آخر الأخبار

الضفة الغربية: "الجيش الإسرائيلي استولى على منزلي واستخدمه كفندق ثم أشعل فيه النار"

شارك
مصدر الصورة

يرفع ناصر فرطاوي إكليلاً متفحماً من زهور مصنوعة من السيليكون وفانوساً رمضانياً محترقاً بينما يتفقد أنقاض متجره الشهير للحفلات في طولكرم، شمال الضفة الغربية المحتلة.

وفي الطابق العلوي، على امتداد ثلاثة طوابق كانت في السابق شققاً فاخرة لعائلته، كانت هناك كتابات على الجدران، من بينها "رسومات مخلة" في غرفة المعيشة وغرفة نوم ابنته.

حُطم الأثاث الفاخر وأُلقي بعضه عبر النوافذ، وانتُزعت الزينة الفاخرة، ومُزقت صفحات المصحف بالكامل، وتفوح من المكان رائحة طعام فاسد متعفن.

قال ناصر: "جاؤوا ودمروني. كل شيء هنا يمكن تدميره فقط لأنني أعيش في هذه المدينة، لأنني فلسطيني".

في الثالث من مارس/آذار الماضي، وصلت القوات الإسرائيلية إلى منزل أسرة ناصر ومنحته مهلة ساعة ونصف الساعة للمغادرة. واستولت القوات على المبنى أثناء تنفيذ عملية واسعة في مخيم طولكرم للاجئين القريب من الموقع.

وأضاف ناصر، وهو في حالة ذهول ولا يصدق ما حدث: "لقد استولوا عليه وحولوه إلى موقع عسكري، وعاشوا فيه لثلاثة أشهر ونصف الشهر، وكأنهم في فندق، ثم أضرموا فيه النيران".

وروى أنه بينما كان يراقب من بعيد، شاهد اندلاع حريق في مستودعه ومتجره في 11 يونيو/حزيران - ذلك المكان الذي اعتاد السكان المحليون إحضار سياراتهم إليه لتزيينها بمناسبة حفلات الزفاف.

مصدر الصورة

وقال ناصر: "كان من الصعب جداً علي أن أرى مصدر رزقي يحترق. كل ما عملت لأجله لأكثر من ثلاثين سنة". وظل الحي الذي كان يقيم فيه منطقة عسكرية مغلقة، ولم يُسمح له بالعودة إلا في مستهل هذا الشهر.

ولدى سؤالها عن حالة الممتلكات، قالت القوات الإسرائيلية لبي بي سي إنها لا تعلم أي شيء عن "اندلاع حريق متعمد على أيدي جنودها في الموقع"، مؤكدةً أن "شكوى بشأن الحادث قُدمت وهي قيد المراجعة".

وذكر بيان الجيش الإسرائيلي أن "تدمير الممتلكات المدنية على يد الجنود يتعارض مع قيم الجيش. وهناك قاعدة عامة تتضمن ضرورة فحص الحوادث التي تتعارض مع أوامر وقيم الجيش والتحقيق فيها ومعالجتها من قبل القادة"، ولم يعلق البيان على الرسومات الفاضحة.

ومنذ هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما أعقبه من حرب عنيفة في غزة، انصب اهتمام العالم بشكل كبير على القطاع. لكن التوتر تصاعد أيضاً في الضفة الغربية، مع تزايد هجمات المستوطنين الإسرائيليين والعمليات العسكرية التي تقول إسرائيل إنها تستهدف مسلحين فلسطينيين.

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 900 فلسطيني قُتلوا في الضفة الغربية خلال تلك الفترة على يد قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. في غضون ذلك، قُتل أكثر من 60 إسرائيلياً في هجمات نُسبت إلى فلسطينيين أو خلال اشتباكات مسلحة في الضفة الغربية وإسرائيل.

مصدر الصورة

وخلال العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى، تُستخدم المنازل الفلسطينية بشكل متكرر كمواقع عسكرية مؤقتة ومراكز للاستجواب، إذ تبرر قوات الجيش الإسرائيلي ذلك بكونه لدواعي أمنية.

وقال الجيش الإسرائيلي: "من أجل تحديد وتفكيك البُنى التحتية للإرهاب من جذورها، تتلقى قوات الجيش أحياناً تعليمات بالعمل من داخل المنازل في المنطقة لفترات متفاوتة، وذلك وفقاً للاحتياجات العملياتية والظروف الميدانية".

وأضاف الجيش أنه يعمل وفقاً للقانون الدولي الإنساني ويتخذ "إجراءات لتقليل التأثير على المدنيين قدر الإمكان".

وعلى مدار الأسبوعين الأخيرين من شهر يونيو/حزيران الماضي، خلال الحرب بين إسرائيل وإيران، وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) استيلاء جنود إسرائيليين على نحو 267 منزلاً فلسطينياً لفترات تراوحت بين عدة ساعات وعدة أيام. وتشير تقديرات أولية إلى أن أكثر من 1300 شخص تضرروا من ذلك، إذ أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن "معظمهم عادوا إلى منازلهم ليجدوا ممتلكاتهم تعرضت للتخريب".

وفي بداية هذا العام، استولت القوات الإسرائيلية على ممتلكات في ثلاثة مخيمات للاجئين مكتظة بالسكان — جنين، ونور شمس وطولكرم - ووصفتها بأنها "معاقل للإرهاب". واضطر حوالي 40.000 من السكان إلى مغادرة المخيمات، ولم يتمكن حوالي 30.000 منهم من العودة حتى الآن.

من شرفة في أحد الطوابق العليا، يمكنك بسهولة أن تطل من منزل ناصر على مخيم طولكرم للاجئين. ويبدو من هناك وكأنه مدينة أشباح، إذ لا يزال نحو 10,600 من سكانه الأصليين في حالة نزوح. وشقت الجرافات الإسرائيلية طرقا جديدة داخل المخيم، ما أدى إلى تقسيمه إلى مناطق منفصلة.

مصدر الصورة

وتشير تقديرات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أن أكثر من 150 منزلاً هُدمت في طولكرم. وعلى امتداد الضفة الغربية، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه منذ بداية عملية "الجدار الحديدي"، التي أطلقتها إسرائيل في يناير/كانون الثاني وحتى يوليو/تموز الماضيين، صدر أكثر من 1400 أمر هدم لمنازل فلسطينية.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إن الجيش سيبقى في المخيمات الثلاثة للاجئين حتى نهاية العام على الأقل.

وبينما عاد ناصر إلى منزله، يتساءل كيف سيتمكن من ترميمه يوماً ما. وأشار إلى أن الخسائر التي تكبدها جراء ذلك تُقدر بحوالي 700.000 دولار. ورغم أنه يمكنه أن يشكو إلى السلطات الإسرائيلية، إلا أن الأدلة السابقة تشير إلى أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن يحصل على أي تعويض.

مصدر الصورة

وكانت السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية وتعتمد على المساعدات الخارجية، تقدم دعماً مالياً لإصلاح الأضرار الناتجة عن التوغلات العسكرية الإسرائيلية. لكنها الآن تعاني من أزمة مالية حادة، إلى درجة أنها لم تعد قادرة على دفع الرواتب كاملة للموظفين الحكوميين.

وبعد أن فقد متجره وتدمّر مخزونه، أصبح ناصر بلا دخل، ويشعر بالقلق من عدم قدرته على مواصلة دعم ابنه وابنته اللذيْن يدرسان الطب في مصر. وأصبح يناشد المنظمات الدولية لتقديم المساعدة.

ويقول ناصر: "أنا إنسان عادي، رجل أعمال. أحب السلام. لم يكن لدي سلاح في منزلي من قبل. لم تكن لدي مشكلة مع الجيش الإسرائيلي. أريد السلام وأن أعيش بسلام، لكنهم لا يريدون السلام".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا