في خطوة عدوانية أثارت توترات عالمية، أطلقت روسيا الأسبوع الماضي غزوًا للطائرات المسيرة عبر أجواء بولندا، محاولةً اختبار ردود فعل حلف الناتو من خلال تصعيد تدريجي يتجنب اندلاع صراع واسع النطاق، وأكد وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أن هذا الاختراق، الذي امتد لساعات طويلة، كان تجربة محسوبة من الكرملين لقياس صمود التحالف، مستخدمًا طائرات مسيرة قادرة على حمل ذخائر لكنها خالية من المتفجرات لتجنب إثارة رد عسكري فوري، ووقع الحدث في سياق الحرب الأوكرانية المستمرة، حيث يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استكشاف نقاط الضعف في الجبهة الشرقية للناتو، محاولاً كشف مدى استعداد الدول الأعضاء للتصدي دون الوقوع في فخ التصعيد الكامل، وهذا الغزو، الذي شمل نحو 19 طائرة مسيرة، لم يتسبب في إصابات، لكنه أثار إنذارات أمنية عاجلة، مما يعكس استراتيجية روسية تتسم بالحذر الماكر لإضعاف الوحدة الغربية تدريجيًا.
وأوضح سيكورسكي، في تصريحات لصحيفة "الغارديان" من كييف، أن الطائرات المسيرة، التي اخترقت الأجواء البولندية كانت غير فعالة عمدًا، مما يشير إلى نية روسية واضحة في الاختبار دون إشعال شرارة حرب، ونفى الوزير البولندي أي تقصير في الدفاعات الجوية، مشيرًا إلى أن بعض الطائرات قطعت مئات الأميال داخل الأراضي البولندية، لكن الإسقاط نجح في منع الوصول إلى الأهداف، مع أضرار طفيفة في الممتلكات فقط. "لو وقع هذا في أوكرانيا، لاعتبره نجاحًا بنسبة 100%"، قال سيكورسكي، محولاً التركيز إلى كفاءة الدفاعات رغم إسقاط ثلاث أو أربع طائرات فقط من إجمالي 19، وهذا الغزو يعكس هدفًا روسيًا أساسيًا: قياس سرعة الاستجابة الناتوية، مستغلاً الحدود الجغرافية لإثارة الشكوك حول الوحدة التحالفية.
وفي رد فوري، أعلن الناتو يوم الجمعة نشر طائرات مقاتلة إضافية على الجناح الشرقي لتعزيز الحماية من هجمات مستقبلية، بينما أدى تهديد متجدد أمس إلى نشر طائرات بولندية وحلفائها، وإغلاق مطار لوبلين الشرقي، مع إرسال تنبيهات نصية لسكان الحدود. لم يحدث اختراق آخر، لكن سيكورسكي حذر من أن الرد البولندي كان سيكون "أشد صرامة" لو تسبب الغزو في إصابات أو وفيات، مؤكدًا أن "مع معتدٍ مثل بوتين، ينجح الضغط القاسي فقط"، ويبرز هذا التصعيد الروسي هدفًا استراتيجيًا: إجبار الناتو على إعادة توزيع موارده، مما يرهق الاقتصادات الغربية ويفتح الباب لمزيد من الاختبارات.
ورفض سيكورسكي اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الغزو "قد يكون خطأ"، معتبرًا أن تورط 19 طائرة على مدى سبع ساعات يتجاوز حدود الصدفة. "يمكن تصديق انحراف واحد أو اثنين، لكن ليس 19 خطأ"، قال، مشددًا على أن روسيا تسعى لإثارة الشقاق داخل التحالف، وفي الوقت نفسه، أعرب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن أن هذا الحدث جعل بولندا أقرب إلى الصراع العسكري منذ الحرب العالمية الثانية، مما يعزز التوترات الإقليمية.
وللتصدي لمثل هذه التهديدات، ستتلقى الفرق البولندية المضادة للطائرات المسيرة تدريبات من خبراء أوكرانيين في مركز ناتو ببولندا، حيث يمتلك الأوكرانيون "معدات أفضل وخبرة أعمق" في مواجهة الجيش الروسي، وأكد سيكورسكي أن "الغرب يجب أن يدرك أن الأوكرانيين هم من يدربوننا الآن، لا العكس"، مما يعكس تحولًا في الديناميكيات الأمنية، وهذا التعاون يقاوم هدف روسي آخر: عزل أوكرانيا عن حلفائها، من خلال إظهار فائدتها الاستراتيجية.
وامتد القلق إلى رومانيا، أحدث عضو ناتو يبلغ عن اختراق طائرة مسيرة لأجوائه أمس أثناء هجوم روسي على بنية تحتية أوكرانية، مما دفع إلى إقلاع طائرتين إف-16 للمراقبة. تحدث سيكورسكي على هامش مؤتمر سنوي في كييف جمع نخب أوكرانية وسياسيين دوليين، لمناقشة آفاق ما بعد الحرب.
في المؤتمر، ألقى ترامب رسالة فيديو يدعي فيها تقدمًا نحو السلام في الأشهر الثلاثة الأخيرة أكبر مما حققه بايدن في ثلاث سنوات، معتبرًا أن الحرب لم تكن لتبدأ لو تولى الرئاسة، أما مبعوثه كيث كيلوغ، فقد وصف ترامب بأنه "مستاء" من بوتين، محذرًا الأوروبيين من الضغط عليه. أعرب سيكورسكي عن أمله في جائزة نوبل لترامب إذا حقق "سلامًا عادلًا" يضمن أوكرانيا ضمن حدود دفاعية وتكامل غربي، لكنه شدد على الحكم بالنتائج.
وفي اجتماع باريسي سابق، تعهدت 26 دولة بمهمة أمنية ما بعد الحرب لأوكرانيا، بعضها بقوات أرضية، مع اقتراحات أوروبية لضمانات "تشبه المادة 5" لردع روسيا، ورحب مساعد الرئيس زيلينسكي إيهور زوفكفا بهذا، معتبرًا القوات "ردعًا حقيقيًا"، ورفضت بولندا المساهمة بقوات، محذرًا سيكورسكي من "ضمانات غير موثوقة" قد تثير المزيد من التصعيد الروسي، فهل ستكون هذه الضمانات كافية لإيقاف طموحات الكرملين؟