أحيت إسرائيل على الصعيدين الرسمي والشعبي الذكرى الثانية لـ7 أكتوبر/تشرين الأول بمزيج من الحسرة والافتخار والخوف من المستقبل تبعا لواقع وتطلعات المحتفلين، فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المطلوب للجنائية الدولية يتجاهل كل الإخفاقات التي وقعت في عهده ويتفاخر بأنه والجيش غيّرا كل الشرق الأوسط وألحقا الهزيمة بكل الأعداء تقريبا.
كما أن وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير لم يتورعا عن تأكيد أن النصر قريب، وأن تحقيق أهداف إسرائيل في التهجير وضم الأراضي بات وشيكا.
لكن هذا لم يكن حال أهالي القتلى والأسرى من الجنود والمدنيين الإسرائيليين الذين أحيوا الاحتفال بعيدا عن المراسم الرسمية وفي ظل عداء ظاهر للمؤسسة الرسمية.
وأجرى الأهالي ما سموه "الاحتفال الوطني بذكرى 7 أكتوبر/تشرين الأول" في حديقة اليركون في تل أبيب بحضور نحو 30 ألفا بمشاركة من المعارضة ألقوا كلمات نددت بالحكومة وسياستها ومن دون أي حضور رسمي.
وتحدّث زعيم حزب "أبيض أزرق" بيني غانتس عن مشاركته في العديد من الاحتفالات بالمناسبة، فقال "لم أر في أي من هذه الاحتفالات أو المواقع التذكارية وزراء أتوا للتعبير عن تضامنهم، أو لإضاءة شمعة أو لمعانقة عائلات الضحايا".
واعتبر أن هذه الحكومة التي خرج هو منها حكومة فكت ارتباطها بالمجتمع الإسرائيلي.
وفي ذكرى 7 أكتوبر/تشرين الأول -التي تتزامن هذا العام مع عيد العرش (سوكوت)- أقيمت مظاهرات أمام منازل 26 من الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف صباح يوم الثلاثاء.
وتجمّع عشرات المتظاهرين أمام منزل وزير الخارجية جدعون ساعر ، وهتفوا بأسماء المختطفين الـ48.
وأمام منزل وزيرة النقل ميري ريغيف حمل عدد من المتظاهرين صور المختطفين ولافتات كُتب عليها "ميري، لا تكفير، لن ننسى ولن نسامح"، وقالوا "يوم أسود في تاريخ إسرائيل وقع في عهدكم، فشل أمني كامل".
وأكد قادة الاحتجاج "عامان على أكبر مجزرة في تاريخ إسرائيل، عامان من الفوضى، لن نتخلى عن ملاحقة أعضاء الكنيست حتى يعود آخر المختطفين".
نحن هنا لنذكّرهم بأن اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل قد وقع في عهدهم، وصمة عار سترافق كل واحد منهم طوال حياته.
كما أقيمت احتفالات في عشرات المواقع في العديد من المدن والبلدات بعيدا عن قرار الحكومة بالاحتفال بالذكرى وفق التقويم العبري الذي يوافق عيد "سيمحات توراه"، والذي يصادف هذا العام 16 أكتوبر/تشرين الأول وفق التقويم الشمسي، وبين هذا التناقض مقدار الانفصال بين الحكومة والجمهور المعني.
ويشهد الاختلاف بشأن موعد الاحتفال على استمرار تداعيات هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على المجتمع الإسرائيلي حتى بعد عامين من حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على غزة.
فهذه الحرب الأطول في تاريخ حروب إسرائيل وأشدها ثقلا على المجتمع والاقتصاد والمكانة الدولية أظهرت بشكل بارز التأثيرات العميقة على مجتمع متنوع الأعراق والأفكار والاتجاهات ويعاني من انقسامات داخلية.
والأهم أن الذكرى الثانية حلت في ظل دخول في مفاوضات بشأن خطة ترامب التي اعترضت اندفاعة اليمين لتنفيذ خطتي التهجير والضم.
والأدهى أنها جاءت أيضا بعد أن وقف العالم تقريبا بأجمعه خلف حل الدولتين والاعتراف بفلسطين الذي يئد أفكار الضم ومخططات إسرائيل الكبرى.
كما أن الاحتفال يأتي على أرضية الاندفاع العالمي نحو تقييد استمرار الاحتلال الإسرائيلي وإيجاد حل، ليس فقط لوقف الحرب وإنما كذلك لإبرام اتفاق سلام ينهي الصراع القائم.
وكان إحساس الإسرائيليين بالخذلان واضحا من إعلان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي عن سقوط صواريخ على مواقع استيطانية في غلاف غزة ووقوع إصابات في صفوف الجيش جراء اشتباكات مع مقاومين، فتعابير النصر المطلق والنجاح في هزيمة الفلسطينيين من جانب نتنياهو ووزرائه لم تجد صدى فعليا لها في صفوف الجمهور الإسرائيلي الذي تعب من الحرب ويريد نهاية لها.
وكان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي العميد إيفي دوفرين قد أعلن بعد 729 يوما عن 1954 قتيلا، وأن 48 أسيرا لا يزالون محتجزين لدى حماس "عقد رئيس الأركان اجتماعا خاصا لتقييم الوضع ليل السبت في ضوء التطورات، وشارك نائب رئيس الأركان رئيس مديرية العمليات في تقييم الوضع".
وفي تعبير عن مخاوف من تطورات الوضع في غزة، أضاف أنه تم التأكيد على أن أمن قواتنا أولوية قصوى، وأن جميع قدرات جيش الدفاع الإسرائيلي ستُنقل إلى القيادة الجنوبية لحماية قواتنا.
وجاء في ملخص البيان "أكد رئيس الأركان أنه في ضوء الحساسية العملياتية يجب على جميع القوات توخي أقصى درجات اليقظة والحذر"، كما أكد على "ضرورة الرد السريع للقضاء على أي تهديد".
بعد عامين من 7 أكتوبر/تشرين الأول نشرت وزارة الدفاع عدد قتلى الحرب، مبينة أنه منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 قُتل 1152 جنديا إسرائيليا، وأن أكثر من 40% من الجنود الذين قُتلوا هم دون سن الـ21 وفي الخدمة الإلزامية، و141 جنديا فوق سن الـ40.
وفي العام الماضي وحده أُضيف 262 جنديا إلى عدد الجنود الذين قُتلوا في هذه الحرب.
وقبل شهر، كشف قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع أن أكثر من 20 ألف جريح وجريحة من الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية قد انضموا للعلاج منذ بداية الحرب، وأن نحو 56% منهم يعانون من ردود فعل نفسية.
عموما، زاد الإحساس الإسرائيلي العام بالصدمة جراء انتقال أغلب شعوب العالم من تأييد إسرائيل إلى معارضتها بشدة بعد اكتشاف مقدار وحشية ردها واستسهالها تنفيذ مجازر وإبادة جماعية.
وهكذا في ذروة إحياء إسرائيل ذكرى 7 أكتوبر/تشرين الأول انطلقت مظاهرات مناهضة لإسرائيل في كثير من دول العالم، وشهدت العاصمة اليونانية أثينا إحدى أكبر المظاهرات، حيث قام متظاهرون يحملون أعلاما فلسطينية بإحراق أعلام إسرائيل وإطلاق ألعاب نارية ومواجهة القوات.
وفي ملبورن بأستراليا كُتبت على الجدران عبارات "المجد لحماس" و"7 أكتوبر، افعلها مرة أخرى".
وفي أمستردام، تعرّض القصر الملكي في المدينة لطلاء واجهته باللون الأحمر، إلى جانب عبارة "تبا لإسرائيل"، وأعلنت منظمة "فلسطين أكشن إن إل" الهولندية المؤيدة للفلسطينيين مسؤوليتها عن هذا العمل.
وكذلك نُظمت مظاهرات في مواقع عدة ببريطانيا وكذلك في إندونيسيا واليابان وتركيا وحتى في نيويورك دعت منظمة "في حياتنا" المؤيدة للفلسطينيين إلى "ملء شوارع المدينة بالمتظاهرين" "تكريما لضحايا غزة وجميع الفلسطينيين الذين ترتكب إسرائيل بحقهم إبادة جماعية منذ 77 عاما".
بل إن رؤساء حكومات ممن يمالئون إسرائيل مثل البريطاني كير ستارمر والإيطالية جورجا ميلوني اضطروا في إحيائهم للذكرى حتى بعد إدانتهم هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول للحديث عن حل الدولتين.
كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "لن ننسى أبدا أهوال هجوم حماس في 10 يوليو والألم الذي لحق بالضحايا الأبرياء وعائلاتهم وشعب إسرائيل بأكمله".
ودعت فون دير لاين إلى إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب، مضيفة "علينا اغتنام الفرصة وتمهيد الطريق لسلام دائم قائم على حل الدولتين".
ونشر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بيانا أكد فيه على "الإبادة الجماعية التي يرتكبها نتنياهو" قائلا "يصادف اليوم مرور عامين على الهجوم المروع الذي شنته حماس، إنه يوم نؤكد فيه إدانتنا القاطعة للإرهاب بجميع أشكاله، ونطالب بالإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين، ونطالب نتنياهو بوقف الإبادة الجماعية الفلسطينية وفتح ممر إنساني".
وحسب سانشيز، فإن "الحوار وإقامة دولتين هما الحل الوحيد لإنهاء الصراع وتحقيق مستقبل يسوده السلام".
ولاحظ إيتمار آيخنر في صحيفة يديعوت أحرونوت كيف أن العامين الفائتين "كانا من أكثر الأعوام اضطرابا في تاريخ إسرائيل، جلبت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 المأساوية في البداية موجة غير مسبوقة من التعاطف والقبول لإسرائيل والإسرائيليين بعد صدمة مجزرة حماس الدامية، لكن هذه الموجة سرعان ما انحسرت وحلت محلها عزلة سياسية متزايدة العمق على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة.
وتتجلى قوة هذه العزلة بشكل خاص منذ بداية هذا العام عندما اكتسب خطاب "الإبادة الجماعية" والتجويع المتعمد في قطاع غزة زخما في وسائل الإعلام الدولية، وأصبح عمليا هو النهج الذي تتبعه معظم دول العالم اليوم تجاه إسرائيل.
إن الضرر الكبير الذي لحق بإسرائيل على المستوى السياسي هو نتيجة هذا الشعور بالعزلة والتباعد، وهذا هو التحدي الكبير الذي تواجهه البلاد، والذي ستواجهه إذا ما أريد للمحادثات المتقدمة في شرم الشيخ بمصر لوقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق لإعادة المختطفين أن تنضج وتتحول إلى صفقة.
كما أن بن كسبيت كبير معلقي صحيفة معاريف كتب أن "الهزيمة التي منيت بها إسرائيل في 7 أكتوبر هي الأصعب والألم والأكثر إذلالا في تاريخها، حتى في أسوأ كوابيسنا لم نتخيل يوما أن يحدث لنا شيء كهذا، أن تهزم منظمة إرهابية فرقة من جيش الدفاع الإسرائيلي بسهولة بالغة، وأن تحتل منظمة إرهابية التجمعات السكانية الإسرائيلية وقواعد الجيش، وتقتل مئات المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن وعائلات بأكملها، وتتصرف داخل الكيبوتسات والمدن كما لو كانت في بلدها، وتختطف مئات المدنيين والجنود، وتُذل أقوى جيش في الشرق الأوسط، وتترك وراءها أرضا محروقة".
وأضاف "لن يمحو هذا الحدث ما حدث بعد ذلك ولن يشفي الجرح ولن يخفف الصدمة، بعد 50 عاما ويوما واحدا من نجاح الجيوش النظامية الهائلة لمصر وسوريا في مفاجأة جيش الدفاع الإسرائيلي وعبور القناة والانجراف إلى مرتفعات الجولان حدث لنا الشيء نفسه تماما، ولكن بجرعات أكبر".
وتابع بن كسبيت "هذه المرة، لم يتلق الجيش الضربة فحسب، بل تلقاها المدنيون أيضا، دولة إسرائيل -التي أُسست لتكون المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه حماية اليهود- فشلت في دورها".
ولا يمكن القفز عن معطيات تثبت أن سلوك إسرائيل في غزة والأراضي الفلسطينية زاد حدة العداء لها، مما ترك أثرا مقلقا في نظر كثير من الأوساط على تزايد مظاهر اللاسامية.
وبحسب بيانات جديدة من حركة مكافحة معاداة السامية (كام) تحول العداء لإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى "موجة مستمرة من العنف ونزع الشرعية والتحريض ضد اليهود.
ويوثق تقرير مركز "كام" 13 ألفا و339 حادثة معادية للسامية حول العالم بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأكتوبر/تشرين الأول 2025، وهي وتيرة مذهلة توضح عمق الأزمة".
ويستغرب كثيرون كيف أن حدثا هائلا بهذا الحجم لم يجد من يحقق فيه أو يستفيد من عبره أو يبحث في دروسه واستخلاصاته، صحيح أن الجيش أجرى تحقيقات لكن المشكلة في نظر أغلبية المتابعين تكمن في الرؤية الإستراتيجية والمفاهيم المنبثقة عنها، والتي تتلخص في القدرة والردع وليس في إقامة سلام.