رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في عددها الصادر أمس الأربعاء أن خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاحتلال قطاع غزة وإعادة إعماره تحت قيادة واشنطن ستكون مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، بل ستثير تداعيات سياسية خطيرة، قد تكون مُدمِّرة.
وبحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط "أ ش أ"، قالت الصحيفة في سياق مقال رأي لكاتبها إيشان ثارور إن ترامب أبدى في خطوة مفاجئة بعد إعلانه رغبته في ضم جرينلاند وكندا وقناة بنما اهتمامه باحتلال قطاع غزة، وإعادة إعماره تحت قيادة واشنطن.
جاء ذلك خلال حديثه مساء أمس في البيت الأبيض؛ إذ أثار دهشة الحضور بطرحه هذه الفكرة، وقد ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مبتسمًا إلى جانب ترامب، مشيدًا بـ"استعداده للتفكير خارج الصندوق"!
ورأت الصحيفة أن السؤال الذي يلوح الآن في الأفق، من بين العديد من الأسئلة، الذي يخيم على رؤى ترامب لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" اللامعة هو: ما سيحدث لنحو مليونَيْ فلسطيني، أصيبوا بصدمة بسبب أشهُر من الحرب.
وكان ترامب واضحًا في اعتقاده أنه يجب عليهم إخلاء المنطقة، ويبدو أنه يعتقد أن العديد منهم لن يعودوا أو حتى لا ينبغي لهم العودة. وإن الولايات المتحدة -على حد تعبير ترامب نفسه- سوف تتخذ موقف ملكية طويل الأمد لغزة.
وأشارت "واشنطن بوست" في مقالها إلى البيان المشترك الذي صدر عن الدول العربية قبل اجتماع ترامب مع نتنياهو؛ لرفض مطالب البيت الأبيض بأن تستقبل مصر والأردن سكان غزة. والآن تُركت هذه الدول تتصارع مع رغبة ترامب في القيام بما قد يرقى إلى التطهير العرقي للمنطقة، وهي الخطوة التي اقترح ترامب إمكانية فرضها من خلال وجود القوات الأمريكية.
وأضافت "واشنطن بوست"، نقلاً عن عدد من المحللين والصحفيين في الشرق الأوسط، لم تذكر هويتهم، بأن أي تهجير قال عنه ترامب إنه قد يكون مؤقتًا أو دائمًا سيكون متفجرًا في المنطقة نظرًا لتاريخ النزوح الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي المستمر لعقود من الزمان لغزة، فلا الفلسطينيون، ولا الزعماء العرب المجاورون لإسرائيل، يثقون في حقيقة الأمر في إسرائيل أو في إمكانية السماح للفلسطينيين بالعودة إلى غزة مرة أخرى إذا غادروها، وسيكون ذلك مزعزعًا للاستقرار السياسي في الدول المجاورة؛ إذ يخشى القادة أن يقابل أي تهجير للفلسطينيين من أرضهم بغضب حاد من قِبل الشعوب العربية.
وتابعت الصحيفة الأمريكية: "إن ترامب بدأ ولايته الثانية بتوسيع الأراضي كهدف معلن، ولكن ترامب لم يتراجع عن التعريفات الجمركية المقررة على السلع الكندية، ولكنه أكد أن حليفة الولايات المتحدة الثابتة وجارتها الشمالية ستكون من الأفضل أن تكون (الولاية رقم 51)، وهدد بإعادة احتلال قناة بنما بسبب مخاوف مما أسماه بـ(التعدي الصيني)، واعتقد أن جرينلاند -وهي جزء مستقل من الدنمارك- يجب أن يتم استيعابها في الولايات المتحدة من أجل إرضاء المصالح الاستراتيجية لواشنطن في القطب الشمالي".
ولكن الاقتراح الخاص بغزة، على الرغم من أنه يبدو غير محتمل، أصبح الأكثر إثارة للدهشة، بحسب تعبير الصحيفة؛ إذ طالما ندد ترامب بالدعم الأمريكي المفتوح لجهود الحرب في أوكرانيا، وأعرب عن أسفه على الطرق التي أهدرت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة الدماء والثروات الأمريكية في الشرق الأوسط، لكنه طرح أمس الثلاثاء التزامًا أمريكيًّا، سيكون مكلفًا ومميتًا ومتفجرًا سياسيًّا.
ويعتقد المحللون أن إعادة إعمار غزة ستستغرق عقودًا من الزمن، وستكلف عشرات المليارات من الدولارات، خاصة أن إسرائيل سحقت المنطقة المزدحمة، ودمرت كل بنيتها التحتية المدنية تقريبًا، وقد تم محو العديد من الأحياء من على الخريطة.
ويقدر مسئولو الأمم المتحدة أن نحو 50 مليون طن من الأنقاض والحطام سوف تحتاج إلى الإزالة قبل أن تبدأ أي جهود لإعادة البناء.
ووصف ترامب غزة بأنها "موقع هدم"، واقترح أن معظم سكان غزة يفضلون أن يكونوا في أي مكان آخر.
وقال ترامب: "لا أعتقد أن الناس يجب أن يعودوا إلى غزة، أعتقد أن غزة كانت سيئة الحظ بالنسبة لهم، لقد عاشوا في الجحيم، غزة ليست مكانًا ليعيش فيه الناس، والسبب الوحيد الذي يجعلهم يريدون العودة -وأنا أؤمن بذلك بقوة- هو أنهم لا يملكون بديلاً".
وذكرت "واشنطن بوست" أن هذه التصريحات تُمثل ذريعة يتردد صداها بشكل متزايد من قِبل حلفائه؛ إذ قال مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف للصحفيين أمس الأول الثلاثاء: "في أي مدينة بالولايات المتحدة إذا وقع دمار يعادل واحدًا بالمئة مما رأيته في غزة فلن يُسمح لأي شخص بالعودة إلى منزله. فهذا مدى خطورة الوضع هناك". وأضاف: "المباني قد تنهار في أي لحظة، ولا توجد أي بنية تحتية تعمل، لا مياه ولا كهرباء ولا غاز، لا شيء، ولا أحد يعلم ما نوع الأمراض التي قد تكون منتشرة هناك؛ لذا عندما يتحدث الرئيس عن تنظيفها فإنه يقصد جعلها صالحة للعيش".
أما بالنسبة لإسرائيل فإن الاحتلال الأمريكي لغزة من شأنه أن يساعد في ترسيخ الهزيمة الاستراتيجية لحركة حماس، ومن شأنه أن يعزز مشروع نتنياهو "لإعادة رسم خريطة" المنطقة، بحسب قول الصحيفة، التي أكدت أن معظم الفلسطينيين في غزة يرون أن إبعادهم هو محاولة لمزيد من التهجير الفلسطيني. ويتفق الكثيرون في المجتمع الدولي مع هذا الرأي، خاصة أن نتنياهو نفسه تلاحقه محاكمة من المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب جرائم حرب في القطاع المنكوب، كما أصدرت محكمة العدل الدولية مذكرة اعتقال دولية ضده، تتهمه بارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية على مدى الأشهر الستة عشر الماضية، ولا تزال محكمة العدل الدولية تحقق مع إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية.
وتضع السلطات الصحية في غزة حصيلة القتلى الحالية فوق 60 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال،
وفي الوقت نفسه ربطت الحكومات العربية، في إطار حرصها على إنهاء الوضع الراهن الكئيب، تمويل إعادة الإعمار في غزة بإحياء العملية السياسية التي من شأنها أن تشهد إنشاء دولة فلسطينية منفصلة.