آخر الأخبار

الفاشر: عثرتُ عليهما بين المواشي، سيبقيان معي وأربيهما كما أربي أولادي

شارك
مصدر الصورة

خلال فرارها من مدينة الفاشر بشمال دارفور عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، عثرت واقية على طفلين على قارعة الطريق، وهما في حالة من الخوف بعد أن فقدا والديهما ووجدا نفسيهما في العراء، بينما كانت أصوات الرصاص والقذائف تتردد في كل مكان.

"عثرت عليهما بين المواشي"

اتخذت السيدة، البالغة من العمر 45 عاماً، قراراً صعباً بإنقاذ الطفلين رغم المخاطر والصعاب.

وأخبرتنا، بعد لقائنا بها في مخيم للنازحين بمدينة الدبة بشمال السودان، أنها تمكنت من إنقاذ الطفلين وإيصالهما إلى مكان آمن بعد رحلة شاقة وطويلة.

"عثرتُ عليهما بين المواشي. الناس كانت تموت وتهرب من شدة القذائف. حملتُهما وحضنتُهما وأخذتُهما معي إلى هنا. لا أعرف أحداً من أسرتهما، لكنني تعاطفت معهما وحملتهما. سيبقيان معي إلى أن يشاء الله. إذا ظهرت عائلتهما سأعيدهما، وإن لم تظهر سيبقيان معي وأربيهما كما أربي أولادي. كما أحببتُ أولادي أحبُّهما. حين عثرتُ عليهما كانت حالتهما صعبة؛ كانا يعانيان من الإسهال، وكان الطفل يحتاج إلى اللبن والبسكويت وبطانية وفراش".

مصدر الصورة

فرّ عشرات الأطفال من الفاشر ووصلوا إلى منطقة الدبة من دون ذويهم، بعد أن قطعوا مسافة تصل إلى 1200 كيلومتر، هي طول الطريق بين المدينتين. يعيش هؤلاء مع النازحين داخل خيامهم ويلعبون مع أبناء المخيم.

لا توجد حالياً في المخيم منظمات معنية بالأطفال مثل اليونيسف أو منظمة رعاية الطفل لتقديم الدعم لهؤلاء الصغار. لكن هناك مبادرات من فتيات ونساء نازحات ومتطوعات يسعين للاهتمام بهم.

وجمعت إحدى المتطوعات عشرات الأطفال في ساحة المخيم لتُدخل شيئاً من الفرح إلى قلوبهم؛ راحوا يرقصون ويلعبون على أنغام تنبعث من مذياع صغير، والحماسة ترتسم على وجوههم وهم يتسابقون ويمرحون.

تقول المتطوعة ابتسام عبد الله: "أنا نازحة وجئت مع هؤلاء الأطفال، وأحاول أن أُنسي الأطفال أهوال الحرب بمثل هذا النشاط. الإمكانيات قليلة جداً، ومع ذلك أحاول قدر المستطاع تحسين مزاج الأطفال".

مصدر الصورة

أطفال من دون عائلات ومأوى

وربما كان الأطفال الذين وصلوا إلى الدبة أفضل حالاً من رفاقهم الذين فرّوا إلى منطقة طويلة؛ فعلى الأقل وجد بعضهم عائلات بديلة ومأوى يقيهم من حرارة الشمس وطعاماً يسدّ جوعهم.

أما الأطفال الذين وصلوا إلى منطقة طويلة فما زالوا يعانون في الحصول على المأوى والطعام والرعاية شأنهم شأن بقية النازحين.

ووثّقت الأمم المتحدة 154 حالة لطفل نزحوا من شمالي دارفور بمفردهم منذ سقوط الفاشر حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لكن الرقم الحقيقي غير معروف إلى الآن، بينما تقدّر منظمة الهجرة الدولية عدد النازحين الذين وصلوا إلى طويلة بعد سقوط الفاشر بأكثر من 80 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال.

تقول مديرة المنظمة، إيمي بوب، لبي بي سي "نحاول توفير الحاجات الأساسية للنازحين في طويلة، مثل المأوى والطعام ومياه الشرب النظيفة والخدمات الطبية، لكننا نواجه صعوبات من بينها نقص التمويل وسوء الأوضاع الأمنية وعراقيل إدارية ولوجستية".

وقد خصصت منظمات محلية خياماً مصنوعة من القش لسكن بعض الأطفال الذين وصلوا من دون ذويهم، وتعمل على توفير وسائل للتواصل مع عائلاتهم عبر خدمة الاتصال بالإنترنت عن طريق "ستارلينك"، في ظل انقطاع شبكات الهاتف عن المنطقة.

مصدر الصورة

" قتل أبي وأمي بقذيفة"

من بين هؤلاء الأطفال، الشقيقان رِواق ومُنذِر اللذان نزحا من الفاشر إلى طويلة وحدهما، بعدما قُتل والداهما إثر المعارك هناك. يأملان أن يجتمعا قريباً مع من تبقّى من أفراد عائلتهما.

تقول رواق، "أمي وأبي قُتِلا بقذيفة، وأنا أُصبتُ في إصبعي، وأخي أيضاً أصيب في قدمه. جئنا إلى طويلة بإهانة وجرجرة حتى وصلنا. نعتمد في طعامنا على التكية؛ إذا أحضروا طعام التكية نأكل، وإذا لم يحضروه لا نأكل".

أما منذر، فقد حدّثنا عن اللحظات الأخيرة قبل الهروب من الفاشر.

"حصل اشتباك والناس كانت تجري، وأنا لم أجد أهلي. لم أعد إليهم، جاؤوا بي إلى هنا. أتمنى أن أعثر عليهم ويجمعني بهم الله، وأن تقف الحرب".

مصدر الصورة

ومع سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، حذّرت اليونيسف وعدد من وكالات الأمم المتحدة من تدهور الأوضاع الإنسانية لأكثر من 260 ألف مدني في الفاشر، نصفهم من الأطفال، ودعت الوكالات الأممية إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين، وخاصة الأطفال.

لكن الوكالات الأممية ذاتها كثيراً ما اشتكت من أن الأوضاع الأمنية المتردية ونقص الموارد يعيقان توفير الدعم والحماية للنازحين في السودان، وخاصة الأطفال.

وَضعت الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عامين أهوالاً عديدة على عاتق الأطفال السودانيين؛ بين القتل والتجويع والتجنيد الإجباري والتشرّد، وبقاء أكثر من 13 مليون طفل خارج الدراسة، والنزوح دون أقارب كما في حالة منذر ورِواق.

ومع كل هذا، يبقى حلمُ يومٍ يلامسون فيه السلام والأمان يسكن أعينهم بلا انقطاع، رغم قسوة الحرب التي مزّقت بلادهم.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا