آخر الأخبار

إستراتيجية دول الساحل الأفريقي.. سيادة مغلقة بين التحرر والتبعية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

مع موجة الانقلابات التي عرفتها منطقة الساحل والصحراء في غرب أفريقيا، والتي نتجت عنها حكومات عسكرية عملت على قلب موازين العلاقات الدبلوماسية التي كانت سائدة منذ ما يربو على 6 عقود، كرّس قادة تحالف دول الساحل (الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو) نمطا جديدا يقوم على "الانسحاب والطرد" في تعاملهم مع المنظمات الدولية والإقليمية، والقوات التي كانت تعمل في أرضهم لمحاربة ما يوصف بـ"الإرهاب".

وحول الإستراتيجية الجديدة لدول الساحل التي أنشأت تحالفا خاصا بها، وعملت على الابتعاد عن باريس واتجهت نحو موسكو، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية تحت عنوان " إستراتيجية الانسحاب والطرد في دول الساحل: سيادة مغلقة بين التحرر والتبعية ".

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 أبرز ما نشرته مراكز الدراسات والأبحاث خلال أسبوع
* list 2 of 2 "سيادة بدون اسم".. إسرائيل تُسرّع ضم الضفة الغربية end of list

الورقة -التي أعدها الصحفي المختص في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك- ناقشت مسارات الانسحاب من المنظمات الإقليمية والدولية التي تبنتها نيامي ووغاداغو وباماكو في إطار ردها على الهيئات والدول التي أرادت الوقوف أمامها في ما تسميه السعي إلى السيادة وإعادة الاستقلال.

كما ناقشت السياسة الجديدة لتلك الدول القائمة على ضرورة طرد القوات الأجنبية، وتشكيل قوات مشتركة بهدف محاربة الإرهاب من الداخل ومن دون الاعتماد على قوات الدول الأجنبية.

مصدر الصورة من اليمين رؤساء تحالف دول الساحل: بوركينا فاسو والنيجر ومالي (رويترز)

إستراتيجية الانسحاب

مع وصول القادة العسكريين في منطقة الساحل الأفريقي إلى سدة الحكم عبر الانقلابات، ووقوف المنظمات الإقليمية والدولية في وجه الاستيلاء على السلطة بالقوة، برزت إستراتيجية الانسحاب التي تجلّت في 3 أنواع:

أولا: الانسحاب الثلاثي المشترك

وهي خطوة جماعية تبنتها الدول الثلاث للخروج من بعض المنظمات الدولية والإقليمية التي وقفت في وجه نهجها الجديد، أو تعارضت إستراتيجيتها مع ما تتبناه تلك الهيئات.

وقد انسحبت الدول الثلاث بشكل مشترك من المحكمة الجنائية الدولية في 22 سبتمبر/أيلول 2025، متهمة إياها بالعجز عن ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

إعلان

كما انسحبت الدول الثلاث بشكل مشترك من المنظمة الدولية للفرانكفونية في مارس/آذار 2025، وذلك بعد عقود من العمل معها لتعزيز اللغة الفرنسية والتنوع الثقافي.

كما فعلت هذا النوع من الانسحاب مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ( إيكواس ) في يناير/كانون الثاني 2024.

ثانيا: الانسحاب المتفاوت

وإلى جانب انسحاب دول الساحل الثلاث بشكل مشترك من المنظمات الثلاث، غادرت كذلك مجموعة دول الساحل الخمس ولكن على نحو متفاوت، حيث انسحبت مالي أولا في مايو/أيار 2022، ثم بعد ذلك انسحبت بوركينا فاسو والنيجر، في بيان مشترك، في ديسمبر/كانون الأول 2023.

وتأسست مجموعة دول الساحل الخمس خلال قمة نُظمت بنواكشوط في فبراير/شباط 2014، وعرّفت المنظمة نفسها بأنها "إطار مؤسسي لتنسيق ورصد التعاون الإقليمي في مجالات الأمن والتنمية والحوكمة".

ثالثا: الانسحاب الفردي

ويعني أن تنسحب دولة من الدول الثلاث من لجنة أو منظمة، ولكن بشكل منفرد، وقد حدث ذلك مع مالي حيث انسحبت في أبريل/نيسان 2025، من اتفاقية السلام والمصالحة الموقعة في العاصمة الجزائر عام 2015 بين السلطات المالية والحركات الأزوادية.

وبررت الحكومة المالية قرار الانسحاب "بأعمال عدائية" قالت إن الجزائر ارتكبتها، وكذا استئناف الجماعات الأزوادية المسلحة هجماتها ضد الجيش المالي.

وضمن هذا المسار، أعلنت مالي في أبريل/نيسان 2025 انسحابها من لجنة الأركان العملياتية المشتركة، التي تضم إلى جانبها كلا من الجزائر، و موريتانيا ، والنيجر. وكانت اللجنة قد تأسست عام 2010 "بهدف تنسيق الجهود الأمنية في منطقة الساحل".

وفي إستراتيجية الانسحاب الفردي، أعلنت النيجر في مارس/آذار 2025، انسحابها من قوة عسكرية إقليمية متعددة الجنسيات، تأسست عام 1994، وأعادت نيامي تنشيطها بالتعاون مع أبوجا، ونجامينا، وياوندي عام 2015، بهدف تعزيز جهود التصدي لجماعة بوكو حرام الناشطة في حوض بحيرة تشاد .

وقد بررت النيجر هذا الانسحاب برغبتها في تعزيز أمن مواقعها النفطية، التي تواجه هجمات من طرف الجماعات المسلحة الناشطة قرب حدودها مع دولتي مالي وبوركينا فاسو.

إستراتيجية الطرد

وتدور هذه الإستراتيجية بين طرد القوات الأجنبية، والدبلوماسيين، والدخول في أزمات مع دول الجوار:

1- طرد القوات الأجنبية

وانطلقت شرارة هذا الموقف من باماكاو التي قررت في 18 فبراير/شباط 2022، طرد قوة برخان الفرنسية التي كانت تعمل على أرضها لمحاربة الإرهاب والجماعات المسلحة، وبررت ذلك بوقوع انتهاكات وتجاوزات تخالف الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين الطرفين.

ورغم أن باريس في البداية رفضت الانصياع للقرار بحجة أن "قادة الانقلاب ليسوا شرعيين"، فإنها اضطرت للاستجابة لمطالب الحكومة العسكرية الانتقالية لتعلن اكتمال انسحابها في أغسطس/آب 2022.

وعلى غرار مالي، حددت بوركينا فاسو في يناير/كانون الثاني 2023 مهلة شهر للقوات الفرنسية من أجل الانسحاب من أراضيها، وذلك بعدما شهدت هي الأخرى انقلابين عسكريين، أولهما أطاح في يناير/كانون الثاني 2022 بالرئيس المدني روك مارك كريستيان كابوري، والثاني أطاح في نهاية سبتمبر/أيلول من العام نفسه بالرئيس الانتقالي العقيد بول هنري سانداوغو داميبا.

إعلان

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت نيامي بعد 5 أشهر على انقلاب الجيش على الرئيس المدني محمد بازوم؛ إكمال القوات الفرنسية انسحابها من الأراضي النيجرية، ووضعت بذلك حدا لوجود عسكري استمر زهاء 10 أعوام. وبعد أقل من عام على هذا الانسحاب، أعلن الجيش الأميركي كذلك إكمال انسحابه من البلاد.

وقد فتحت قرارات الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر القاضية بطرد القوات الفرنسية من أراضيها؛ الباب أمام عدة دول أخرى لاتخاذ الخطوة ذاتها، مثل تشاد، والسنغال، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، لكن دون أن يشكل ذلك قطيعة نهائية مع فرنسا .

2- طرد الدبلوماسيين

وبالإضافة لقرار هذه الدول بطرد القوات الأجنبية، فقد اتخذت كذلك من طرد السفراء منهجا مكملا لبحثها عن ما تسميه بالسيادة، والاستقلال عن كل ما يمت بصلة إلى الاستعمار الجديد الذي تعتبر باريس وجهه البارز، بحسب قادة هذه الدول الثلاث.

وفي سياق التأزيم بين باريس وباماكو، تم تبادل طرد السفراء بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2025، كما طردت مالي السفيرة السويدية في أغسطس/آب 2024.

وفي بوركينا فاسو، طردت السلطات العسكرية الانتقالية في أغسطس/آب 2025 منسقة الأمم المتحدة لديها، على خلفية تقرير حول الأطفال والصراع المسلح في البلاد، قدمه الأمين العام الأممي إلى مجلس الأمن الدولي .

وأغلقت النيجر في فبراير/شباط 2025 مكاتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لديها، وطردت الأجانب العاملين فيها، على خلفية توزيع مساعدات إنسانية دون إبلاغ السلطات أو إشراكها في عملية التوزيع.

3- الأزمات مع دول الجوار

ونتيجة لأسباب مختلفة، فقد توترت علاقات كل واحدة من هذه الدول ببعض الدول التي كانت صديقة في السابق، وتشترك معها في الكثير من المصالح، حيث وصلت مالي إلى علاقات مسدودة مع الجزائر التي تشترك معها في حدود تتجاوز 1300 كيلومتر مربع.

وفي السياق ذاته، توترت علاقات باماكو مع كوت ديفوار التي تتهمها بالوقوف إلى جانب فرنسا والعمل على زعزعة أمنها واستقرارها.

وتوترت العلاقات بين بوركينا فاسو وكوت ديفوار، حيث وجّه النقيب إبراهيم تراوري في مناسبات عدة اتهاماتٍ لكوت ديفوار بأنها تؤوي معارضين لنظامه، وتشكل قاعدة عسكرية خلفية لفرنسا من أجل الإطاحة بنظامه، وظلت السلطات الإيفوارية تنفي تهمة استغلال أراضيها من طرف فرنسا من أجل الانقلاب على النقيب البوركيني، دون أن تنفي إيواء معارضين لحكمه.

أما النيجر، فقد توترت علاقاتها مع جارتها بنين وشهدت فصولا من الخلاف المتجدد رغم المصالح المشتركة بينهما، وعندما أعادت السلطات النيجرية فتح حدودها مع دول الجوار بعد إغلاقها خلال الانقلاب العسكري، أبقت على حدودها مع بنين مغلقة.

بدائل إستراتيجية

أشارت الدراسة إلى أن قادة تحالف دول الساحل تبنوا إجراءات من شأنها أن تكون بدائل عن الانسحاب من المنظمات الدولية وكذا طرد الدبلوماسيين. ومن أهم هذه الإجراءات:


* تشكيل تحالف ثلاثي مشترك يسمى " تحالف دول الساحل ":

وهذا التحالف -الذي أعلن عنه في يوليو/تموز 2024- انبثق عن ميثاق لبتاغو-غورما الذي وقّعت عليه الدول الثلاث في سبتمبر/أيلول 2023، كإطار للتعاون الثلاثي ضمن "كونفدرالية دول الساحل".


* تشكيل قوة مشتركة لمحاربة الجماعات المسلحة:

ويقصد بها الجماعات التي تنفذ هجمات على أراضي هذه الدول وعلى الحدود المشتركة بينها.


* تشكيل محكمة جنائية خاصة بهم:

وذلك بعد انسحابهم المشترك من محكمة الجنايات الدولية، وستكون المحكمة الجديدة مختصة بالحكم على أخطر الجرائم التي تؤثر على التحالف الثلاثي. ويشمل اختصاصها كذلك "أعمال الإرهاب والجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، فضلا عن الانتهاكات العظمى لحقوق الإنسان".


* تشكيل خارطة علاقات جديدة:

حيث اعتمدت القطيعة من فرنسا، والابتعاد عن الدول الأوروبية، وقرّرت التوجه نحو روسيا والصين وتركيا.


* تعزيز الثقافة المحلية:

حيث اتخذت خطوات منفصلة على مستوى دساتيرها الجديدة، تمثّلت في تقليص مستوى حضور اللغة الفرنسية، وإعطاء اهتمام أكبر للغات المحلية.

إعلان

وأشارت الدراسة في خاتمتها إلى أن الخطوات الصدامية التي اتخذها قادة هذه الدول وجدت في معظمها مستوى كبيرًا من القبول الشعبي، ما شكّل حافزا قويا للعسكر في المضي قدمًا في تطبيق توجّههم، وترسّخت في أذهان الكثير من مواطني هذه الدول أن الأنظمة العسكرية الحاكمة في بلدانهم تنشد "السيادة والاستقلال"، وأنه لا سبيل لتحقيق ذلك إلا من خلال المسح الشامل للطاولة.

إلا أن الواقع يقول إن البدائل التي تقدّمها هذه الأنظمة العسكرية الانتقالية لا تكاد تختلف كثيرًا في بعض جوانبها عمّا كان قائمًا. ففيما يتعلّق بالشراكات الخارجية الدولية، تم استبدال شركاء جدد بشركاء تقليديين، وكذا قوات أجنبية جديدة بأخرى.

ورغم أن بعض الإجراءات التي اتخذتها دول الساحل الثلاث أثمرت نتائج ملموسة، خصوصًا ما يتعلّق بإعادة التفاوض مع بعض الشركات من أجل رفع حصص استفادة هذه الدول من معادنها المستخرجة، فإن التهديد الأمني لا يزال قائما وتتسم النتائج المحققة على صعيده بالتذبذب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب اسرائيل حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا