آخر الأخبار

واشنطن: قصة العاصمة التي يدور في فلكها العالم

شارك
مصدر الصورة

إذا نظرت يوماً إلى خارطة الولايات المتحدة، وبالتحديد القسم الشرقي منها، وتأملت أكثر في الحدود التي تفصل بين الولايات، ستجد بين ولايتي ماريلاند وفيرجينيا منطقة صغيرة مستطيلة الشكل عند الضفة الشمالية لنهر بوتوماك، وعند هذه المنطقة ستجد عبارة "مقاطعة كولومبيا"، أو ربما كلمة "واشنطن"، أو "واشنطن دي سي".

ما تنظر إليه هو عاصمة الولايات، وقد اقتُطعت أراضيها من ولايتي ماريلاند وفرجينيا لتكون مقاطعة فيدرالية مستقلة عن أي سلطة محلية للولايات المجاورة.

لكن ما قصة هذه المدينة؟ ولماذا تبدو حدودها غير مألوفة، ولم هي مستقلة عن أي ولاية أخرى؟ ولمّ تعددت تسمياتها؟

في بداية أغسطس/آب 2025، رأينا في الأخبار أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قرر تولي إدارة شرطة مدينة العاصمة واشنطن، ونشر الحرس الوطني فيها بحجة مكافحة الجريمة، ولعل هذا القرار أثار بعض الاستغراب لدى المتابعين، إذ إن الشرطة المحلية في المدن الأمريكية عادة ما تكون تحت إمرة السلطات المحلية للولاية التي تتبع لها المدينة، وليس الحكومة الفيدرالية التي تُدير نوعاً مختلفاً من جهات إنفاذ القانون، فكيف حدث ذلك؟

يعود السبب في ذلك بشكل أساسي إلى أن مقاطعة كولومبيا التي تضم مدينة واشنطن، أو بالتحديد أجزاء من المنطقة الحضرية الكبرى لواشنطن، هي مقاطعة فيدرالية وليست ولاية بحكومة محلية وحاكم منتخب كبقية الولايات، وهذه المقاطعة كانت في معظم أوقاتها تحت سلطة الكونغرس الأمريكي.

مصدر الصورة

في عام 1973، تغيّر الحال قليلاً، إذ أصبح بإمكان سكّان واشنطن انتخاب عمدة للمدينة ومجلس للحكم مكون من 13 عضواً، لكن الكونغرس لا يزال يحتفظ بالكثير من الصلاحيات المتعلقة بشؤون إدارة المقاطعة وميزانيتها.

ولا يوجد للمقاطعة تمثيل فعلي في الكونغرس (السلطة التشريعية في الولايات المتحدة)، لكن السكّان ينتخبون مندوباً عنهم في الكونغرس دون أن يكون لديه حقّ التصويت.

مقاطعة كولومبيا، أو واشنطن دي سي، هي عاصمة الولايات المتحدة، وتضم عدداً من المقرّات الأساسية للحكومة الفيدرالية، أبرزها مبنى الكابيتول، مقرّ الكونغرس، والبيت الأبيض، مقر الرئيس الأمريكي، إضافة إلى مكتبة الكونغرس وجامعة جورج تاون ونصب جيفرسون التذكاري.

كما تضم في جنباتها عدداً كبيراً من المعالم التاريخية والوطنية، تشمل المتاحف والنصب التذكارية والحدائق والمباني التاريخية.

لكن، ولكي نفهم قصة هذه المدينة، علينا أن نتعمق أكثر في تاريخها.

تمرّد بنسلفانيا

مصدر الصورة

خلال السنوات (1765-1783)، خاض سكّان المستعمرات البريطانية الثلاث عشرة عند الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، ثورة ضد بريطانيا العظمى، وتوسّعت هذه الثورة لتصبح حرب الاستقلال الأمريكية، التي كانت بقيادة عدد من الشخصيات أشهرها جورج واشنطن.

خلال تلك الفترة، لم تكن مدينة واشنطن قد أُسّست بعدُ، وكان مقرّ ما يُعرف بالكونغرس القاريّ، وهو المجلس الذي كان يضم في البداية مندوبين عن المستعمرات الثلاث عشرة، يتنقل بين مدن عدة، وأبرزها مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا.

بعد إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1776، ودخول الدستور الأمريكي حيز التنفيذ سنة 1788، اُختيرت نيويورك عاصمة للدولة الاتحادية الجديدة لفترة وجيزة، قبل أن تعود مدينة فيلادلفيا لتصبح العاصمة خلال السنوات بين 1790 وحتى 1800.

لكن التفكير في إنشاء عاصمة تكون تحت سلطة الحكومة الفيدرالية دون الاعتماد على أي سلطة محلية لأي ولاية من الولايات المتحدة، بدأ قبل ذلك.

وقد تبلور هذا التفكير في عام 1783، حين وقع ما عُرف بـ"تمرد بنسلفانيا"، حيث تظاهر عدد من الجنود ضد الحكومة الفيدرالية في مدينة فيلادلفيا التي كانت العاصمة في ذلك الوقت على خلفية المطالبة بأجورهم. ولم تتدخل السلطات المحلية في ولاية بنسلفانيا لإيقاف هذه الاحتجاجات، ما أجبر الكونغرس على الخروج من المدينة، وعُرف الكونغرس في ذلك الوقت بـ"كونغرس الكونفيدرالية"، وكان يمثل الهيئة الحاكمة للبلاد.

مصدر الصورة

سلّطت تلك الحادثة الضوء على أهمية أن تكون العاصمة الوطنية في منطقة لا تخضع لأي سلطة محلية للولايات، وألّا تعتمد الحكومة الفيدرالية على أيّ ولاية لحفظ أمنها.

وفي عام 1790، قرر الكونغرس إنشاء منطقة مربعة الشكل بمساحة 260 كيلومتراً مربعاً حول ضفاف نهر البوتوماك، وذلك في سبيل إنشاء مدينة داخلها تكون مقرّاً دائماً للحكومة الفيدرالية. وأُطلق على المنطقة فيما بعد مقاطعة كولومبيا، وهي صيغة مؤنثة لاسم كولومبوس، مكتشف الأمريكتين، وقد كان اسم كولومبيا يُطلق في الأعمال الأدبية والشعرية على الولايات المتحدة.

وداخل مقاطعة كولومبيا، أُنشئت مدينة واشنطن، التي سُمّيت تيمناً بجورج واشنطن، الرئيس الأول للولايات المتحدة.

لم تكن مقاطعة كولومبيا مكاناً فارغاً في ذلك الوقت، فقد كان ضمن حدودها عدد من التجمّعات السكّانية، أبرزها جورج تاون، التي أصبحت فيما بعد أحد الأحياء التاريخية لمدينة واشنطن.

حريق واشنطن

مصدر الصورة

في الأعوام بين 1812 و 1815، نشأ نزاع مسلح مرة أخرى بين بريطانيا والولايات المتحدة، على إثر مجموعة من العوامل أهمها النزاع على حقوق التجارة البحرية، وبدأت الحرب حين غزت القوات الأمريكية بعض المناطق في كندا شمالاً، والتي كانت تتبع بريطانيا في ذلك الوقت. لم تحقق القوات الأمريكية الكثير من النجاح في حملاتها، وفي عام 1814، حوّلت بريطانيا موقف قواتها من الوضع الدفاعي إلى الهجومي، وشنت حملات ضد بعض المناطق في الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

وفي صيف العام نفسه، وضمن إحدى الحملات الهجومية، تمكّن البريطانيون من احتلال العاصمة واشنطن، وأقدم الجنود البريطانيون على إحراق عدد من المباني والمقار الحكومية، ومن بينها مبنى الكابيتول، ومقر إقامة الرئيس، الذي أصبح يُعرف فيما بعد بالبيت الأبيض. ولم يستمر الاحتلال البريطاني للمدينة سوى يوم واحد فقط، لكن كان له أثر عميق في التاريخ الأمريكي. وبحسب الموسوعة البريطانية، كان تبرير بريطانيا لإحراق واشنطن بأنه رد فعل عقابي على تدمير الأمريكيين مدينة يورك في كندا (المعروفة حالياً باسم تورنتو) في وقت سابق.

بين المقاطعة والمدينة

في منتصف القرن العشرين، أُعيدت المناطق التي كانت إلى الجنوب من نهر بوتوماك إلى ولاية فرجينيا، ما قلّص مساحة مقاطعة كولومبيا إلى 177 كيلومتر مربع، ومنح المقاطعة شكلها المستطيل الفريد الحالي.

بعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، توسّعت مدينة واشنطن مع تدفق السكان بصورة كبيرة إليها، وامتدت لتشمل مناطق خارج حدود مقاطعة كولومبيا، وأصبح التفريق بين المدينة والمقاطعة غير ممكن عملياً، وهو ما أقره الكونغرس عام 1871، حين ألغى الصفة الفردية لمدينتي واشنطن وجورج تاون الواقعتين في مقاطعة كولومبيا، وضم جميع المناطق تحت سلطة إدارية واحدة. لذا يُستخدم الاسمان (مقاطعة كولومبيا، ومدينة واشنطن العاصمة) كمرادفين للمكان نفسه للإشارة إلى العاصمة الأمريكية، ومن هنا جاءت التسمية التي عادة ما نسمعها في نشرات الأخبار، واشنطن العاصمة أو واشنطن دي سي ".Washington, D.C"، وهي بالإنجليزية اختصار لـ "واشنطن، مقاطعة كولومبيا"، للإشارة إلى مدينة واشنطن ضمن حدود المقاطعة، وهي المنطقة ذاتها التي يُطلق عليها كذلك "مقاطعة كولومبيا".

وعادة ما يحكم السياق استخدام أحد الاسمين، ففي الوثائق الرسمية، تُستخدم مقاطعة كولومبيا، فيما يشيع استخدام واشنطن دي سي في الإعلام وبين الناس، وأحياناً تُستخدم تسميات أخرى مثل الحرفين الإنجليزيين (دي سي)، وفي بعض الأحيان تُطلق كلمة واشنطن على المدينة ضمن حدود المقاطعة، وأحيانا تُستخدم للإشارة إلى المنطقة الحضرية التي تتجاوز حدود المقاطعة، وكلها تسميات يحكمها السياق في النهاية، لكنها تشير إلى المكان ذاته.

وتمتد التجمعات السكّانية حول واشنطن لتشمل 10 مناطق خارج حدود المقاطعة، خَمس منها في ماريلاند، وخَمس أخرى في فرجينيا، وأبرز هذه المناطق مونتغومري، وأرلينغتون، لتشكل بذلك منطقة حضرية كبرى تتعدد تسمياتها، فتارة يُطلق عليها منطقة واشنطن الحضرية، وتارة أخرى واشنطن الكبرى، وأحياناً تُسمى منطقة العاصمة الوطنية، وأحياناً أخرى مقاطعة (كولومبيا – ماريلاند– وفرجينيا).

وداخل المنطقة الحضرية هذه يعيش نحو 6.5 مليون نسمة، وفق تقدير مكتب تعداد الولايات المتحدة لسنة 2024، بينهم نحو 700 ألف يعيشون ضمن حدود مقاطعة كولومبيا.

ما هي ولاية واشنطن إذن؟

في 20 يناير/كانون الأول 2020، ومع بداية انتشار وباء كوفيد، سمعنا في نشرات الأخبار عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، لرجل مسافر من الصين إلى ولاية واشنطن غربي الولايات المتحدة.

ولعل بعضنا أصابته الحيرة بشأن ولاية واشنطن حين سمع الخبر، فكيف تكون واشنطن في أقصى الغرب الأمريكي؟ ومنذ متى أصبحت واشنطن ولاية؟

في الحقيقة، فإن ولاية واشنطن شيء، ومدينة واشنطن شيء مختلف تماماً، لكن ما يجمعهما هو أن كليهما سُمّيَ تيمناً بجورج واشنطن، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وأول رئيس أمريكي.

ولاية واشنطن هي إحدى الولايات الأمريكية، وتقع عند الزاوية الشمالية الغربية للولايات المتحدة، وتحدها من الشمال كندا، ومن الغرب المحيط الهادئ، ومن الشرق تحدها ولاية أيداهو، ومن الجنوب أوريغون، وأكبر مدن ولاية واشنطن هي سياتل.

وتعود قصة تسمية الولاية إلى العام 1853، وقبل أن تصبح واشنطن ولاية حتى، حين أقرّ الكونغرس تشريعاً اقتطع بموجبه أراضي من منطقة أوريغون (قبل أن تصبح ولاية) تقع إلى الشمال من نهر كولومبيا، في أقصى شمال غربي الولايات المتحدة، لتصبح منطقة مستقلة، وكان التوجه في البداية تسمية تلك المنطقة "كولومبيا" على اسم النهر، لكن الرأي رسا في النهاية على تسميتها منطقة واشنطن، والتي اكتسبت صفة الولاية وانضمت للاتحاد الفيدرالي سنة 1889.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا