أسست اللحظة التي هاجمت فيها قوة مشتركة من الجيش والدعم السريع، ميدان اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش في العاصمة السودانية الخرطوم، صبيحة الثالث من يونيو 2019، لسلسلة من الجرائم والانتهاكات البشعة التي راح ضحيتها آلاف المدنيين خلال الأعوام الست الماضية.
فبعد مقتل أكثر من 1200 شاب في فض الاعتصام والمطاردات التي تلت الأيام الخمس الأولى لجريمة فض الاعتصام، قتل نحو 200 من المشاركين في المسيرات الضخمة الرافضة للانقلاب الذي نفذه قادة الجيش والدعم السريع في أكتوبر 2021.
وخلال الحرب الحالية المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، قتل أكثر من 150 ألف من السودانيين واضطر نحو 12 مليونا للفرار من بيوتهم في أكبر كارثة إنسانية يشهدها العام.
فما القاسم المشترك الذي يحرك تلك الانتهاكات، وهل أفقدت الانتهاكات الجيش والدعم السريع الحصون التي وفرتها لهم الثورة، وقوضت أي دور لهما للعب دور سياسي في مستقبل السودان؟
سجل واضح
مع ارتفاع أعداد الضحايا وتصاعد الاستياء الشعبي من الانهيار الكبير الذي وصلت إليه البلاد، تتزايد الاتهامات لقيادة الجيش والدعم السريع بالتورط في قتل السودانيبن بهدف تقويض مسار التحول المدني وإجهاض الثورة، وتحقيق مطامع سلطوية وتفادي المحاسبة على الجرائم السابقة والفساد.
لكن مراقبين يشككون في قدرة القيادات الحالية على إقناع الشارع السوداني والمجتمع الدولي بطي صفحة تلك الانتهاكات التي تعتبر الأبشع والأوسع نطاقا في تاريخ البلاد.
عمل ممنهج
يؤكد مراقبون أن عمليات قتل المدنيين وخطوات إجهاض الثورة جاءت في سياق عمل ممنهج اتسق مع أهداف طرفي النزاع.
ويقول شريف محمد عثمان الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني: "منذ نجاح الثورة في الإطاحة بنظام البشير، ظلت أطراف نزاع اليوم تتربص بالثوار وقتلت المئات منهم قبل وبعد عملية فض اعتصام القيادة العامة، واستمرت الانتهاكات في أعقاب انقلاب أكتوبر وخلال الحرب الحالية".
ويلفت شريف في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية: "إلى أن الحرب الحالية، أظهرت وحشية أكبر ضد المدنيين، تمثلت في القصف الجوي الذي راح ضحيته الآلاف من المدنيين العزل، إضافة إلى عمليات القتل خارج القانون وقطع الرؤوس" والتي وصفها بأنها "جرائم إرهابية بامتياز".
ويشدد شريف على أن هذه الممارسات تؤكد أن مرتكبيها غير مؤهلين أخلاقياً ولا سياسياً للعب أي دور في مستقبل السودان.
تداعيات قانونية
ظلت الأمم المتحدة تصنف العديد من الجرائم المرتكبة ضد المدنيين بأنها "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
ووفقا لقانونيين فقد وضعت تلك الجرائم الخطيرة المجموعات التي ارتكبتها في مواجهة القانون الدولي.
ويشدد المحامي والخبير القانوني المعز حضرة على خطورة تلك الجرائم، لكنه يشير إلى دور الإفلات المستمر من العقاب في تصاعد تلك الانتهاكات.
ويشدد حضرة على أن الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين لا تسقط بالتقادم نظرا لخطورتها.
وبالنسبة للخبير القانوني وأمين حقوق الإنسان في الجبهة الوطنية العريضة، هشام أبوريدة، فإن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين خلال السنوات الماضية، تعتبر من الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها عليها القانون الدولي بأشد العقوبات.
وأشار إلى أنها تؤكد بشكل جلي القواسم المشتركة بين الجيش والدعم السريع والإخوان والتي تتمثل في الحصول على السلطة والهروب من استحقاقات العدالة على الجرائم السابقة.
خلل كبير
يشير مراقبون إلى الخلل الكبير في المؤسسات الأمنية والعسكرية، باعتباره المسؤول الأول عن الانتهاكات الكبيرة التي تلحق بالمدنيين.
واعتبر عثمان فضل الله رئيس تحرير مجلة "أفق جديد" أن ماجرى من انتهاكات ضد المدنيين يكشف بجلاء الحاجة لإجراء إصلاحات جذرية في المؤسسات العسكرية في السودان.
ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية: "وقف هذه الانتهاكات يتطلب وجود مؤسسات أمنية تكون عقيدتها حماية المواطن لا التنكيل به".
ويحذر خبير الأمن والبيانات عصام عباس من ربط المستقبل السياسي بوجود هذه التشكيلات بصورتها الحالية.
يرى عباس أن جميع الجهات التي ارتكبت جرائم ضد المدنيين في السودان لديها سمات وصفات مشتركة، أبرزها وجود نمط سلوكي إجرامي متكرر يركز على استهداف المدنيين بطرق منهجية وعلى أسس سياسية وعرقية.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية: "إذا لم يتم إصلاح المؤسسات الأمنية فستستمر في ذات النهج الاجرامي الحالي، لا بد من إعادة بناء الجيش على أسس معنية سليمة".
المصدر:
سكاي نيوز