في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تثير خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، المكونة من 21 نقطة لحل أزمة غزة والقضية الفلسطينية، تفاعلاً متبايناً بين خبراء الشؤون السياسية والإستراتيجية.
ففي حين يبدي قادة عرب ومسلمون تفاؤلاً حذراً، يحذر محللون من تكرار سيناريوهات سابقة شهدت تراجع ترامب عن مواقفه تحت تأثير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية .
واجتمع الرئيس الأميركي بقادة دول عربية وإسلامية في مقر الأمم المتحدة لعرض خطته بشأن غزة، واصفاً الاجتماع بالمهم جداً ومشدداً على رغبته في إنهاء الحرب واستعادة الرهائن.
وبالرغم من أن العناوين العريضة للطرح الأميركي لم تتضمن تفاصيل ضافية، إلا أن موقع بوليتيكو الإخباري الأميركي أكد أن ترامب تعهد للزعماء العرب بعدم السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.
وفي هذا الإطار، التقت النية الأميركية المعلنة مع موقف عربي متفائل حذر، حيث أشار أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى أن الوضع سيء للغاية في غزة، مضيفاً "نحن هنا لفعل كل ما بوسعنا لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى".
وفي السياق ذاته، خاطب أمير قطر الرئيس الأميركي مؤكداً "نعول على قيادة الرئيس ترامب لوضع حد للحرب في غزة".
وتترجم هذه المواقف في البيان المشترك الصادر عن الدول المشاركة، والذي أكد ضرورة وقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى كخطوة أولى نحو سلام عادل ودائم، في مؤشر على وجود أرضية مشتركة للعمل بين الإدارة الأميركية والدول العربية والإسلامية حول هذا الملف الحساس.
وأكدت الخبيرة الإستراتيجية في الحزب الجمهوري جين كارد، أن الأيام المقبلة ستكشف المزيد من التفاصيل حول الخطة، مشيرة إلى أن ترامب أضاف عنصراً جديداً بتعهده عدم السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.
غير أن كارد لفتت إلى أن ترامب معروف بتغيير آرائه كثيراً، لكنها أوضحت أن ما يمكن استخلاصه هو فهم كيف يرى الأمور بالنسبة لغزة والحل المستقبلي.
وفي تقييم آخر لطموحات ترامب، أوضحت كارد أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تحقيق إنجاز تاريخي يتجاوز اتفاقيات أبراهام، مؤكدة أنه حالم بطرق مختلفة ويؤمن بالسلام رغم صورته كشخص قوي.
وأشارت إلى أن ترامب فخور باتفاقيات أبراهام، ويريد إضافة إرث جديد، لكنها اعتبرت الرؤية مستحيلة رغم عدم شكها في تفانيه.
وبناءً على هذا التحليل، توقعت كارد، أن يكون هدف ترامب من لقاء الاثنين المقبل بنتنياهو حمله على الموافقة على الخطة، لأنه يريد الخروج بصورة البطل الذي حقق السلام.
لكنها توقعت عدم خضوع نتنياهو، مما قد يسبب استياء ترامب الذي لا يتراجع ولا يستسلم.
وفي المقابل، أشار الباحث والمحلل السياسي الدكتور أسامة أبو رشيد إلى أن أي تصريح يصدر عن الرئيس الأميركي يكون مدعاة للتفاؤل، لكنه تساءل عما إذا كان هذا التفاؤل سيترجم عملياً.
وفي هذا السياق، ذكّر أبو رشيد بما حدث في يوليو/تموز الماضي عندما بلغ مستوى التفاؤل درجة الظن، أن العدوان الإسرائيلي وصل إلى نهايته، لكن النتيجة كانت تراجع ترامب عن مواقفه وتحميله حماس المسؤولية من جديد.
ومع ذلك، أكد أبو رشيد أن البنود المسربة من خطة ترامب تبدو في معظمها إيجابية، خاصة وقف العدوان وإعادة الإعمار وإدخال المساعدات الإنسانية ودور القوة العربية الإسلامية والسلطة الفلسطينية.
كما أشاد بالشروط التي وضعها القادة العرب والمسلمون لمنع الضم والتهجير والاستيطان الجديد.
لكن هذا التقييم الإيجابي لا يخفي بعض التحفظات، حيث حذر أبو رشيد من الرسائل المتناقضة التي تصدر عن الإدارة الأميركية، مشيراً إلى التجارب السابقة مع ترامب الذي يطرح الموقف ونقيضه، وأضاف أن كل هذه الأمور تخضع لمزاج ترامب وقدرة نتنياهو على المناورة والتلاعب.
وفي تحليل للسياق السياسي الذي تتحرك فيه الإدارة الأميركية، أشار أبو رشيد إلى مجموعة من الضغوط التي تواجه ترامب، بدءاً من هوسه بجائزة نوبل للسلام وصولاً إلى ضغط " حركة ماغا " التي تطالبه بوضع أميركا أولاً بدلاً من إسرائيل .
وفي السياق الدولي، لفت إلى العزلة الدبلوماسية المتنامية مع اعتراف دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، مما يترك أميركا منعزلة عن ثلاثة أرباع المجتمع الدولي.
علاوة على ذلك، أضاف أبو رشيد أن ترامب أعطى نتنياهو كل الدعم الممكن بالسلاح والدعم الدبلوماسي دون تحقيق انتصار حاسم، مما جعل العزلة الإسرائيلية تترجم إلى عزلة أميركية.
وعن الجانب الإسرائيلي من المعادلة، أوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى أن قبول نتنياهو للخطة مرتبط بمدى الضغط الأميركي الجدي عليه.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن الخطة تتضمن ثلاثة بنود أساسية تشكل مقتل الإستراتيجية التي بناها نتنياهو: الانسحاب من غزة وعدم التهجير والاستيطان، وإعادة الإعمار، وعدم ضم الضفة الغربية.
وبناءً على هذا التحليل، أكد مصطفى أن هذه البنود، إذا تحققت، ستمثل انهياراً كاملاً لكل منظومة نتنياهو الإستراتيجية والسياسية التي بناها على مدار عامين.
ولذلك، توقع أن يحاول نتنياهو إقناع ترامب أن الخطة لا تستجيب للمصالح الإسرائيلية، وسيضع شروطاً إضافية، مثل بقاء منطقة أمنية عازلة في غزة وحرية العمل العسكري.
وفي هذا الإطار، أكد مصطفى أن هامش المناورة لدى نتنياهو ضاق جداً مقارنة بالفترة السابقة، موضحاً الفرق الجوهري بين التعامل مع ترامب والرئيس السابق جو بايدن .
وأشار إلى أن نتنياهو كان يستطيع رفض طلبات بايدن لاعتماده على دعم الحزب الجمهوري، بينما لا يستطيع الآن رفض طلبات ترامب لعدم وجود تعويل على الحزب الديمقراطي .
وعلى صعيد آخر، دافعت كارد عن مصداقية ترامب، مؤكدة أن رغبته ورؤيته للمنطقة متسقة ومنتظمة، وأن المشكلة ليست في المصداقية بل في القدرة على التحقيق.
وأوضحت أن ترامب لا يفضل التدخل المباشر ويريد دوراً قيادياً وليس إدارياً للولايات المتحدة.
وفي ضوء هذه المعطيات، أكد أبو رشيد ضرورة موقف عربي إسلامي صارم مع ترامب وليس مع نتنياهو، مشدداً على أن وقف العدوان يجب أن يكون شرطاً أولاً قبل أي خطوات أخرى.
وحذر من مكافأة الإدارة الأميركية وإسرائيل دون وقف فعلي للحرب وضمانات حقيقية.
وأكد أبو رشيد على أهمية عدم تكرار أخطاء الماضي والانجرار وراء وعود لا تترجم على أرض الواقع، مؤكداً أن المنطقة تحتاج إلى موقف حازم يضمن تنفيذ الالتزامات وليس مجرد التصريحات.