منذ منتصف القرن الماضي، وتحديدًا عام 1953، حين انطلقت إذاعة صوت العرب من القاهرة، ظل الأثير جسرًا مفتوحًا بين القاهرة والرياض، حاملاً رسالةً إعلاميةً عربيةً موحدة عنوانها “صوت العرب”.
واليوم، وبعد مرور أكثر من سبعين عامًا على تأسيس هذه الإذاعة التاريخية، يكشف خمسة من رؤسائها المتعاقبين لـ«سبق» جوانب إنسانية ومهنية من مسيرة التعاون مع الإذاعات السعودية، في شهادات تؤرّخ لمرحلة ذهبية من التلاحم الإعلامي والثقافي بين البلدين.
استهل الإذاعي الكبير محمد مرعي، الذي ترأس "صوت العرب" خلال الفترة من 1994 إلى 1998، حديثه بالتأكيد على التعاون المؤسسي الذي كان يجمع إذاعة صوت العرب بالإذاعات السعودية، وخاصة إذاعتي الرياض وجدة. وقال مرعي: “التعاون الإعلامي بين القاهرة وجدة والرياض كان مثالًا في المهنية، فلم يقتصر على تبادل البرامج، بل شمل إنتاجًا ثقافيًا وفنيًا متكاملًا بين صوت العرب وإذاعتي جدة والرياض”. وأضاف أن التواصل كان يتم عبر لجان العمل الدائمة في اتحاد الإذاعات العربية، مشيرًا إلى أن صوت العرب كانت ولا تزال منصةً رائدةً للأصوات السعودية المبدعة في مجالي الفن والأدب.
أما الإذاعية أمينة صبري، أول امرأة ترأس شبكة صوت العرب، فقالت إن التواصل مع الفنانين السعوديين بدأ قبل توليها المنصب، وكان أبرزهم الفنان طلال مداح الذي فتح الأبواب أمام التعاون الفني والإذاعي بين البلدين. وأوضحت: “كان طلال مداح حريصًا على أن تنقل إذاعة صوت العرب حفلاته الجماهيرية في السعودية، وقد كنا أول من بث حفله الكبير على الهواء مباشرة، في حدث شكّل نقطة تحول في انتشار الأغنية السعودية عربيًا”.
وأضافت صبري أن "صوت العرب" أسهمت في تعريف المستمع العربي بالمبدعين السعوديين من فنانين وشعراء وأدباء، مشيرةً إلى أن المستمع السعودي يرى في الإذاعة المصرية منصةً تعبّر عنه وتحتفي بإنجازاته. وأكدت أن العلاقة بين صوت العرب والإذاعات السعودية لا تزال حتى اليوم علاقة وجدانية ومهنية قائمة على الاحترام المتبادل والرؤية المشتركة.
من جانبها، أشادت الدكتورة لمياء محمود، التي تولت رئاسة صوت العرب بين عامي 2013 و2022، بدور من سبقوها في ترسيخ هوية الإذاعة ورسالتها. وقالت إن الأستاذة أمينة صبري كانت أول من منحها فرصة لتقديم ندوة كبرى بمناسبة العيد الخمسين لصوت العرب عام 2003، رغم أنها كانت في بداياتها المهنية، مضيفةً: “كانت تلك الندوة لحظة فاصلة في حياتي، إذ جمعت رموز الإذاعة من مصر والدول العربية، وأدركت حينها أن صوت العرب ليست مجرد محطة إذاعية، بل ذاكرة الأمة العربية”.
وأكدت محمود أن التجربة التي عاشتها جعلتها تؤمن بضرورة تمكين الشباب وإتاحة الفرص لهم، مشيرة إلى أن التعاون مع الإذاعات السعودية أثمر عن مشاريع إنتاج مشترك في البرامج الثقافية والدرامية، بجهود شخصيات سعودية بارزة مثل سعد الجريس ويحيى الصلهبي وعبدالمحسن الحارثي وأيمن الردادي، الذين تركوا بصمة واضحة في تطوير العمل المشترك.
أما الإعلامية منال هيكل، التي ترأست صوت العرب بين عامي 2022 و2024، فتحدثت عن تجربتها تحت قيادة الدكتورة لمياء محمود، قائلة: “تعلمت منها الدقة والانضباط واحترام التفاصيل، كما شجعتني على خوض مجالات جديدة في الإذاعة مثل برامج المنوعات بعد أن بدأت في البرامج السياسية، فكانت تؤمن بأن التغيير طريق التطور”.
وأضافت أن “روح العمل الجماعي هي سر تميز صوت العرب، وأن القيادة الناجحة تقوم على المشاركة والثقة”. وأكدت أن الإذاعة ما زالت تحتفظ بمكانتها في وجدان المستمع العربي لأنها استطاعت الموازنة بين الخبرة والتجديد، مشيرة إلى أن التحول الرقمي يمنح الإذاعات فرصًا جديدة للوصول إلى الجمهور، معتبرةً أن “الراديو لن ينتهي، بل سيتطور ليصبح رقميًا وتفاعليًا”.
وفي السياق ذاته، أشار الإذاعي عبدالرحمن البسيوني، الرئيس الحالي لصوت العرب منذ عام 2024، إلى أن التعاون بين مصر والسعودية تطور من مجرد تبادل البرامج إلى تواصل ثقافي شامل يجمع المبدعين في مختلف المجالات.
وقال البسيوني إن التعاون الإذاعي الحالي ضم ثلاث شخصيات سعودية كان لها دور محوري في دعم الشراكة، وهم فيصل العيافي، مساعد رئيس شؤون الإذاعة، وعودة الصبّاغ، مدير إذاعة الرياض، وعدنان الصعيدي، مؤكدًا أن اللقاءات المتكررة معهم في القاهرة تعكس عمق الصداقة والتقدير المتبادل.
وأوضح أن التعاون شمل أيضًا المجال الفني، حيث كان للفنانين السعوديين حضور مميز في القاهرة، أبرزهم طلال مداح ومحمد عبده، اللذان أسهما في ربط المشهد الفني بين البلدين من خلال برامج إذاعية مشتركة تجمع بين الفن والثقافة.
وختم البسيوني بالقول إن التعاون بين الإذاعتين يمتلك جذورًا قوية وقابلًا للتطور في ظل التحولات الرقمية الراهنة، مشيرًا إلى أن العلاقة بين القاهرة والرياض لم تكن مجرد بث متبادل، بل جسرًا للتقارب الثقافي والفني يمكن البناء عليه في مجالات البودكاست والبرامج الرقمية، بما يعكس عمق الروابط التاريخية بين البلدين.