في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
برلين- قبل جائحة كورونا، أقدمت يوليا وزوجها فيليب على شراء منزل العائلة بعد حصولهما على وظائف برواتب جيدة تتيح لهما إمكانية تسديد القروض بشكل مريح. فقد عملت ابنة الـ30 عاما في شركة إلكترونيات بينما كان زوجها يشتغل مطورا بالذكاء الاصطناعي. ويُعد نموذج هذه العائلة الشابة مثاليا في ألمانيا وقدوة للكثيرين من أبناء الطبقة المتوسطة.
لكن هذه الحياة "الوردية" لم تكتمل بعد الجائحة، حيث بدأ الزوجان بالبحث عن مكان عيش آخر رغم تأسيسهما شركة صغيرة تهتم بحماية الطبيعة بمساعدة الذكاء الاصطناعي .
وتجربة الزوجين صارت شائعة في ألمانيا التي أصبحت بالنسبة للكثيرين أقل جاذبية للعيش، فإلى جانب الإحباط من البيروقراطية والأعباء الضريبية المرتفعة، يلعب الخوف من التحول السياسي نحو اليمين دورا كبيرا لدى الكثيرين.
يقول فيليب "العقبات الإدارية الشاقة دفعتنا إلى طريق مسدود وسئمنا هذا النظام الذي ازداد تعقيدا يوما بعد آخر". واليوم عرضا بيتهما للبيع وبدآ بتوطيد علاقاتهما التجارية في دول مختلفة لتقديم الخدمات لهم ولكن دون الحاجة للبقاء في ألمانيا.
ولطالما انجذب الألمان لدول حوض البحر الأبيض المتوسط خاصة إسبانيا بعد انجذابهم للجارة النمسا. ولكن الوجهة في السنوات الأخيرة اختلفت لدى الكثيرين.
ويرى العديد من المواطنين أن ارتفاع الضرائب وانخفاض القدرة الشرائية وانعدام الأمن، من أهم الأسباب التي تدفعهم إلى التخلي عن بلادهم. ويربط الكثير ممن التقتهم الجزيرة نت الهجرة بالفشل السياسي وقدوم اللاجئين إلى ألمانيا، إلى جانب مخاوف البعض من انخفاض الأجور.
يرى شتيفان (27 عاما) أن هجرة الألمان تعود بشكل مباشر للأخطاء السياسية وللتغيّرات الاجتماعية. ولكنه يضيف للجزيرة نت "إن الأعباء الضريبية المرتفعة والأزمات العالقة وتحميل المواطنين مسؤولية المديونية العامة تدفعني للتفكير بمغادرة البلاد، ناهيك عن الفجوة المتزايدة بيننا وبين النخب"، وطالب الموظف الشاب الحكومة بتغيير جذري للمسار لتجنيبهم هذا العبء.
أما أورزولا (56 عاما) فتقول للجزيرة نت إنه "غالبا ما يتم التركيز على الأعراض دون تحديد السبب الرئيسي والمتمثل في انعدام الأمن"، وحمّلت الساسة مسؤولية الخوف وانعدام السلم الأهلي "بسبب الهجرة غير النظامية"، وفقا لها. وأشارت إلى أن الأنظمة الاجتماعية في ألمانيا لم تعد تعمل كما كانت عليه قبل سنوات.
ومع صعود اليمين المتطرف ليصبح القوة السياسية الثانية في البلاد، بدأ الكثير من الأجانب، حتى من أصحاب رؤوس الأموال والأطباء والمتعلمين، خاصة من الجالية العربية والمسلمة، في التفكير بمغادرة البلاد والبحث عن مكان أفضل لاستثماراتهم وأعمالهم. وجاء هذا التحول بعد تصاعد موجات العداء للأجانب في كثير من مناحي الحياة.
يقول سفيان، الذي ولد في ألمانيا لأب فلسطيني وأم ألمانية، للجزيرة نت إنه بدأ بالتفكير بالهجرة إلى بلد يوفر له الأمان والاستقرار "والشعور بالمواطنة".
وعبّر عن امتعاضه الشديد من "النظرة الدونية لغير الألمان رغم أن شكله الخارجي لا يوحي بذلك، إلا أن اسمه يكفي للدلالة على أصوله العربية". إضافة إلى رفضه التام للسياسة الألمانية التي "تكرس عملها على دعم أوكرانيا بالمليارات إلى جانب توفير الدعم اللامتناهي لإسرائيل، الأمر الذي لا يمكن تبريره بعد كل ما شاهدناه في الآونة الأخيرة".
تشكل هجرة النخب المتعلمة من ألمانيا تهديدا للاقتصاد والنظام الاجتماعي حتى لو كانت إلى دول الجوار الأوروبي، فهي تعمل على تراجع القدرة الشرائية والخبرات العلمية والعملية التي تسهم عادة في تطور الاقتصاد المحلي. مع العلم أن أكثر من 28% من المهاجرين من الفئة العمرية بين 18 و29 عاما، حسبما نشر مكتب الإحصاء الفدرالي.
تحتل سويسرا المرتبة الأولى في التصنيف العالمي لمؤشر التقدم البشري لهذا العام بالاعتماد على متوسط العمر المتوقع والتعليم. بينما تحتل ألمانيا المرتبة السابعة. وتُعد مدينتا زيورخ وجنيف من بين أفضل 5 مدن ملائمة للعيش.
ولذلك تحتل سويسرا المركز الأول بالنسبة للألمان الراغبين في مغادرة بلدهم بحثا عن مستوى حياة أفضل واستقرار وظيفي، خاصة أن عامل اللغة ونمط الحياة يلعبان دورا في وجهة الهجرة.
ووفقا لمكتب الإحصاء الاتحادي، وصل عدد من يحملون الجنسية الألمانية ويقيمون في سويسرا في بداية عام 2024 أكثر من 324 ألف شخص، ما يمثل زيادة بنسبة تقارب 3% عن عام 2023. وبذلك وصلت نسبة زيادة الألمان المقيمين فيها إلى نحو 11% في غضون 10 سنوات.