في مفاجأة قلبت موازين الدبلوماسية الدولية، عقب موافقة أوكرانيا على خطة وقف إطلاق النار مع روسيا، تتحول الأنظار الآن إلى موسكو بعد قرار واشنطن استئناف الدعم العسكري والاستخباراتي لأوكرانيا، مع مطالبة الرئيس فلاديمير بوتين بالموافقة على هدنة مدتها 30 يومًا، وهذا التطور يُمثل اختبارًا لروسيا، التي تُواجه ضغوطًا للانخراط في مفاوضات قد تُعيد رسم مستقبل الصراع الأوكراني.
وبعد أشهر من التوتر العلني بين زيلينسكي وترامب، وانقلاب استراتيجية البيت الأبيض السابقة للضغط على كييف، يبدو المشهد الآن مختلفًا جذريًّا. لأول مرة منذ بداية الحرب، تُطالب روسيا صراحةً بالالتزام بوقف إطلاق النار، بينما تحصل أوكرانيا على ضوء أخضر لتعزيز قدراتها العسكرية. والمفارقة تكمن في أن موسكو، التي ظلت تُهيمن على سردية "الحرب الطويلة"، أصبحت في موقف المطالَب بالتنازل، وفقاً لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وفي مؤتمر جدة، حيث عقدت المفاوضات بين أمريكا وأوكرانيا، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن خطة السلام الجديدة، مشيرًا إلى أن الهدنة المؤقتة قد تفتح الباب أمام مفاوضات شاملة.
لكن التفاصيل ما زالت غامضة: هل ستشمل الاتفاقية انسحابًا عسكريًّا؟ أم ضمانات أمنية لأوكرانيا؟ الإجابات معلقة على رد الكرملين، الذي يُفضل ربط أي هدنة بإجراء انتخابات أوكرانية، وهو شرط ترفضه كييف تمامًا.
والوضع على الأرض لا يشير إلى تراجع التصعيد. فالهجوم المسيّر الأوكراني على موسكو ليلة الاثنين – الذي استخدم 337 طائرة – كشف عن قدرة كييف على استغلال الفجوات الأمنية الروسية، حتى مع انقطاع الدعم الأمريكي المؤقت. من ناحية أخرى، تواصل روسيا توسيع نطاق هجماتها: 126 طائرة مسيرة من نوع "شاهد" أُطلقت على أوكرانيا في اليوم نفسه، مع صواريخ باليستية.
وفي قطاع كورسك، نجحت القوات الروسية – بدعم من وحدات كورية شمالية – في دفع الأوكرانيين للتراجع نحو أطراف سودزا. لكن الخبراء العسكريين يرون أن هذا التقدم ليس "انتصارًا استراتيجيًّا"، بل نتيجة هجوم مركّز، خاصةً مع استئناف واشنطن تدفق الاستخبارات الدقيقة لأوكرانيا. السيناريو الأكثر ترجيحًا: استمرار المناوشات حتى لحظة التوصل – أو الانهيار – الدبلوماسي.
والزخم الحالي يشير إلى مكاسب أوكرانية غير متوقعة، ففك الحظر عن مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، واستعادة فعالية أنظمة مثل طائرات إف-16، قد يعيدان التوازن الميداني. لكن التحدي الأكبر يكمن في طبيعة اللعبة السياسية: مع وجود ترامب – الذي يرفض التزامات جو بايدن تجاه أوكرانيا – في السباق الرئاسي، قد تتقلب المواقف بين عشية وضحاها.
ويترقب العالم ردّ الكرملين: هل سيقبل بورقة السلام الأمريكية-الأوكرانية، أم سيراهن على تصعيد عسكري يُعيد كييف إلى طاولة المفاوضات بضعف؟ الإجابة قد تحسمها ساعات، لكن المؤكد أن المشهد الدولي يشهد لحظة فارقة.