حظي قطاع الثروة الحيوانية بعناية خاصة ودعم سخيّ من القيادة الرشيدة –حفظها الله– التي أولته اهتمامًا متزايدًا ضمن جهودها لتعزيز منظومة التنمية الريفية المستدامة، وتحقيق الأمن الغذائي الوطني، بوصفه أحد المقومات التنموية التي تُسهم في ازدهار الاقتصاد المحلي، واستدامة الموارد الطبيعية.
وتُعَدُّ منطقةُ جازان من أغنى مناطق المملكة بالثروة الحيوانية، وتُشكِّل الإبل فيها ركيزةً من ركائز الإرث الاقتصادي والثقافي، إذ تمثِّل جزءًا أصيلًا من نسيج الهوية السعودية المتوارثة عبر الأجيال، وإرثًا ضاربًا في عمق التاريخ يعكس أصالة الإنسان والمكان.
وتتميَّزُ جازان بتنوعٍ بيئي فريدٍ يجمع بين السهول الساحلية والجبال، ما أوجد بيئات خصبة لتربية الإبل بمختلف سلالاتها، وأسهم في تنوعها الجيني وتكيّفها مع الظروف المناخية المتعددة، لتغدو هذه الثروة الحيوانية جزءًا من ملامح الأصالة في المنطقة، وركيزةً من ركائز اقتصادها الريفي.
وتزدانُ جازان بثروةٍ من الإبل تُسهم في دعم اقتصادها وتعزيز التنوع الإنتاجي، إذ يبلغ عددها نحو (79,478) رأسًا، وفقًا لإحصائية فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة، ما يعكس حجم الرعاية الميدانية والتخطيط المستدام لهذا القطاع الحيوي، ودوره في توفير مصادر دخلٍ متعددة تُسهم في تحسين جودة الحياة في القرى والمناطق الريفية.
وتنقسم الإبل في جازان إلى ثلاث سلالاتٍ رئيسيةٍ هي: "الأوارك، والسواحل، والعوادي"، ولكلٍّ منها خصائصُها البيولوجية، ومزاياها التي تُجسِّد تنوع البيئات الطبيعية في المنطقة.
فإبل "الأوارك" سُمِّيت بهذا الاسم، وفق ما جاء في لسان العرب: "لاعتيادها على أكل شجر الأراك"، علمًا بأنها تتغذى على الأشجار والنباتات الأخرى كالسّمر، مما يمنح حليبها نكهةً مميزةً وقيمةً غذائيةً عاليةً، وهو ما أكسبها مكانة تراثية وتسويقية مرموقة.
أما "السواحل"، فهي من السلالات القوية ذات القدرة الإنتاجية العالية، وتُوصف "الناقة الساحلية" بخصوبتها وسرعة تكاثرها، إذ يمكن بيع حوارها بعد خمسة أشهر فقط، كما يمكن تلقيحها بعد شهرٍ ونصفٍ أو شهرين من الولادة، ما يجعلها من أكثر السلالات إنتاجًا واستدامةً، وحاضرةً في ميدان التنافس التراثي بمزاين الإبل.
في حين تُعَدُّ "العوادي" من الإبل الجبلية الأصيلة التي ارتبطت ببيئة المرتفعات الجازانية، وتمتازُ بقوة بنيتها وصلابتها وقدرتها على التكيُّف مع التضاريس الصعبة والمناخ القاسي، ما جعلها رمزًا للجلد والصبر في الذاكرة والموروث الشعبي المحلي.
ويُعَدُّ السوق الشعبي في محافظة أحد المسارحة، الذي يبدأ من عصر يوم السبت ويستمر حتى يوم الأحد، من أكبر الأسواق المتخصصة في بيع وشراء الإبل على مستوى المنطقة، حيث يشهد حراكًا اقتصاديًا نشطًا يجذب المربين والتجار من مختلف محافظات جازان والمناطق المجاورة، ويُجسِّد نبض الريف الجازاني، ويعكس عمق الارتباط الاجتماعي والثقافي بهذا الموروث الوطني الأصيل.
ويؤكد مربُّو الإبل في منطقة جازان أن علاقتهم بإبلهم تتجاوزُ البعد الاقتصادي، فهي امتدادٌ لهويتهم وارتباطهم الوجداني بالأرض، وإحدى ركائز الأصالة العربية التي صاغت حياة الأجداد، فقد كانت رفيقة دربهم في الترحال والرعي، واحتلت مكانةً بارزةً في الشعر والأمثال والحكايات، لتعود اليوم إلى المشهد التراثي بحضورٍ متجدِّد، مدعوم برؤية الدولة في صون الموروث الوطني وتنميته، واهتمام شبابي متنام نحو تربية الإبل والعناية بها.
وفي ظلّ ما توليه القيادةُ الرشيدة –أيدها الله– من دعمٍ لبرامج التنمية الريفية وتمكين المربين، تواصل وزارة البيئة والمياه والزراعة تنفيذ مشروعات نوعية تُعزِّز استدامة قطاع الإبل في جازان، عبر تحسين السلالات، وتقديم الخدمات البيطرية، وتطوير أسواق الإبل، بما يواكب مستهدفات التنمية الزراعية والاقتصاد الحيوي في المملكة، ويُرسِّخ مكانة جازان إحدى أبرز البيئات الحاضنة لهذا الإرث الأصيل والمورد الوطني الواعد.