا عصرا جديدا، تبدأ فيه المكتشفات في الفضاء الرقمي أولا.