في مجلس الخلافة الأموية، وأمام أبرز شعراء العصر، استطاع أعرابي من بني عذرة أن يثير إعجاب الخليفة عبدالملك بن مروان بفطنته وسرعة بديهته، ما أدى إلى تكريمه بجائزة مالية كبيرة، بعد أن أحرج شعراء البلاط الثلاثة: جرير، الفرزدق، والأخطل.
بدأت القصة عندما دخل الأعرابي مجلس الخليفة ممتدحًا إياه بقصيدة، ولم يكن يعلم أنه يجالس أعظم شعراء زمانه. فبادره الخليفة بسؤال: "هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام؟" فأجاب الأعرابي دون تردد مستشهدًا ببيت جرير الشهير: فغضّ الطرف إنك من نميرٍ … فلا كعبًا بلغتَ ولا كلابا
فقال عبدالملك: "أحسنت!" ثم سأله: "وهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟" فأجاب الأعرابي: ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راح
فقال الخليفة: "أصبت وأحسنت!" ثم سأله:"فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟" فرد الأعرابي ببيت جرير العذب:
إن العيون التي في طرفها حور … قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وهنا ازداد إعجاب الخليفة وقال له: "أحسنت! فهل تعرف جريرًا؟" فأجاب الأعرابي بصدق: "لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق". فأشار الخليفة إلى الحضور قائلاً: "هذا جرير، وهذا الفرزدق، وهذا الأخطل".
وعندها لم يتمالك الأعرابي نفسه فأنشد ارتجالًاً هاجيًا الفرزدق والأخطل قائلاً:
فحيا الإله أبا حرزة … وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به … ورقَّ خياشيمه الجندل
فاشتعل المجلس، ورد الفرزدق غاضبًا قائلاً:
يا أرغم الله أنفًا أنت حامله … يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم التُرضى حكومته … ولا الأصيل ولا ذو الرأي والجدل
ثم تبعه الأخطل مهاجمًا الأعرابي بقوله:
يا شرَّ من حملت ساقٌ على قدم … ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا … في معشرٍ أنت منهم إنهم سفل
وهنا انتفض جرير دفاعًا عن نفسه وردَّ عليهم بحدة:
أتشتمان سَفاهًا خيرَكم حسبًا … ففيكم – وإلهي – الزورُ والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعكما … لا زلتما في سفالٍ أيها السفل
وعندها نهض جرير واتجه إلى الأعرابي وقبَّل رأسه قائلاً: "يا أمير المؤمنين، جائزتي له". وكانت قيمتها خمسة آلاف درهم. فأعجب عبدالملك بكرم جرير وأمر بمكافأة الأعرابي بمبلغ مماثل، ليخرج الأعرابي من مجلس الخلافة محمّلاً بعشرة آلاف درهم، بعد أن أحرج الشعراء الثلاثة وأثار إعجاب الخليفة بذكائه وفصاحته.