آخر الأخبار

عملية القدس: هل من ثغرة أمنية استغلها المنفّذون؟ ولماذا تقبع "المدينة المقدسة" في قلب الصراع؟

شارك
مصدر الصورة

قُتل 6 أشخاص وأُصيب 7 آخرون بجراح خطيرة، في عملية إطلاق نار في مدينة القدس الشرقية المحتلة، نفّذها فلسطينيون قدموا من الضفة الغربية المحتلة.

وأعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مسؤوليتها عن عملية إطلاق النار التي وقعت يوم الاثنين، بالقرب من مفترق منطقة راموت بالقرب من القدس.

وجاء في البيان الصادر عن القسام: "تنعي كتائب القسام المجاهدين البطلين الشهيدين مثنى ناجي عمر ومحمد بسام طه، منفذي العملية البطولية قرب مستوطنة راموت، والتي جاءت رداً على جرائم الاحتلال واستمرار عدوانه على شعبنا وأرضنا".

وأضاف البيان: "العملية (..) تؤكد أن مقاومة الاحتلال ستستمر بكل الوسائل، وأن دماء شهدائنا لن تذهب سدى".

وتأتي هذه العملية ضمن سلسلة هجمات متعددة استهدفت مدنيين وعسكريين إسرائيليين، داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية المحتلة وفي مدينة القدس، وهي هجمات ازدادت وتيرتها بعد عام 2015، وذلك على إثر ما أطلق عليه البعض اسم "انتفاضة السكاكين"، في إشارة إلى عمليات الطعن التي نُفذت ضمن موجة من التصعيد ترافقت مع توترات أحاطت بالوضع القائم في المسجد الأقصى.

واتخذت الهجمات في القدس أشكالاً عدة، تراوحت بين عمليات الطعن وإطلاق النار والدهس، ومع كل عملية تُوجّه الأسئلة حول هوية المنفّذين ودوافعهم، وعن الآلية التي وصلوا بها إلى موقع الهجوم، خاصة إذا كان المنفذون من الضفة الغربية المحتلة، فهم بطبيعة الحال لا يستطيعون الوصول إلى مدينة القدس دون الحصول على تصاريح.

فأي أهمية تكتسبها القدس في هذا السياق؟ وكيف يصل منفذو العمليات إلى وجهاتهم؟ وهل يرى الإسرائيليون في استمرار هذه العمليات فشلاً للمنظومة الأمنية؟

مدينة في قلب الصراع

مصدر الصورة

للقدس أهمية رمزية كبيرة في مسار الصراع المستمر منذ عقود في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، وليس خفياً أن الجانب الديني له الحصة الكبرى في تغذية هذه الرمزية، فمدينة القدس تُعد ذات أهمية دينية بالغة لدى المسلمين واليهود والمسيحيين على حدّ سواء.

وفي الجزء الشرقي للمدينة، يقع الحرم القدسي أو المسجد الأقصى كما يسميه المسلمون، أو جبل الهيكل كما يشير إليه اليهود، وهو بالنسبة لأتباع الديانتين يُعد من أقدس الأماكن وأهمها.

بعد قيام دولة إسرائيل، والحرب التي اندلعت على إثر ذلك في عام 1948، سيطر الأردن على ما يُعرف اليوم بالضفة الغربية بما يشمل البلدة القديمة للقدس والشطر الشرقي منها، فيما بسطت إسرائيل سيطرتها على الشطر الغربي.

استمر الوضع على ما هو عليه حتى العام 1967، حين اندلعت الحرب بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، انتهت باحتلال الأخيرة لمرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية، بما في ذلك الشطر الشرقي لمدينة القدس.

في العقود اللاحقة، كان الأقصى خاضعاً لتفاهمات عُرفت باتفاقات الوضع القائم، وهي اتفاقات تعود في جذورها إلى عهد الدولة العثمانية، وأُشير إلى هذه التفاهمات في اتفاقية السلام التي وُقّعت بين الأردن وإسرائيل عام 1994.

سمحت تلك التفاهمات بتولي دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية إدارة الأماكن المقدسة وخاصة باحات المسجد الأقصى.

واقتصر الدخول والصلاة في باحات الأقصى على المسلمين حصراً، فيما سُمح لليهود بأداء صلاتهم في منطقة الحائط الغربي عند الحدود الخارجية للحرم، أو الدخول إلى باحات المسجد كسائحين.

وليس أكثر دلالة على أهمية المسجد الأقصى في الصراع القائم ما حصل في عام 2000، حين اندلعت ما عُرفت بالانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي أعقبت دخول أرئيل شارون، زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، المسجد الأقصى، وتجوله في ساحاته ضمن زيارة اعتبرها الفلسطينيون استفزازية.

أعقب تلك الزيارة اندلاع "الانتفاضة الثانية"، وشنّ إسرائيل عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "السور الواقي" شملت كامل الأراضي الفلسطينية، وترافقت مع عمليات نفذتها الفصائل الفلسطينية في عدة مدن ومستوطنات إسرائيلية.

بعد عام 2003، بدأت إسرائيل بقرار من حكومتها بالسماح بزيارات يهودية لباحات المسجد، وبدأت الباحات تشهد دخول جماعات يهودية بحماية الشرطة الإسرائيلية.

وأصبحت الشرطة الإسرائيلية على مدار السنوات تتدخل في قرارات إغلاق وفتح أبواب الحرم وفرض القيود خلال فترات التوتر.

تقع باحات المسجد الأقصى داخل أسوار البلدة القديمة في القدس الشرقية، والتي تُعتبر بحسب القانون الدولي، منطقة محتلة من قبل إسرائيل، على غرار الضفة الغربية.

ويطالب الفلسطينيون والدول الداعمة لهم بدولة على حدود عام 1967، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وفي اتفاقية أوسلو التي وُقعت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، وكان من المفترض أن تكون إطاراً للسلام النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، أُجّل التفاوض بشأن القدس إلى مرحلة لاحقة، وصُنفت ضمن "قضايا الحل النهائي".

وتُطرح كثيراً في إسرائيل فكرة "القدس الموحدة"، إذ إن المدينة وُحّدت إدارياً بعد احتلال إسرائيل لشطرها الشرقي عام 1967، ومرر الكنيست سنة 1980 قانون "القدس عاصمة إسرائيل"، والذي أقر بأن القدس هي عاصمة دولة إسرائيل ومقر مؤسسات الحكم.

وتنظر العديد من الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية بعين الريبة بشأن النوايا الإسرائيلية تجاه الأماكن المقدسة في القدس وخاصة المسجد الأقصى، إذ يتهمون إسرائيل بمحاولة "تهويد" هذه الأماكن وتغيير هويتها الدينية، كما تُساق اتهامات أخرى بشأن مخططات إسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً ومحاولة تغيير الوضع القائم فيه.

هجمات دامية

مصدر الصورة

شهدت القدس العديد من الهجمات التي أوقعت قتلى ومصابين طوال السنوات الماضية، وعادة ما كانت ترتبط تلك الهجمات بفترات من التوتر والتصعيد في سياق الصراع الطويل المستمر.

وشهد منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تصعيداً في المسجد الأقصى، تخللته مواجهات داخل باحاته بين الشرطة الإسرائيلية ومجموعات من الفلسطينيين الذين كان يُشار إليهم بـ "المرابطين".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، أقدم شاب فلسطيني من الضفة الغربية على طعن عدد من الإسرائيليين عند باب الأسباط "المعروف أيضاً بباب الأسود" في البلدة القديمة للقدس، ما أدّى إلى مقتل شخصين، واعتبر كثيرون هذه الحادثة على أنها بداية موجة العمليات التي رافقت ما سُمي بـ "انتفاضة السكاكين".

وفي نهاية العام نفسه، قُتل إسرائيليان في عملية طعن نفذها فلسطينيان في القدس.

وفي بداية عام 2017، نفّذ أحد سكّان القدس الشرقية عملية دهس باستخدام شاحنة استهدفت تجمعاً لجنود إسرائيليين في القدس، ما أدّى إلى مقتل 4 منهم.

وفي يوليو/تموز 2017، أطلق ثلاثة شبّان فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية النار على أفراد أمن إسرائيليين قرب باب الأسباط، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قُتل إسرائيلي وأُصيب أربعة آخرون بعد أن أطلق مسلح فلسطيني النار عليهم في القدس.

كانت القدس، وخاصة مسألة المسجد الأقصى، على رأس الأسباب التي وضعها الناطق باسم الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، وراء إقدام الحركة على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي قامت على إثره الحرب في غزة، وذلك في خطابه الذي أعقب الهجوم بأيام.

وأطلقت حماس على الهجوم اسم "طوفان الأقصى"، في دلالة على ذلك. واستمرت العمليات في القدس مع استمرار الحرب الطاحنة في القطاع.

وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قُتل 3 إسرائيليين في إطلاق نار بالقدس الغربية، وتبنت حركة حماس تلك العملية.

وفي شباط/فبراير 2024، قُتل إسرائيلي وأصيب عشرة آخرون في إطلاق نار عند الطريق الرابط بين القدس ومستوطنة معالي أدوميم، في هجوم نفذه ثلاثة مسلحين فلسطينيين استهدف نقطة تفتيش في المنطقة.

وفي نهاية عام 2024، قُتل فتى إسرائيلي وأصيب ثلاثة آخرون إثر إطلاق نار استهدف حافلة عند نقطة تفتيش جنوبي القدس.

وأعلنت السلطات الإسرائيلية في أكثر من مناسبة إحباط هجمات أخرى، كان أبرزها اعتقال أب وابنه من سكّان القدس الشرقية، قالت الشرطة إنهما خططا لزرع متفجرات عند نقطة تفتيش شمالي القدس.

"ثغرات أمنية"

مصدر الصورة

في أعقاب هجوم القدس يوم الإثنين، قال موقع "واي نت" الإسرائيلي، إن تحقيقاً أولياً في الهجوم أفاد بأن المنفّذَين اللذين قدما من منطقة قريبة من رام الله، دخلا إسرائيل بطريقة غير قانونية عبر ثغرة في الجدار الأمني الفاصل بين الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، مع ترجيح أن يكونا قد دخلا من المناطق الواقعة إلى الشمال من القدس.

ونقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية ألقت القبض على أحد سكّان القدس الشرقية لتورطه في تهريب منفذَي العملية بسيارته إلى موقع الهجوم.

وخلال زيارته موقع الهجوم، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الأجهزة الأمنية "أحبطت مئات الهجمات هذا العام، لكن ذلك لم يحدث للأسف هذا الصباح".

ورغم أن التفاصيل بشأن كيفية وصول المنفذين إلى موقع الهجوم لم تتكشف بشكل كامل بعد، إلا أن الإشارات الأولية تدل على أن المنفذين دخلا إسرائيل عبر ثغرة في الجدار الأمني الفاصل.

وفي عدد من العمليات السابقة في القدس ومناطق أخرى داخل إسرائيل، كان المنفذون من الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية أو المقيمين في القدس الشرقية، ممن يسهل عليهم الوصول إلى مواقع الهجمات.

لكن في حالات أخرى، قدم المنفذون من مناطق في الضفة الغربية المحتلة، ما ألقى الضوء على مسألة الثغرات في الجدار الفاصل.

ويعبر الكثير من الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى إسرائيل بطرق غير قانونية لغايات العمل، وذلك عبر تسلق الجدار الأمني أو من خلال فجوات فيه، وتزايدت هذه الظاهرة خاصة مع تشديد القيود المفروضة على دخولهم إلى إسرائيل في أعقاب اندلاع الحرب في غزة، وتزايد حدة الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية.

ووفقاً لتقرير أعدته صحيفة تايمز أوف إسرائيل نهاية عام 2024، فإن هؤلاء الفلسطينيين يخاطرون بحياتهم سعياً وراء لقمة العيش، أو يخاطرون بتعرضهم للاعتقال داخل إسرائيل.

لكن هناك من يشير إلى الخطورة التي يشكلها وجود هذه الثغرات في الجدار الأمني الفاصل الذي شرعت إسرائيل في إقامته سنة 2002، ففي بداية سبتمبر/أيلول الجاري، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها اعتقلت شخصاً مشبوهاً خطط لتنفيذ هجوم في مدينة القدس، وأشارت إلى أن ذلك الشخص قدم من الضفة الغربية ودخل إسرائيل بطرق غير قانونية.

ونقلت صحيفة جيروزالم بوست في يوليو/تموز الماضي عن مسؤول أمني قوله، إن هناك ثغرات عديدة على طول الجدار الأمني، إذ لا يغطي الجدار خطوط التماس بأكملها.

كما أشار المسؤول الأمني إلى أنه لا وجود لعدد كافٍ من الجنود الإسرائيليين لتأمين الجدار أو منع تسلل الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل.

وأضافت الصحيفة نقلاً عن المسؤول أن المعابر المقامة على طول الجدار تُعد نقاط ضعف بحد ذاتها، إذ لا توجد بنية تحتية أو عدد كافٍ من الأشخاص للقيام بعمليات تفتيش فعّالة.

وقدّر المسؤول الأمني بأن إسرائيل بحاجة إلى مليارات من الدولارات لسد هذه الثغرات وتوفير عمليات تفتيش أمنية مناسبة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا