حذرت مصر في بيان صادر عن خارجيتها 16 سبتمبر/أيلول الجاري، من أن المنطقة باتت على "أعتاب مرحلة جديدة من الفوضى الشاملة" جراء "التهور الإسرائيلي والتمادي في الغطرسة"، وذلك تعقيبا على موجة التصعيد الإسرائيلي المتوحش في مدينة غزة.
هذا البيان، جاء بعد انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة، 15 سبتمبر/أيلول، ومنسجما مع تخوفات الدول العربية والإسلامية من السياسة الإسرائيلية التي باتت تهدد أمن المنطقة؛ بسبب تعاظم العدوانية الإسرائيلية في فلسطين، ولبنان، وسوريا، واليمن، وإيران، وقطر.
تتخوف القاهرة من السياسات العدوانية لإسرائيل، والتي لم تعد تقتصر على قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة، وإنما باتت تطال المنطقة برمتها، وهذا ما أكده الهجوم الإسرائيلي الغادر على دولة قطر، الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، والدولة التي تضطلع بدور مهم ومميز في الوساطة لوقف الحرب على غزة.
ذلك يشير إلى مستوى علو الغطرسة والرعونة الإسرائيلية، وتجاوزه حدود المنطق والقانون الدولي، وإلى أن نتنياهو وعصابته من اليمين المتطرف يمكن أن يقوموا بمغامرات خطيرة على أمن المنطقة ودولها، وفي مقدمتها مصر التي هي على تماس مباشر مع قطاع غزة الذي يشهد أكبر عملية تطهير عرقي، وحرب إبادة جماعية في العصر الحديث.
يعود القلق والتخوف المصري من سياسات إسرائيل الرعناء والمتهورة لعدة أسباب منها:
وإذا كان من غير المرجح حسمهم المعركة في الأشهر المنظورة، فهذا يزيد بدوره من المخاطر والتداعيات في الإقليم ارتباطا بغزة، كما حصل واقعيا مع لبنان، وإيران، واليمن، ومؤخرا قطر.
ومسار التهجير إن حصل، فهو أقرب ما يكون إلى سيناء المصرية، وهذا ما تشير له وقائع الميدان من دفع الفلسطينيين إلى جنوب قطاع غزة بمحاذاة الحدود المصرية.
الأمر الذي سينقل لهيب القضية الفلسطينية وتداعياتها إلى مصر، التي ما زالت ترفض التهجير؛ لأنها ترى فيه تهديدا وجوديا للقضية الفلسطينية، وتهديدا لأمنها القومي، ولاتفاقية السلام مع إسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد)، وهذا ما أشار له الرئيس السيسي في القمة العربية الإسلامية في الدوحة.
وهو ما يعد سببا إضافيا لقلق مصر، فتهجير الفلسطينيين تحت القصف الوحشي إلى سيناء، قد يُغري ويقود إسرائيل إلى مقامرة عسكرية في سيناء، لتحقيق أهداف توسعية غيبية تتعلق بإسرائيل الكبرى التي تحدث عنها نتنياهو.
وعلى اتصال بالموضوع، فقد قالها الرئيس ترامب عقب فوزه بالانتخابات الأميركية، إنه يرى "إسرائيل صغيرة على الخارطة"، في إشارة إلى عدم ممانعته توسعها جغرافيا على حساب الدول العربية، وهو الذي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بها عاصمة لإسرائيل، واعترف بـ"السيادة" الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، في عهدته الرئاسية الأولى.
يمكن لمصر إذا كانت تنظر بجدية لخطورة السياسات الإسرائيلية العدوانية المشفوعة بالقوة العسكرية، وبسياسة الأمر الواقع التي يتابعها الجميع في فلسطين، وسوريا، ولبنان، أن تأخذ خطوات استباقية لسد الطريق على إسرائيل حتى لا تذهب بعيدا في تنفيذ أحلامها الاستعمارية الغيبية في أرض "إسرائيل الكبرى"، وذلك عبر عدة مسارات، منها:
فصمود غزة، لا يعني فقط حماية القضية الفلسطينية، وإنما الدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي، فكلما زاد استنزاف إسرائيل انخفضت شهيتها في التوسع الاستعماري في مصر والمنطقة العربية.
ويمكن لهذا الإطار أن يأخذ العديد من الإجراءات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تحول دون غطرسة إسرائيل وكذلك رعونتها التي تتعاظم؛ بسبب حالة الصمت والخذلان، التي تحدث عنها العديد من الزعماء العرب والمسلمين في قمة الدوحة.
هذا الحلف أو الإطار التنسيقي بين الدول المتضررة والمهدَدة، يمكن أن يكون بديلا عمليا لعدم قدرة 57 دولة عربية وإسلامية على اتخاذ موقف موحد وجامع؛ لتباين الحسابات والمصالح والتحالفات الدولية.
يساعد في ذلك أن إسرائيل أصبحت دولة مُدانة دوليا وفي الأمم المتحدة، لا سيما بعد ما ارتكبته في غزة من جرائم، وبعد اعتدائها على دولة قطر كطرف وسيط دولي موثوق.
وهذا يشكل فرصة تحظى بشرعية؛ لأنها مبنية على حماية سيادة الدول، وللحيلولة دون استمرار إسرائيل في جرائمها وانتهاكها القانون الدولي وكافة المواثيق الأممية.
إسرائيل في حالة تحفز لاستثمار الفرصة التاريخية، فاليمين المتطرف يرى أنه لا بد من استغلال حالة الحرب على غزة، وعلى عدد من الدول العربية، في ظل دعم إدارة الرئيس ترامب، لإعادة رسم الشرق الأوسط وفق معايير إسرائيلية، وهذا لن يكون إلا بالقضاء على كافة الدول والقوى المناوئة للهيمنة الإسرائيلية الاستعمارية.
ولذلك، من المتوقع أن يذهب اليمين الإسرائيلي المتطرف بعيدا في غلوه السياسي اللاهوتي، بالاعتداء على العديد من الدول العربية والإسلامية، للتوسع جغرافيا، ولبناء "إسرائيل الكبرى" المهيمنة على المنطقة بالقوة، والتهديد بها.
في هذه الحالة تصبح كلفة الصمت أعلى بكثير من كلفة المواجهة، والتعويل على واشنطن لكبح جماح إسرائيل ثبت فشله، والدول العربية والإسلامية لن تكون، مهما عظمت علاقاتها بواشنطن، أهم عند الأخيرة من الدول الأوروبية وأوكرانيا التي بدأت تدفع ثمن السياسات الأميركية في عهد الرئيس ترامب الذي ينقلب على رأيه، ويبدو أن الثابت الوحيد لديه هو أميركا وإسرائيل فقط.
العالم آخذ في إعادة التشكل عبر تقدم الصين وروسيا وحلفائهما في منظمة شنغهاي للتعاون، والتحالفات تتبدل وتتغير وفق المصالح، ويسرع في ذلك سياسة الرئيس ترامب غير الموثوقة والمتقلبة.
من هنا يصبح من الأهمية بمكان أن تسعى مصر كدولة عربية كبيرة، مع العديد من الدول العربية والإسلامية الوازنة، لتشكيل نواة تحالف عربي إسلامي مناوئ للسياسات الإسرائيلية العدوانية.
وهذا ينبعث من تقاطع المصالح المحمية بالقانون الدولي، ويتجلى في دعم صمود الشعب الفلسطيني ووقف العدوان على غزة، كأحد أهم محددات الأمن القومي العربي والإسلامي في مواجهة إسرائيل اللاهوتية المتوحشة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.