في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أثارت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، التي أُعلن عنها أمس الاثنين، جدلا واسعا، وذلك لما حملته بنودها (21 بندا) من وعود وما سقط من أولويات لوضع أسس حقيقية لحل القضية الفلسطينية.
ورغم أن المبادرة التي عُرفت "بخطة ترامب" حملت وعودا بوقف الإبادة الجماعية في غزة ورفع الحصار وإعادة الإعمار، فإن خبراء ومحللين فلسطينيين أكدوا للجزيرة نت أنها سقطت في امتحان الحقوق الوطنية، إذ غيّبت قضية الدولة الفلسطينية وحق العودة، وأثارت المخاوف من فرض وقائع جديدة تُكبّد المقاومة والقضية الفلسطينية ثمنا باهظا.
وجاءت "خطة ترامب" وسط تصاعد الضغوط الدولية والإنسانية على إسرائيل جراء عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ عامين، وما خلفه من آلاف الشهداء والجرحى ودمار لا يُحصى في البنية التحتية للقطاع، فضلا عن عزلة غير مسبوقة لإسرائيل واحتقان شعبي غربي وأميركي متصاعد تجاه سياسات الاحتلال، مما فرض على ترامب البحث عن مخرج يواكب استحقاقات الداخل الأميركي واقتراب الانتخابات النصفية القادمة، حسب الخبراء.
ويمكن تلخيص أبرز آراء المحللين في بنود خطة ترامب على النحو التالي:
وفي تفاصيل النقاط السابقة، يرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن المقاومة الفلسطينية انتزعت اعترافا بقوتها عبر صمودها المستمر في غزة، وهو ما أجبر الإدارة الأميركية على صياغة مبادرة غير مسبوقة تسعى لأول مرة إلى وقف الحرب ورفع الحصار وضمان مشاركة الفلسطينيين في إعادة الإعمار.
ويضيف الرنتاوي -في تصريحات للجزيرة نت- أن هذه المكاسب لم تكن لتتحقق لولا تضحيات الشعب الفلسطيني خلال حرب استمرت سنتين، حيث أعيدت القضية الفلسطينية بقوة إلى الواجهة الدولية، وأصبحت إسرائيل في عزلة سياسية وقانونية تُتهم فيها بالإبادة والتطهير العرقي .
لكن هذه الإنجازات، وفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، تظل جزئية وسطحية إذا قورنت بما غاب عن خطة ترامب، إذ "لم تمنح المبادرة الفلسطينيين جوهر حقوقهم الوطنية، ولا تعترف بدولة مستقلة أو بحدود واضحة، بل تتعامل مع غزة كملف إنساني منفصل".
ويؤكد المدهون -في تصريحات للجزيرة نت- أن تركيز الخطة على قضايا الإغاثة ووقف القتل هو استجابة للكارثة الإنسانية، لكنها لا تلامس جوهر القضية الفلسطينية، وتضع المقاومة بين خيارين أحلاهما مر: إما قبول خطة تجرّم سلاحها وتضيّق الفسحة الوطنية أمامها، أو تُتهم بإفشال مبادرة إنسانية.
أما مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة فيشدّد على أن هذه الخطة -رغم أنها تطرح حلولا "ملحّة" مثل وقف الحرب ومنع التهجير- فهي تحرم الشعب الفلسطيني من الحقوق السياسية المركزية كحق تقرير المصير وبناء دولته وعودة اللاجئين، وتكرّس الانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة.
ويرى عطاونة -في تصريحاته للجزيرة نت- أن أخطر ما في "خطة ترامب" هو إخراج غزة من السياق الوطني الفلسطيني، وتجريد السلطة من أي دور فعلي فيها، ليصبح القطاع ساحة إنسانية خالية من المضمون السياسي.
ويعود المحللون الثلاثة ليتفقوا على أن الربح الوحيد المؤكد هو وقف النزيف الإنساني، لكن الخسارة تكمن في غياب أي التزام بالحقوق الوطنية، وذلك يجعل من الخطة "مسارا إنسانيا مفخخا سياسيا"، مما قد يفرض على المقاومة تنازلات خطيرة تحت ضغط الحاجة المعيشية والإنسانية.
التحليل السابق يدفعنا إلى الوقوف على السياق الذي خرجت في إطاره "خطة ترامب"، لا سيما الأوضاع الميدانية والعسكرية والسياسية التي جعلت ترامب يعقد اجتماعات مطولة الأسبوع الماضي مع قادة لدول عربية وإسلامية، تمهيدا للإعلان عن هذه الخطة في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
فالمدهون يقرأ السياق من زاوية أن الإدارة الأميركية وجدت نفسها أمام أزمة أخلاقية وانتخابية، مع تغير المزاج العام في الولايات المتحدة وتنامي التعاطف الشعبي مع قضية غزة، الأمر الذي انعكس على توجه ترامب الساعي إلى تحقيق مكاسب انتخابية عبر إنجاز خارجي يُسوّق إنهاء الحرب بوصفه نجاحا دبلوماسيا له.
لكن الرنتاوي يقرأ السياق الميداني باعتباره نتيجة مباشرة لصمود المقاومة في مواجهة حرب إسرائيلية شرسة استمرت عامين، وهذه الحرب دفعت المجتمع الدولي إلى إدانة إسرائيل بشكل غير مسبوق، مشيرا إلى أن هذا الضغط العسكري والسياسي هو ما أجبر واشنطن على التخلي عن موقفها التقليدي الداعم لإسرائيل والانخراط في صياغة خطة تهدف إلى كسر الحصار وتهدئة الوضع.
من جانبه، يربط عطاونة بين ظهور خطة ترامب وعجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها العسكرية رغم دمار القطاع وتفاقم الأزمة الإنسانية، مبينا أن إسرائيل حاولت عبر الخطة أن تظهر كمنتصر سياسي، إذ أكد نتنياهو لترامب أنه حقق جميع أهداف الحرب، متجاهلا خسائر إسرائيل المعنوية وعزلتها الدولية، حسب قوله.
وفي المحصلة، يجمع المتحدثون الثلاثة على أن الجو العام الذي أفرز الخطة هو حصيلة تداخل الضغوط العسكرية الدولية، والأزمات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة وإسرائيل، ورغبة الطرفين في رسم نهاية للحرب على حساب معاناة الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
وتشير تصريحات المحللين فيما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة "لخطة ترامب" إلى أنها تنطوي على مفارقة مؤلمة بين الحاجة الإنسانية الملحّة وشبح التصفية السياسية، حيث تتقاطع مخاوف الجميع من أن تتحول مكاسب اللحظة الراهنة إلى خسارات تاريخية إذا لم تكن الحقوق الوطنية جزءا أصيلا من أي حل مقترح، وهذا ما شددوا عليه جميعا.
فأحمد عطاونة يذهب إلى أن السيناريو الأشد قسوة هو تصفية القضية الفلسطينية سياسيا عبر إخراج غزة والقدس من إطار الحل الوطني الفلسطيني، وتثبيت الانقسام، وفرض الأمر الواقع في الضفة الغربية تمهيدا للضم التدريجي. وحذر من أن تطبيق خطة ترامب هكذا من دون معالجة سياسية سيعني فقدان القضية الفلسطينية معناها التاريخي، وتحولها إلى ملف إنساني بلا جذور وطنية.
ويزيد على ذلك مدير مركز القدس للدراسات السياسية رأيا آخر، فيرى أن نجاح الخطة في فرض وقف إطلاق النار، رغم أهميته، قد يؤدي إلى ديناميات جديدة في الحالة الفلسطينية، ومنها احتمال تحول المقاومة إلى العمل السياسي الحزبي وتغيير بنية السلطة الفلسطينية عبر إصلاحات عميقة، إذا قررت حماس خوض غمار السياسة الداخلية وتعظيم المشاركة الجماهيرية في إعادة الإعمار.
لكن المحلل السياسي المدهون يحذر من سيناريو أكثر خطورة، ويتمثل في أن تستغل إسرائيل الخطة لفرض إدارة غير فلسطينية على القطاع، عبر شخصيات دولية لا تحظى بإجماع، مما يُعيد إنتاج الاحتلال بصيغة رمادية عن طريق تدويل إدارة غزة وتقويض القرار الوطني الفلسطيني، مشيرا إلى أن استمرار غياب المرجعية السياسية الوطنية من الخطة سيقود إلى تعميق الانقسام وفتح الباب أمام انتهاكات جديدة.
ويتفق المحللون الثلاثة أيضا على أن السيناريو الأكثر إجماعا على الساحة الفلسطينية هو قبول إجراءات وقف الحرب والإغاثة مع فتح نقاش وطني وعربي موسع حول الحقوق السياسية والإستراتيجية، وعدم الانجرار وراء الاكتفاء بالحلول الإنسانية، حتى لا يُكتب لهذه الخطة أن تصير محطة لتصفية أو تحييد القضية الفلسطينية.
وتأتي خطة ترامب في وقت استمر فيه عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة نحو عامين، حاصدا أرواح أكثر من 66 ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى، حسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة. كما خلّف القصف الإسرائيلي دمارا شاملا في البنية التحتية، مع حصار مطبق أوصل أكثر من مليوني فلسطيني إلى حالة المجاعة حسب تقارير الأمم المتحدة .