شغلت قصة المعلمة الغزيّة، غادة رباح، حيزاً كبيراً في أحاديث الفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبر كثيرون قصتها "تكراراً لمأساة" هند رجب، الطفلة الفلسطينية التي اتصلت بالهلال الأحمر الفلسطيني بينما هي محاصرة داخل سيارة تحيط بها مركبات عسكرية إسرائيلية بداية عام 2024، وانتشر تسجيل لمكالمتها وهي تناشد لإخراجها من وسط جثامين أقاربها داخل السيارة، فلم تنجح أي جهود آنذاك في إنقاذ حياتها.
وبحسب وسائل إعلام فلسطينية، فقد تعرّض المنزل الذي تقطنه المعلمة غادة رباح، وشقيقها، وأطفالها، لقصف إسرائيلي دمّره بشكل جزئي، يوم الإثنين، 22 سبتمبر/أيلول، في منطقة تل الهوى، غربي مدينة غزة التي تشهد توغلاً برياً إسرائيلياً.
وبقيت غادة تتواصل هاتفياً لمدة يومين بعد القصف من تحت أنقاض المبنى المدمّر أملاً في إنقاذ حياتها، بحسب ما نشر المركز الفلسطيني للإعلام.
وقال عبد الله مجدلاوي، الضابط في الدفاع المدني في غزة، إن غادة تواصلت هاتفياً مع أقارب لها وأخبرتهم أنها تحت الأنقاض، وإن أقاربها وصفوا للدفاع المدني مكان البيت بشكل دقيق، مشيراً إلى أن أقاربها أخبروا الدفاع المدني أن طابقاً من طوابق المنزل بقي قائماً بعد القصف الإسرائيلي.
وأضاف مجدلاوي لبودكاست غزة اليوم، الذي يُبث عبر بي بي سي، أن المنزل يقع قرب مفترق المالية في تل الهوى، وأن الدفاع المدني طلب تنسيقاً من الصليب الأحمر كي تتمكن طواقمه من العمل في تلك المنطقة المصنفة خطرة من قبل الجيش الإسرائيلي.
ووصلت قصة غادة بعد ذلك إلى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث دعا مستخدمون للسماح بالوصول إليها وإنقاذ حياتها قبل فوات الأوان، "كي لا تكون هند رجب جديدة"، ونشروا صوراً لها.
وشارك حساب على منصة فيسبوك منشوراً يقول إنه لشقيقة غادة، قالت فيه إن أختها لا تزال على قيد الحياة، نافية وجود أطفال معها، وذلك بعد ساعات من انتشار أنباء تفيد بمقتل غادة.
وكان المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، قد نشر مساء يوم الثلاثاء 23 سبتمبر/أيلول، منشوراً عبر منصة فيسبوك، ناشد فيه "ٌقادة العالم"، التدخل لإنقاذ حياة غادة المحاصرة تحت الأنقاض هي وطفليها، قائلاً إن آخر تواصل معها كان عصر ذلك اليوم.
ومساء يوم الأربعاء، 24 سبتمبر/أيلول، نشر بصل، عبر منصة إكس، تغريدة، تلاها مقطع فيديو، أعلن فيهما أن القوات الإسرائيلية سمحت لطواقم الدفاع المدني بالوصول إلى موقع البناية المستهدفة، حيث حوصرت غادة وطفليها وعدد من أفراد عائلتها، وأن الطواقم تعمل على محاولة إخراجها.
ولم يحدد المتحدث باسم الدفاع المدني في ذلك الوقت مصير غادة أو أي من أفراد أسرتها.
لكن وبعد ساعات قليلة من إعلانه وصول طواقم الدفاع المدني، نشر بصل تغريدة أخرى، قال فيها إن الطواقم عادت بعد بحث استمرّ لعدة ساعات دون العثور على غادة وأطفالها، وأن المنزل المستهدف تعرّض للتدمير الكامل، وسُوّي بالأرض.
لكن أسامة رباح، ابن غم غادة، أكّد لبودكاست غزة اليوم، أن غادة كانت لوحدها في المنزل، ولم يكن معها أحد وقت تعرضه للقصف.
وقال أسامة إن القصة بدأت يوم الإثنين، حين ساعدت غادة والدتها وأفراداً من أسرتها على النزوح إلى منطقة أخرى بعد اشتداد القصف في منطقة منزلها، لكنها عادت بعد ذلك إلى المنزل رفقة شقيقها حسام لجلب بعض متعلقات الأسرة.
وتابع أسامة بالقول إنه وعند اقتراب السيارة التي تقلهما من المنزل، تعرّضت لاستهداف بصاروخ أطلقته طائرة مسيّرة إسرائيلية، ما أدى إلى مقتل شقيقها حسام، فخرجت غادة من السيارة ولجأت إلى المنزل.
وأضاف أسامة، أن المنزل تعرّض بعد ذلك إلى قصف إسرائيلي، وإن أقارب غادة حاولوا التواصل معها بعد ذلك لكن دون جدوى.
وأكمل أسامة، ابن عم غادة، سرد قصتها لبي بي سي، وقال إنهم تفاجأوا يوم الثلاثاء، بعد يوم واحد من تعرض منزلها للقصف، بأن غادة أرسلت لزميلتها الموجودة في مصر رسالة تقول فيها إنها تحت الأنقاض، وتناشد لإنقاذها.
وأضاف بأنهم تواصلوا مع الدفاع المدني والصليب الأحمر للحصول على تنسيق من أجل دخول المنطقة، وهو ما حدث يوم الأربعاء، حيث أخبرهم الصليب الأحمر بأنهم حصلوا على التنسيق اللازم لهذه الغاية.
ولكن أسامة أكّد بأنه وقبل نصف ساعة فقط من وصول الدفاع المدني إلى المنطقة، تعرّض المنزل للقصف مرة أخرى، وحين وصل الدفاع المدني إلى المنزل ليلاً، لم يكن لديه متسع من الوقت، إذ كان مسموحاً لهم العمل لمدة ساعة واحدة فقط، واضطروا بعد ذلك للانسحاب لخطورة الوضع في المنطقة.
ويروي الضابط عبد الله مجدلاوي، بأن الموافقة على دخول المنطقة وصلت للدفاع المدني بعد 72 ساعة من تلقيهم بلاغاً بشأن غادة، وأن الطواقم تفاجأت حين وصلت المنزل بأنه أصبح "كومة من ركام"، ولم تجد الطواقم أي مدخل تستطيع من خلاله البحث عن غادة.
وأضاف مجدلاوي أن الطواقم بحثت لبعض الوقت، ونادت على غادة أكثر من مرة أملاً في الحصول على إجابة، لكن دون جدوى.
وعلى الرغم من أنه لم يُعلن بشكل رسمي عن مقتلها، إلا أن كثيرين اعتبروا عدم العثور عليها، وتعرّض منزلها للتدمير الكامل دلالة على مقتلها.
ونشر أحد المستخدمين لمنصة إكس كلمات عبّر فيها عن حزنه لما حلّ بغادة، قائلاً إن "ابتسامتها كانت تشبه غزة قبل أن تُباد"، على حدّ تعبيره.
فيما نشر حساب آخر تغريدة غاضبة خاطب فيها "صُنّاع الأفلام"، قائلاً: "خذوا قصة جديدة، قصة غادة رباح"، في إشارة إلى فيلم "صوت هند رجب"، الذي استلهم قصة الطفلة هند رجب، وفاز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي.
ونشر حساب على منصة إكس، تقول صاحبته إنها صديقة غادة، معلومات عنها، وقالت إنها معلمة لغة إنجليزية، تبلغ من العمر 43 عاماً، خاتمةً التغريدة بكلمات: "لن ننسى ولن نسامح".
وقال أسامة رباح، إنه اتصل بقريبه، وأخبره أن هناك تنسيقاً جديداً لدخول طواقم الدفاع المدني مرة أخرى إلى المنطقة، معبراً عن أمله في العثور عليها، أو حتى انتشال جثمانها.
ورأى أسامة أن الدفاع المدني ربما يكون قد أخطأ في تحديد المنزل الذي كانت فيها غادة، وأنه بحث في منزل مجاور نظراً للدمار الذي حلّ في المنطقة، طارحاً احتمال أن تكون غادة لا تزال حية تحت الأنقاض.
من جهته، أكد الضابط عبد الله مجدلاوي لبي بي سي أن محاولات الوصول لغادة لن تتوقف، وأشار إلى أن أفراداً من عائلة غادة أخبروا الدفاع المدني أنهم ما زالوا قادرين على الاتصال بهاتفها، مضيفاً بأن محاولة أخرى ستجري للتنسيق من أجل الوصول إلى المنزل أملاً في العثور عليها وعلى أفراد أسرتها، "سواء كانوا أحياء أو أموات".