في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عرض الكاتب والمحلل السياسي ماكس بوت، في عموده بصحيفة واشنطن بوست ، صورة قاتمة لمكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي في عهد الرئيس دونالد ترامب ؛ إذ يزعم أن البلاد تحولت من قوة ديمقراطية رائدة إلى "دولة مارقة" تدفع حلفاءها التقليديين إلى البحث عن ترتيبات أمنية بديلة.
وانطلق الكاتب في مقاله من مشاهداته في "منتدى هاليفاكس الدولي للأمن" الذي انعقد مؤخرا في المدينة الكندية التي تحمل اسم التجمع نفسه، وسط غياب كامل للإدارة الأميركية، في خطوة فسّرها المشاركون على أنها دليل إضافي على ابتعاد الولايات المتحدة عن دورها التاريخي في قيادة التحالفات الديمقراطية.
ومن وجهة نظره أنه ما من أحد شارك في منتدى هاليفاكس -الذي انعقد في الفترة من 21 إلى 23 من الشهر الجاري- كان يشعر بالارتياح تجاه ترامب، حتى إن معظم أعضاء الوفد الأميركي من الحزب الجمهوري أبدوا استياءهم من محاولة الرئيس إرغام أوكرانيا على قبول اتفاق سلام أحادي الجانب.
وأشار المقال إلى أن العلاقات الأميركية الكندية تدهورت إلى أسوأ مستوياتها منذ القرن الـ19 بعدما فرض ترامب رسوما جمركية ثقيلة على الجارة الشمالية التي تعرضت لإهاناته وإصراره على أن تصبح الولاية الأميركية رقم 51.
كما بلغت العلاقات الأميركية الأوروبية مرحلة حرجة جديدة يوم انعقاد المنتدى، الجمعة الماضية، حين وجّهت الولايات المتحدة إنذارا لأوكرانيا بضرورة قبول خطة سلام موالية لروسيا بصورة كبيرة، أو المخاطرة بفقدان كل الدعم الأميركي.
حلفاء واشنطن الذين طالما اعتقدوا في السابق أن سياسة واشنطن التي ترفع شعار "أميركا أولا" ليست سوى انحراف عابر باتوا على قناعة بأن التغيير في التوجه الأميركي أصبح بنيويا وطويل الأمد
وذكر بوت أن كندا تتجه اليوم نحو الصين والهند ، وتدرس حتى التخلي عن شراء مقاتلات "إف-35" الأميركية. في المقابل، تشهد أوروبا أزمة ثقة عميقة بعد إملاءات واشنطن على أوكرانيا لقبول خطة سلام منحازة لروسيا ، مما جعل القادة الأوروبيين يجزمون بأن الولايات المتحدة لم تعد شريكا موثوقا كما كانت.
ووفقا للكاتب، فإن حلفاء واشنطن الذين طالما اعتقدوا في السابق أن سياسة واشنطن التي ترفع شعار "أميركا أولا" ليست سوى انحراف عابر باتوا على قناعة بأن التغيير في التوجه الأميركي أصبح بنيويا وطويل الأمد، وهو ما دفعهم إلى زيادة إنفاقهم الدفاعي، ليس فقط استجابة لضغوط ترامب، بل نتيجة مخاوف من روسيا والصين وتآكل الثقة بالضمانات الأميركية.
وقال المحلل السياسي إن الأوروبيين والكنديين يدرسون الآن وضع ترتيبات أمنية مشتركة خارج المظلة الأميركية، مما قد يمهد -برأيه- لنشوء حلف "ناتو ما بعد الحقبة الأميركية"، وهو ما قد يؤدي إلى أن تمتلك بعض الدول المنضوية فيه -مثل ألمانيا وبولندا- أسلحة نووية خاصة بها.
كما يتوقع المقال أن يتجه الناتو نحو مستويات أعلى من التكامل الدفاعي بين مجموعات محددة مثل تجمع دول الشمال والبلطيق، وأن يشتري الحلفاء المزيد من الأسلحة من بعضهم بدلا من الاعتماد على الصناعات الدفاعية الأميركية.
الأوروبيون والكنديون يدرسون الآن وضع ترتيبات أمنية مشتركة خارج المظلة الأميركية، مما قد يمهد لنشوء حلف "ناتو ما بعد الحقبة الأميركية"
وفي الوقت نفسه، تتعزز الشراكات بين الناتو والديمقراطيات الآسيوية المتشابهة في التوجه، بما يعكس تحوّلا عالميا في هندسة الأمن الجماعي، بحسب الكاتب.
ويخلص بوت في مقاله إلى أن فكرة إنشاء "رابطة عالمية للديمقراطيات"، رغم مثاليتها، ستظل عصيّة على التطبيق بسبب اختلاف الرؤى بين ديمقراطيات الجنوب العالمي ونظيراتها الغربية.
لكن أوروبا وآسيا تمتلكان كتلة ديمقراطية متجانسة بما يكفي لبناء تنسيق أمني مشترك، وإن كان ذلك على حساب النفوذ الأميركي الذي يتآكل يوما بعد يوم، على حد تعبيره.
المصدر:
الجزيرة