عاد الخلاف والتراشق الإعلامي بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح من ناحية وحركة حماس من ناحية أخرى إلى الواجهة، بعد استنكار السلطة إجراء حماس مفاوضات مباشرة مع أمريكا، في وقت تستمر فيه مباحثات غير مباشرة في الدوحة مع الحركة بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبينما اعتبرت السلطة، فتح حماس قناة اتصال مع الجانب الأمريكي "تشتيتا للموقف الوطني الفلسطيني من خلال التفاوض مع جهات أجنبية دون تفويض وطني"، وصف قيادي في حركة حماس اتهام السلطة بغير المقبول، مطالبا بوقف التنسيق الأمني بين السلطة والجانب الإسرائيلي قبل اتهام حماس بالتخابر.
يأتي هذا بينما تتواصل في العاصمة القطرية الدوحة جولة جديدة من المفاوضات يشارك فيها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لإجراء محادثات بين إسرائيل وحماس بهدف تمديد وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وتُطالب إسرائيل بتمديد وقف النار لما يقرب الشهرين، يُفرج خلالهما عن حوالي نصف الرهائن الأحياء المحتجزين في غزة، بينما تُطالب حماس بإجراء محادثات فورية حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الأصلي، الذي من شأنه أن يُنهي الحرب.
كما تأتي هذه الجولة من المباحثات بعد أسبوع من الإعلان عن جلسات تفاوضية مباشرة بين حركة حماس والمبعوث الأمريكي للرهائن آدم بولر في العاصمة القطرية، الذي عبرت حركة حماس عقبه عن أملها في أن تؤدي تلك الجهود لوقف الحرب وإتمام صفقة تبادل الرهائن والمعتقلين الفلسطينيين.
واستنكرت الرئاسة الفلسطينية قيام حركة حماس بفتح قناة اتصال مع الإدارة الأمريكية والتفاوض معها، معتبرة أن ذلك يتعارض مع القانون الفلسطيني خاصة أنه جاء دون تنسيق مسبق مع أي جهة رسمية فلسطينية.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة في بيان، إن "إصرار حركة حماس على تشتيت الموقف الوطني الفلسطيني من خلال التفاوض مع جهات أجنبية دون تفويض وطني وبما يتعارض مع أحكام القانون الفلسطيني الذي يجرم التخابر مع جهات أجنبية، يشكل التفافاً على قرارات القمة العربية ومحاولة لإضعاف الموقف العربي الصارم المتجسد في قرارات القمة الطارئة وتحديداً الخطة المصرية الفلسطينية لإعمار قطاع غزة والتصدي لمحاولات تهجير أهلنا إلى خارج الوطن".
ووجه أبو ردينة دعوة لحماس للعدول عن موقفها وإنهاء الانقسام وتسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية تحت قاعدة سلطة واحدة وقانون وسلاح واحد وتمثيل سياسي وشرعي واحد، وفق تعبيره.
من ناحيتها اعتبرت حركة فتح مفاوضات حركة حماس مع الإدارة الأمريكية "تنازلاً عن الحقوق والثوابت الوطنية وتضحيات الشعب الفلسطيني"، بحسب بيان لها.
وقال الناطق بلسان حركة فتح إياد أبو زنيط لبي بي سي إن "هذه سابقة خطيرة في التاريخ السياسي الفلسطيني"، إذ لم يسبق أن بدأ فصيل بشكل منفرد مع أي طرف خارجي مفاوضات بخصوص القضية الفلسطينية على حد قوله، معتبراً أنه "كان الأجدر بحركة حماس أن تشكل وفداً عربياً فلسطينياً في ظل مخرجات القمة العربية الطارئة، وبالتالي يكون التوجه توافقي جماعي يخدم الكل الفلسطيني".
من جانبه، قال عبد الحكيم حنيني، نائب رئيس حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة، في تصريح صحفي إن اتهام السلطة الفلسطينية للحركة بالتخابر "غير مقبول".
وقال حنيني مساء الثلاثاء، إن "على السلطة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أولًا قبل اتهامنا بالتخابر"، مضيفاً أن "المئات من المعتقلين من أبناء شعبنا الفلسطيني ومن المقاومين يُعذَّبون في سجون السلطة للأسف" على حد تعبيره.
وأكد القيادي في حماس أن إسرائيل "لا تميّز بين حماس أو فتح أو السلطة الفلسطينية، بالنسبة لها كلنا أعداء، بالنسبة لهم كل فرد من الشعب الفلسطيني هو عدو لهذه الحكومة".
وكان المبعوث الأمريكي آدم بولر قال إن التفاوض يهدف للوصول الى حل مع حركة حماس، بما يشمل نزع سلاح الحركة، ولاحقاً قال إن التفاوض المباشر مع حماس كان لهدف واحد ولم "يحقق ثماراً حتى الآن".
وتساءل أبو زنيط: "هل مطلب إبقاء حركة حماس ضعيفة أمريكي فقط ؟"، ويستدرك: "هذا المطلب هو إسرائيلي كذلك، ويضيف إنه بالإبقاء على حركة حماس ضعيفة لتدير قطاع غزة، سيديم الانقسام الفلسطيني ويعفي حكومة نتنياهو من تقديم أي حلول سياسية للجانب الفلسطيني على حد وصفه.
ودعت حركة حماس في بيان لها السلطة الفلسطينية إلى "التوقف عن سياستها في التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين والاستجابة إلى النداءات الوطنية في تغليب مصالح شعبنا العليا في مواجهة الاحتلال ومنع مخططاته" بحسب البيان، في حين ردّ المتحدث باسم حركة فتح إياد أبو زنيط بالقول لبي بي سي على اتهامات حركة حماس للسلطة الفلسطينية بمواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، قائلاً إن "حماس تريد أن تلهي الشارع الفلسطيني بمعارك هامشية تكلف الشارع الفلسطيني الكثير، الكل يعرف أن التنسيق الأمني هو نوع من إدامة حياة الفلسطيني تحت الاحتلال، والتنسيق فيما يتعلق بالتصاريح والسفر وما الى ذلك من أمور حياتية يومية" على حد قوله.
لم يفاجئ تبادل الاتهامات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس الشارع الفلسطيني، فالغالبية باتت ترى في تراشق الاتهامات مشهداً مكرراً منذ أكثر من 18 عاماً، أي منذ بدأ الانقسام الداخلي بين شقي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
لكن تبادل الاتهامات هذه المرة - وفق تقديرات البعض - ينذر بما هو أسوأ لمستقبل التوافق الفلسطيني الفلسطيني وتحديداً حيال اليوم التالي للحرب ومصير الحكم في قطاع غزة.
إذ قال الباحث السياسي الفلسطيني جهاد حرب لبي بي سي إن "عودة تراشق الاتهامات مبني على استمرار الخلافات الفلسطينية على التمثيل الرسمي من جهة والوصول إلى اتفاقيات لمستقبل غزة والمخاوف لدى السلطة الفلسطينية من أن حوار حماس مع الإدارة الأمريكية قد يكون له تبعات سياسية تتعلق بهدنة طويلة الأمد، وبالتالي ترسيخ مكانة حركة حماس في قطاع غزة والمنافسة على التمثيل السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية".
ويضيف حرب أنه "على مدار سنوات طويلة استمعنا إلى تبادل الاتهامات فحركة حماس رفضت اتفاق أوسلو وما نتج عنه من إنشاء للسلطة الفلسطينية وما لحق ذلك في عام 2007 من انقسام داخلي أدى إلى المزيد من التوتر في كل ما يتعلق بحياة ومستقبل الفلسطينيين في شقي الوطن، ما زلنا بعيدين عن أي اتفاق لإنهاء الانقسام".
وبحسب حرب، فإن موقف حركة حماس من الموافقة على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي وفق الخطة المصرية العربية والتي تبنتها القمة الطارئة، هو "محاولة من حماس للتراجع قليلاً عن إدارة الحكم، لكن مع بقاءها مسيطرة على غزة، وحتى الآن لم يصل الفلسطينيون إلى مرحلة قبول بعضهم البعض، إذ أن مستقبل إدارة الحكم في غزة والتفاهمات التي كانت قائمة فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة بات في مهب الريح".
وأضاف حرب أن "الظروف اليوم غير مهيئة للضغط على أي فصيل فلسطيني، ففي غزة هناك كارثة إنسانية وهم كل فلسطيني هناك هو الحصول على أساسيات الحياة وبالتالي لا يملكون ترف التفكير فيمن يدير الحكم في غزة، والأمر ذاته في الضفة الغربية المحتلة فالظروف القاهرة التي نعيشها لا تتيح للفلسطينيين الخروج بمظاهرات إلى الشارع للمطالبة بإنهاء الانقسام في ظل هجمة إسرائيلية واسعة وكبيرة في مناطق مختلفة".
ويرى حرب أن "هناك عجز شعبي فلسطيني عن أي تحركات في مواجهة الانقسام أو الضغط على الأطراف الحاكمة للوصول لاتفاق ينهي الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة".