آخر الأخبار

الفجر الكاذب: كيف يبدو الشرق الأوسط بعد وقف إطلاق النار في غزة؟

شارك

بعد عامين من هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تغير الشرق الأوسط بشكل لا رجعة فيه، بعد أن انغمس في صراع طويل الأمد حطم الاستقرار الإقليمي الهش والكرامة الإنسانية.

إن وقف إطلاق النار الأخير في غزة، والذي قادته خطة الرئيس دونالد ترامب المكونة من 20 نقطة، يمثل ما تم الترحيب به باعتباره "نهاية كابوس مؤلم" و"فجرا تاريخيا لشرق أوسط جديد".

ومع ذلك، فإن هذا الفجر الجديد يتسم بعدم اليقين السياسي العميق، وانعدام الثقة الشامل بين الجهات الفاعلة الرئيسية. ورغم أن المرحلة الأولية نجحت في وقف عمليات القتل واسعة النطاق وتأمين عودة الرهائن الإسرائيليين، فإن مستقبل الحكم في غزة، وبقاء حماس، والحل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كلها أمور معلقة في الميزان بشكل خطير.

غزة: مشهد الإبادة.. وفراغ يلوح في الأفق

تكشف العواقب المباشرة لوقف إطلاق النار عن أن غزة أصبحت منطقة ممزقة تعاني من كارثة إنسانية غير مسبوقة وفراغ أمني خطير.

حصيلة المحرقة كان مذهلا: فقد قُتل أكثر من 67 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، بمن في ذلك أكثر من 18 ألف طفل، وفقا لتقديرات وزارة الصحة في غزة.

الدمار المادي هائل، مما جعل جزءا كبيرا من القطاع غير صالح للسكن. دُمر ما يقرب من نصف المباني في غزة أو تضرر بشدة ، مما يعني أن أكثر من ثلاثة من كل أربعة مبانٍ أصبحت غير صالحة للاستخدام.

لقد نزح السكان بشكل شبه كامل، حيث أُجبر حوالي 1.9 مليون نسمة (أكثر من 90% من السكان) على الفرار مرة واحدة على الأقل. علاوة على ذلك، يسود الجوع الكارثي، وخاصة في النصف الشمالي من القطاع، حيث يواجه حوالي ربع السكان ظروف المجاعة. لا تتوفر الخدمات الصحية بعد تدمير المستشفيات ونقص الإمدادات الطبية.

ورغم أن وقف إطلاق النار وفّر راحة فورية، فإنه أضاف مستوى جديدا من التعقيد إلى الوضع الأمني على الأرض. فقد أعقب انسحابَ الجيش الإسرائيلي من المناطق المأهولة بالسكان محاولاتٌ من المقاومة لإعادة ترسيخ وجودهم في مدن مثل مدينة غزة وخان يونس.

إعلان

تحاول حماس خلق واقع ما بعد الحرب حيث تظل قوة مهيمنة، مما يؤدي إلى اشتباكات عنيفة مع العشائر والمليشيات المحلية التي تلقت في السابق دعما إسرائيليا، أو حاولت إقامة سيطرتها المحلية الخاصة.

تثير هذه الصراعات الداخلية شبح "حرب أهلية" محتملة في غزة، وهي الرواية التي يروج لها ويعمل عليها بعض الجهات الفاعلة بنشاط؛ لتبرير نزع سلاح المقاومة.

وعلى الرغم من النجاحات العسكرية الإسرائيلية في شل قدرات حماس العسكرية، لم تقم المنظمة بتفكيك قوتها بشكل كامل وتظل غير راغبة في تسليم أسلحتها، واختارت بدلا من ذلك الموافقة على مجرد "تجميد" أسلحتها. تأمل حماس في الحفاظ على دورها السياسي، مستغلة الدعم المستمر الذي تحظى به بين بعض قطاعات السكان، حتى بعد أهوال الصراع.

خطة ترامب: مخطط للاستقرار المؤقت أم للتبعية الدائمة؟

إن خطة الانتقال الخاصة بغزة- وهي محور المشهد الجديد في الشرق الأوسط – هي اقتراح الرئيس ترامب المكون من 20 نقطة، والذي يحظى بدعم واسع من الحكومات الإقليمية الكبرى والدول الإسلامية، مع الاستثناء الملحوظ لإيران.

وقد نجح هذا الاتفاق المرحلي في تأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين العشرين المتبقين أحياء، إلى جانب إعادة جثث القتلى.، لكنه يترك القضايا الحاسمة المتعلقة بالحكم والدولة إما غامضة أو مشروطة إلى حد كبير.

تسعى الخطة في الأساس إلى فصل إدارة غزة عن حماس والسلطة الفلسطينية القائمة، مؤقتا على الأقل. وتدعو إلى تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة لإدارة الخدمات العامة اليومية والشؤون البلدية، تعمل تحت إشراف "مجلس سلام" دولي يرأسه شخصيا الرئيس ترامب، وتدعمه شخصيات مثل توني بلير.

إن هذا الترتيب يمثل مشكلة عميقة بالنسبة للفلسطينيين؛ لأنه يفرض شكلا من أشكال الوصاية الدولية. هذا النظام يحول غزة فعليا إلى "محمية" دولية، وتحديدا محمية أميركية وإسرائيلية وبريطانية، دون توفير رابط شرعي مع السكان المحليين.

إن استبعاد السلطة الفلسطينية من الحكم المباشر يهدد بترسيخ انقسام فلسطين إلى كيانين تحت نظامين منفصلين، وهو احتمال يعتبره النخبة السياسية الفلسطينية "أسوأ كابوس".

علاوة على ذلك، يطرح التنفيذ تحديات عملية هائلة. يتطلب نشر قوة استقرار متعددة الجنسيات جديدة وغير مجربة، جهدا لوجيستيا كبيرا وكوادر جاهزة، وهو أمر غير متوفر حاليا.

إن التنسيق والتوجيه والسيطرة على هذه المهمة، سيكون ذلك هائلا حتى يتم إنشاء مهمة دولية بالكامل، كما يحتفظ الجيش الإسرائيلي بسلطة الدوريات، مما قد ينظر إلى الجهود الدولية باعتبارها استمرارا للاحتلال الأجنبي.

وهم الدولة

وتتجنب الخطة بشكل واضح ضمان إنشاء دولة فلسطينية، وهي النتيجة التي رفضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارا وتكرارا. بدلا من ذلك، تعترف الخطة بتقرير المصير وإقامة الدولة على أنهما مجرد "طموح للشعب الفلسطيني"، وتفترض أن "مسارا موثوقا" نحو ذلك قد ينفتح فقط إذا تم تنفيذ إعادة إعمار غزة، وإصلاحات السلطة الفلسطينية بنجاح.

إن هذا النهج المشروط يجعل الحقوق الفلسطينية الأساسية خاضعة لمتطلبات الأمن التي تطالب بها إسرائيل. وإذا لم يُقدّم التزام واضح بتقرير المصير، فمن المرجح أن تواجه البعثة الدولية مقاومة وتكتسب صفة "جيش احتلال دولي"، على غرار النمط الذي لوحظ في بعثات سابقة، مثل بعثتي تيمور الشرقية وكوسوفو. إن عدم وجود أفق سياسي واضح يُعتبر "عيبا قاتلا" محتملا على المدى الطويل.

إسرائيل: مكاسب عسكرية وتحولات إقليمية

بالنسبة لإسرائيل، جاء وقف إطلاق النار بعد حملة عسكرية حققت مكاسب تكتيكية كبيرة، لكنها فرضت تكلفة أخلاقية وإستراتيجية دائمة. كان الهدف الأوّلي لرد إسرائيل هو تفكيك حماس وتأمين عودة الرهائن. وبينما تم إنجاز الأخير في المرحلة الأولى من خطة ترامب -أي بمفاوضات وليس بعمل عسكري- فإن الثاني لا يزال بعيد المنال.

إعلان

لقد أدى التفوق العسكري الساحق لإسرائيل إلى شل حركة حماس وبنيتها التحتية بشكل كبير. وعلى نطاق أوسع، امتد الرد العسكري الإسرائيلي إلى الجبهات الإقليمية، مما أدى فعليا إلى تعطيل شبكة وكلاء إيران.

وعلى الرغم من هذه النجاحات، فإن المجتمع الإسرائيلي منهك ومنقسم بشدة ويعاني من ركود اقتصادي طويل الأمد بعد عامين من الحرب المستمرة. لا تزال الثقة في الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء نتنياهو منخفضة للغاية، حيث تتراوح بين 20% و30%، على الرغم من أن الثقة في الجيش الإسرائيلي لا تزال مرتفعة (70% إلى 82%).

لقد ارتبط بقاء نتنياهو السياسي ارتباطا وثيقا بالحفاظ على حالة حرب مستمرة، مما يسمح له بتأجيل المساءلة عن الإخفاقات الأمنية الكارثية التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتأخير محاكمات الفساد.

إن قبول خطة ترامب، التي تتطلب انسحابا تدريجيا وتقدم أفقا سياسيا غامضا، يمثل هزيمة إستراتيجية عميقة لعناصر اليمين المتطرف المسيحاني في ائتلافه الذين سعوا إلى ضم الضفة الغربية والسيطرة الدائمة على غزة.

ومن المتوقع أن يؤدي انتهاء الحرب، بالتالي، إلى إثارة ضغوط محلية مكثفة ومطالبات بالمساءلة والانتخابات. ولعل النتيجة الأكثر أهمية على المدى الطويل بالنسبة لإسرائيل هي تراجعها الحاد في مكانتها الدبلوماسية والرمزية العالمية. في حين فازت إسرائيل بالمعارك العسكرية، إلا أنها خسرت المعركة الأخلاقية والصورة؛ بسبب الإبادة في غزة.

لقد تضررت صورتها في جميع أنحاء العالم، ويظهر الدعم التقليدي لها في أوروبا وبين الرأي العام الأميركي تصدعات عميقة. وتتجلى هذه العزلة في التهديدات بالمقاطعة والإجراءات الدولية. وقد أقر نتنياهو بهذه العزلة الدولية، وتوقع استمرارها لعدة سنوات.

إعادة تنظيم الصفوف الإقليمية

تشكل الحرب ومفاوضات وقف إطلاق النار الناتجة عنها والتي أشرف عليها الرئيس ترامب، نقطة تحول في الديناميكيات الإقليمية، التي تحددها التحولات في القوة، والنشاط الدبلوماسي المتجدد، وعودة القضية الفلسطينية.

أكدت الولايات المتحدة دورها المتفرد في إدارة العملية العسكرية والسياسية في المنطقة. لقد نجحت قدرة ترامب على ممارسة الضغط على كل من حماس وإسرائيل، حيث فشلت الإدارات السابقة.

والأمر الحاسم هو أن العملية تأثرت بشدة بجبهة متحدة من القوى الإقليمية، بما في ذلك مصر، وقطر، وتركيا، التي لعبت "دورا حاسما" في إقناع حماس بقبول الصفقة.

لقد أدركت الدول العربية، ولا سيما في الخليج، أن التهديد الإسرائيلي يقترب ويهدد أمنها القومي. وقد تبلور هذا الإدراك من خلال الضربة الإسرائيلية على قيادة حماس في الدوحة بقطر، والتي فشلت عسكريا، ولكنها أثارت غضبا شديدا ووحدت المشاعر العربية والإسلامية ضد الممارسات الإسرائيلية. وقد خلقت هذه الوحدة نفوذا كبيرا، مما أجبر ترامب على ممارسة الضغط على نتنياهو، ومعالجة القضايا السياسية الأساسية للصراع.

اتفاقيات إبراهام، الاتفاقيات الدبلوماسية التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، أصبحت الآن مهددة بالتجميد أو التراجع؛ بسبب أن التكامل الإقليمي المتجدد، وخاصة انضمام المملكة العربية السعودية إلى الاتفاقيات، يتوقف على استقرار غزة وإيجاد طريق نحو حل سياسي للفلسطينيين.

ومن المفارقات، أن من نتائج طوفان الأقصى وما ترتب عليه أعاد القضية الفلسطينية وحل الدولتين إلى صدارة الأجندة العالمية، على الرغم من التشاؤم العام واسع النطاق بشأن جدواه بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

أظهرت استطلاعات غالوب التي أجريت في منتصف عام 2025 أن 21% فقط من الإسرائيليين، و23% من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية يعتقدون أن السلام الدائم قابل للتحقيق، وأن الدعم لحل الدولتين لا يزال محدودا في كلا الشعبين (27% في إسرائيل، و33% في المناطق الفلسطينية التي شملها الاستطلاع).

إعلان

ومع ذلك، يتسارع الدفع الدبلوماسي نحو إقامة الدولة. فقد ارتفع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعترف بفلسطين من 139 دولة عام 2023 إلى 157 دولة عام 2025. تشمل هذه الموجة دولا غربية مؤثرة مثل فرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا.

هذا الزخم، المدعوم من المبادرات السعودية- الأوروبية المشتركة، يشير إلى التآكل التدريجي للإجماع الغربي الذي كان يحمي إسرائيل دبلوماسيا في السابق. وفي حين أن الاعتراف في حد ذاته لا ينهي الاحتلال، إلا إنه يعزز الرواية الفلسطينية، ويعزز إمكانية المساءلة القانونية ضد إسرائيل.

وفي الختام، فإن الشرق الأوسط، بعد عامين من السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يمر بفترة من السيولة غير المسبوقة، والتي اتسمت بوقف إطلاق النار الذي أوقف كارثة إنسانية، لكنه فشل في حل الهوة السياسية العميقة.

إن انتهاء القتال هو إنجاز يُعزى إلى حد كبير إلى الدبلوماسية القسرية التي مارسها الرئيس ترامب، بدعم من جبهة عربية وإسلامية موحدة حديثا. ومع ذلك، فإن الطبيعة التدريجية لخطة ترامب، على الرغم من أهميتها في بناء الثقة، تشكل مخاطر شديدة.

إن إسرائيل، بعد أن ضمنت عودة رهائنها، قد تختار التراجع عن المراحل اللاحقة التي تتطلب الانسحاب الكامل أو التنازلات السياسية، خاصة في ظل المعارضة القوية من حلفاء نتنياهو من أقصى اليمين.

وحماس، التي تسعى جاهدة للبقاء سياسيا وعسكريا، سوف تعمل على إعادة بناء قدراتها، مما يجعل نزع السلاح المستدام صعبا للغاية.

إن تحويل هذا التوقف المؤقت إلى سلام دائم يتطلب رعاية دولية وإقليمية مستدامة. يجب على الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ومصر، وقطر، وتركيا، أن تتجاوز الآن الإيماءات الرمزية نحو إنشاء آليات قوية وملزمة- بما في ذلك قوات استقرار دولية، وجداول زمنية مفصلة للتنفيذ، وحوافز وعقوبات واضحة- لضمان الامتثال للمراحل اللاحقة من الاتفاق.

وفي نهاية المطاف، فإن الاستقرار المستقبلي في الشرق الأوسط يتوقف على معالجة المظلمة الأساسية: تقرير المصير الفلسطيني، فبدون أفق سياسي واضح يزيل نهائيا خطر الضم الإسرائيلي في الضفة الغربية ويسمح للفلسطينيين بممارسة السيادة، فإن الشعور السائد بالمرارة وانعدام الثقة سيستمر، وستظل المنطقة على مسار حتمي نحو صراع متجدد.

لا يزال السلام والمصالحة احتمالات "بعيدة"والتحدي المباشر الآن هو ضمان ألا ينحدر "الفجر التاريخي" الذي تم الاحتفال والتبشير به بسرعة في القدس وشرم الشيخ، إلى ظلام دائم. إن نجاح هذه اللحظة، ومنع العودة إلى "أبواب الجحيم"، يعتمد على ترجمة الضرورة إلى عمل مسؤول ومستدام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب حماس اسرائيل

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا