في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يتواصل تصعيد الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة رغم إعلان وقف إطلاق النار وفقا للمرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، مما يشير إلى إستراتيجية إسرائيلية جديدة تهدف إلى خلق وضع ميداني يبقي القطاع تحت رقابة أمنية مستمرة من دون التزام بإدارة مدنية شاملة.
وخلال الأيام الماضية استشهد وأصيب عشرات الفلسطينيين في غارات إسرائيلية على قطاع غزة في حصيلة شبيهة بأيام الإبادة الجماعية التي استمرت عامين، وارتكب جيش الاحتلال نحو 100 خرق منذ قرار وقف الحرب في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتشير التحولات الميدانية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى تطور في الأهداف الإسرائيلية، إذ لم يعد الهدف الرئيسي هو القضاء على قيادة حماس فحسب، بل خلق وضع ميداني يبقي قطاع غزة تحت رقابة أمنية مستمرة من دون التزام بإدارة مدنية شاملة.
وحددت دراسة نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أعدها العقيد احتياط الدكتور عوفر جوترمان ملامح الإستراتيجية الجديدة.
ومما يميز سلوك إسرائيل أنه لم يعد يندرج تحت منطق جولات تصعيد متفرقة، بل تحوّل إلى إستراتيجية قائمة على إدارة الصراع بطريقة مستدامة تقوم على 3 ركائز مترابطة:
تسعى الإستراتيجية الجديدة إلى تحويل غزة إلى واقع يذكّر بنموذج السيطرة المفروضة على الضفة من خلال:
لكن الاختلاف الجوهري أن غزة ستبقى بلا سلطة مدنية مرجعية، مما يعني إدارة أمنية مستمرة تكرس اعتمادية السكان على ضوابط خارج إرادتهم، مما يهيئ للتبعية الميدانية والاقتصادية، ويجعل أي حل سياسي بعيد المنال ما لم يحدث تغيير خارجي جذري رغم تصريحات ترامب الكثيرة.
وقد باتت هذه الإستراتيجية هي المعتمدة على الأرض الواقع في غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ويعكس ذلك الممارسات التي انتهجتها إسرائيل خلال الأيام الماضية، إذ ارتكب جيش الاحتلال 80 خرقا منذ 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أسفرت عن استشهاد 97 فلسطينيا وإصابة 230 آخرين، وفق إحصاءات رسمية.
ويسير استنساخ نموذج الضفة الغربية في غزة على قدم وساق في ظل خطة ترامب التي تسعى إسرائيل إلى اختزالها في مرحلة واحدة مرتبطة بشروط نتنياهو التعجيزية وبأدوات جديدة، مثل حصار الفلسطينيين في كونتونات، وبات الخط الأصفر المؤقت هو علامة على سجنهم الصغير والضيق والمزدحم جدا.
يضاف إلى ذلك منع الحركة بإغلاق دائم لمعبر رفح ومنع دخول المساعدات وإغلاق المعابر، مما يشير إلى بون شاسع بين خطة ترامب والتنفيذ العملي لها على الأرض.
وكشفت هيئة البث الإسرائيلية الاثنين الماضي أن إسرائيل تطالب الولايات المتحدة بعدم البدء بإعادة إعمار قطاع غزة قبل اتخاذ خطوات ميدانية تُظهر استعداد حماس لنزع سلاحها.
كما ترفض إسرائيل بشدة وجودا رسميا فلسطينيا في قطاع غزة رغم الإشارة المباشرة إليه بشكل واضح في خطة ترامب، لكنها تضع العراقيل حتى في اختيار لجنة التكنوقراط التي ستدير قطاع غزة.
وتتهم وسائل الإعلام الاسرائيلية في تقاريرها حماس بأنها تتناصف مع السلطة في عدد أعضاء لجنة التكنوقراط المكونة من 15 شخصا.
وتضمن هذه الإستراتيجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمرار دعم اليمين المتطرف له لمواصلة مشاريعه السياسية المتعلقة بالانتخابات الداخلية والتشريعية.
كما يراهن نتنياهو على الدم الفلسطيني في غزة لاستمرار ائتلافه لشهور أخرى، ليتمكن من تسويق إنجازاته أمام قاعدته الانتخابية من اليمين المتطرف بعد إعلانه السبت الماضي أنه سيترشح للانتخابات رغم قضايا الفساد التي تلاحقه.
فبعد الحدث الأمني في رفح قبل يومين -والذي أعلن جيش الاحتلال فيه مقتل ضابط وجندي وإصابة آخرين- طالب عدد من الوزراء نتنياهو باتخاذ إجراءات أكثر جذرية وكسر القوالب النمطية.
وغرد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قائلا "إنها الحرب"، ودعا وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير إلى "إصدار أمر باستئناف القتال في قطاع غزة بكامل قوته"، في حين أوضحت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك أن "هجوم حماس ليس انتهاكا لاتفاق ولا انتهاكا كبيرا، إنه إعلان عملي وبكل وضوح عن عدم وجود اتفاق".
وبحسب أمير إيتنغر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، أوصى بعض مستشاري نتنياهو بإجراء انتخابات مبكرة فور عودته من العطلة، بعد عودة الأسرى وإشادة ترامب به، لكن نتنياهو فضل عدم إجراء انتخابات، ويعود ذلك أساسا إلى رغبته في إتاحة الوقت الكافي لتوسيع نطاق اتفاقيات أبراهام.
كما يسعى نتنياهو إلى تسويق شعار النصر المطلق الذي لم يتوقف عن المناداة به طوال الحرب إلى واقع على الأرض عبر تحويل الوضع في غزة إلى "حالة من اللاسلم واللاحرب" من خلال تأجيل المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من خطة ترامب ورفض جميع الحلول المطروحة، مع الإصرار على عودة جميع جثامين الأسرى الإسرائيليين.
وثبت أن وقفا نهائيا للحرب سيفتح الباب لإعادة تقييم مسؤوليات نتنياهو السياسية والأمنية، خصوصا فشل 7 أكتوبر/تشرين الأول وتبعات الحرب، وعلى رأسها لجنة تحقيق حكومية، ويذّكر الناخبين بقضايا الفساد التي تلاحقه.
هذا التوجه ليس مجرد خيار سياسي، بل أداة لضبط وتوجيه الرأي العام الإسرائيلي وتحفيز أجواء الخوف والتهديد الخارجي التي غالبا ما تخدم أحزاب اليمين المتطرف.
لذا، فإن مواصلة الحرب في غزة تعتبر جزءا من دينامية الحفاظ على السلطة، إذ يرى نتنياهو فيها وسيلة لتعزيز موقعه، وتأجيل الحسابات السياسية الداخلية، وإعادة تشكيل قواعد اللعبة الانتخابية، وليس فقط خيارا أمنيا صرفا.
وفي السياق، يطالب وزراء حكومة نتنياهو ورئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت بألا تكون هناك أي سيطرة أمنية لقوات دولية في قطاع غزة، معتبرين ذلك يشكل خطرا إستراتيجيا على إسرائيل.
وبحسب آيزنكوت، فإنه ينبغي على نتنياهو أن يحافظ على مبدأ أساسي، وهو أن "المسؤولية الأمنية في القطاع ستبقى في يد إسرائيل، أما المسؤولية الاقتصادية فيمكن أن تكون في أيدي الدول السنية المعتدلة".
ونقلت صحيفة معاريف عن مصادر سياسية أن تل أبيب غير مستعدة للتخلي عن سيطرتها الأمنية قبل اكتمال مهمة إعادة جثامين الأسرى، كما قالت إنها ترى في القوة الدولية مهما كانت جنسيتها تهديدا مزدوجا لحرية عملها العسكري، وفرصة "للتغلغل السياسي" الذي سيمنح حماس شرعية متجددة.
وتتعمد إسرائيل وضع كثير من التعقيدات أمام وجود القوات الدولية التي هي من المفاصل الأساسية في المرحلة الثانية من خطة ترامب، وتهدف إلى وجود إطار أمني واضح يعزز وقف إطلاق النار من جهة كما يعزز الأمن على الأرض.
يضاف إلى ذلك أن وجود القوات الدولية يلزم إسرائيل بالانسحابات المختلفة، فبعد إنهاء ملف جثث الأسرى يجب على إسرائيل الانسحاب للخط الأزرق الذي يمثل أكثر من 65% من مساحة قطاع غزة، وبعد وجود القوات الدولية يجب الانسحاب إلى الخط الأحمر الذي ربطته إسرائيل بنزع سلاح المقاومة.
وتفيد مصادر صحفية بوجود خلافات خلال الاجتماع الذي عقده رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد مع مسؤولين إسرائيليين.
وشدد الإسرائيليون على رفض مشاركة تركية في القوة متعددة الجنسيات التي يُتوقع انتشارها في قطاع غزة، كما رفضوا تماما فكرة إدخال قوات تابعة للسلطة الفلسطينية أو موظفين يعملون تحت إشرافها إلى القطاع.
واشترطوا تفكيك حركة حماس ونزع سلاحها ورحيلها عن الحكم في غزة كشرط مسبق لأي نقاش بشأن الإدارة المستقبلية أو القوات الأمنية التي ستعمل هناك.
دفعت هشاشة وقف إطلاق النار بسبب التصعيد المتكرر من قبل جيش الاحتلال الإدارة الأميركية إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لضمان تثبيت وقف إطلاق النار.
وتمثل ذلك بزيارة مبعوثي الإدارة الأميركية ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى تل أبيب الماضي، تلاهما بعد يوم واحد جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي، ثم قدوم وزير الخارجية ماركو روبيو ، في تحرك وُصف بأنه الأكثر كثافة منذ إعلان ترامب خطته لوقف الحرب على غزة.
وجاءت هذه الزيارات في محاولة واضحة للضغط على باتجاه وقف العمليات العسكرية، وحذرت واشنطن من أن استمرار القصف سيقوض المرحلة الثانية من الخطة التي كان يُفترض أن تبدأ عقب اكتمال تبادل الأسرى الأحياء والأموات وإجراءات التهدئة.
وتشعر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالقلق من السرعة التي يدفع بها الأميركيون خطة ترامب لإنهاء الحرب، وهو ما قد يضر بالمصلحة الأمنية لإسرائيل بحسب القناة الـ12، وتحذر الأجهزة الأمنية من أن المقاربة الأميركية لهذه الخطوة السياسية قد تتصادم مع المصلحة الأمنية الإسرائيلية.
ويُفسَّر ذلك بأن هناك سلسلة من المصالح الحيوية بالنسبة لإسرائيل مثل الخطوط التي سيتموضع عندها الجيش وتعليمات إطلاق النار، وآلية إدخال المساعدات الإنسانية، والخشية الكبرى عند إسرائيل هي أن تتمكن الولايات المتحدة فعليا من تقييدها، مما سيؤثر على قدرة الجيش الإسرائيلي في استخدام القوة.
واعتبر رئيس شعبة العمليات السابق اللواء احتياط إسرائيل زيف التدخل النشط للقيادة العملياتية الأميركية في تنفيذ وقف إطلاق النار ذا طبيعة إشكالية، وقال "لقد سلبنا هذا التدخل جانب السيطرة والمبادرة والقدرة على الرد من خلال هذه القيادة العملياتية، فالجيش لا يستطيع المبادرة واتخاذ أي إجراء دون موافقة أميركية".