في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتوقع مشهد مقاطعة خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه صُدم به، كما يقول محللون، لأنه عكس حالة النبذ التي تعيشها تل أبيب بسبب حربها على قطاع غزة ، رغم وصف البعض لما جرى بأنه مجرد عمل مسرحي.
فقد غادرت عدة وفود قاعة الأمم المتحدة فور صعود نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – منصة الجمعية العامة في تعبير صارخ عن حالة الرفض الدولي للجرائم التي يواصل ارتكابها ضد الفلسطينيين.
ولم يكن هذا المشهد الدليل الوحيد على تنامي عزلة إسرائيل دوليا، لكنه كان اللحظة التي لا يمكن إنكارها أو القول إنها مجرد دعاية تقودها المقاومة الفلسطينية، وقد جاءت لتتوج الكثير من المواقف التي سبقتها.
فخلال رحلته من إسرائيل إلى الولايات المتحدة، اضطر نتنياهو لتغيير مسار طائرته خشية تعرضه للاعتقال في أي من الدول الموقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية.
وقبل وصوله إلى نيويورك، سارعت عدة دول للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ردا على محاولاته القضاء على هذه الفكرة وجعلها أمرا مستحيلا من خلال تهجير سكان غزة وضم الضفة الغربية .
وإلى جانب ذلك، ذهبت بعض الدول مثل إسبانيا والنرويج إلى فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة لإسرائيل ومنع مرور وقود الطائرات إليها، إضافة إلى حظر استيراد منتجات المستوطنات غير القانونية بالضفة الغربية.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها أعلنت شركة مايكروسوفت الشريك الوفي لإسرائيل إيقاف وصول وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى بعض خدماتها للحوسبة السحابية بعد العثور على أدلة تدعم استخدامها في استهداف المدنيين.
وردا على هذه التطورات التي تزيد حالة العزلة الناجمة عن سلوك حكومة تل أبيب المتطرفة، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات داخل إسرائيل للمطالبة بوقف الحرب، وامتدت إلى مدن أخرى غير تل أبيب.
ولم يكن مشهد مقاطعة كلمة نتنياهو، مجرد نوع من الاعتراض، ولكنه كان إهانة له وللسياسة المتطرفة التي تنتهجها إسرائيل، وكانت تعبيرا عن العزلة غير المسبوقة التي تحيط بها من كل جانب، كما يقول الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي.
فقد أكد البرغوثي خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، أن ما يجري حاليا هو الحراك الأول من نوعه ضد نظام في العالم منذ إسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
لذلك، فإن القادم سيكون أسوأ بكثير، برأي البرغوثي، الذي قال إن الشعوب تضغط على البرلمان التي تضغط بدورها على الحكومات لاتخاذ مزيد من الخطوات لردع إسرائيل.
وكان المشهد متوقعا داخل إسرائيل، لكنه أحدث جلبة كبيرة عند حدوثه، حسب الخبير بالشؤون الإسرائيلية محمود يزبك، الذي قال إن نتنياهو نفسه ارتبك وبدا مضغوطا، بل وتحدث البعض عن عرضه على الطبيب بعد الانتهاء من كلمته.
وبعد هذا الموقف، أصبح الصوت الإسرائيلي المطالب بوقف الحرب واضحا كما لم يكن من قبل، وإلى الحد الذي يعتبره يزبك أقوى من كل الشهور الماضية.
فالمقاطعة لم تعد حكرا على إسرائيل كدولة، ولكنها طالت الإسرائيليين أنفسهم، والذين أصبحوا يطاردون في كل مكان ويتهمون بأنهم يقتلون الفلسطينيين، وفق يزبك، الذي أشار إلى أن وزارة الخارجية نصحت المواطنين بعدم الكشف عن هويتهم في أي مكان بالعالم.
ووفقا ليزبك، فإن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن 60% ممن كانوا يسافرون إلى دول أخرى في فترة الأعياد لم يسافروا هذه السنة، وحتى من ذهبوا إلى إيلات وجدوا الصاروخ اليمني بانتظارهم.
وبالنظر إلى شعورهم السابق بأنهم بشر فوق البشر، فقد أصبح الإسرائيليون يحملون نتنياهو المسؤولية عن حالة الحصار التي يشعرون بأنها تزداد يوما بعد يوم، كما يقول يزبك.
بيد أن كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز، يرى أن ما جرى في الأمم المتحدة لم يكن سوى "مشاهد مسرحية"، يقول إنها لا تعني إسرائيل ولا الولايات المتحدة في شيء.
فالحرب لن تتوقف ما لم تتخل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن سلاحها وتقبل بكل ما تريده إسرائيل، وفق روبنز، الذي يقول "إن الرئيس دونالد ترامب يتشكك أصلا في دور الأمم المتحدة، التي تشجع حماس على مواصلة حربها بمثل هذا التصرفات، التي تفهم على أنها دعم للإرهاب".
غير أن أستاذ القانون الدولي الإنساني ومدير العمليات السابق لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ( أونروا ) لكس تاكنبرغ، يختلف مع حديث روبنز، ويرى أن ما جرى في الأمم المتحدة مهم، ويؤكد أن الخناق بدأ يضيق حول رقبة نتنياهو.
كما أن هذه المشاهد تعكس المزاج الدولي تجاه إسرائيل بشكل لا لبس فيه، وهي نفس المشاهد التي واجهها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قبل سقوطه، كما يقول تاكنبرغ.
ولو لم تكن إسرائيل في أزمة، لما اضطر نتنياهو لتغيير مسار رحلته إلى نيويورك خشية الاعتقال، برأي تاكنبرغ، الذي يقول إن إسرائيل ما كانت لتواصل جرائمها كل هذه الفترة لولا دعم الولايات المتحدة لها.
وحتى ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي يصفه تاكنبرغ بأنه "جرائم حرب"، لم يكن سوى رد فعل مسلح على المجازر الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين منذ 100 سنة.
وعلى هذا، فإن أستاذ القانون الدولي يعتقد أننا "نشهد حاليا نهاية القضية الفلسطينية لأن ما يجري غير مسبوق على كل المستويات، وواشنطن ترى هذا الأمر وستضغط على نتنياهو من أجل تقديم تنازلات في وقت قريب".