كييف- لم تعد مشاركة متطوعين وجنود أجانب قدامى إلى جانب الأوكرانيين في حربهم مع روسيا خبرا جديدا، فالكل يعلم أنهم موجودون منذ سنين ضمن وحدات خاصة بهم، وأخرى ضمن تشكيلات الجيش الأوكراني.
بل إن أوكرانيا تشجع على ذلك التطوع وتدعمه، وتقدر ذكرى الأجانب الذين سقطوا دفاعا عن أراضيها، وعلى هذا تشهد أعلام فرنسية ودانماركية وبولندية وبيلاروسية وإستونية وليتوانية وبريطانية وكذلك أميركية وتركية وأذربيجانية وجورجية وغيرها، ضمن ما يسمى "ركن الأبطال" في ميدان الاستقلال وسط العاصمة كييف.
لكن مشاركة قوات نظامية غربية بصورة رسمية إلى جانب القوات الأوكرانية سابقة لم تحدث من قبل، بل لعل فيها فارقة تاريخية، إذ تأتي هذه القوات لدحر القوات الروسية عن أوكرانيا هذه المرة، وبمباركة كييف، التي وقفت يوما ما إلى جانب موسكو صفا واحدا لدحر قوات ألمانيا النازية قبل عقود.
الواقع يقول بوجود حماسة أوكرانية غربية لإرسال قوات تؤازر كييف في حربها المفتوحة مع روسيا التي دخلت عامها الرابع، وقد تردد في كثير من الأصداء أن قوامها يصل إلى 30 ألف جندي، في إطار ما يسمى " تحالف الراغبين "، أو تحالف "العزم" و"الحزم"، كما يصفه -أحيانا- الأوكرانيون.
يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الخطط جاهزة، وتنتظر الموافقات السياسية و"إحلال السلام" لتدخل حيز التنفيذ، حيث إن هنالك 26 دولة مستعدة لإرسال قوات "سلام" أو تمويلها.
وعلق على ذلك مستشار لجنة الدفاع في البرلمان الأوكراني يوري فيدورينكو في حديث مع الجزيرة نت، قائلا إن "الأرقام تقريبية وغير دقيقة، فهي لم تخرج للعلن، بعض الدول تعارض إرسال قوات مثل بولندا وإيطاليا، وبعضها ينتظر قرارا برلمانيا كألمانيا، بينما بعض الدول متحمسة ك بريطانيا و فرنسا ، التي تقود جهود الراغبين كما نرى".
ورغم أن نشر هذه القوات ينتظر الوصول إلى اتفاق سلام أو وقف إطلاق النار ، كما يقول ماكرون، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يرى أن "ضمانات الأمان التي وعدت بها دول الراغبين يجب أن تبدأ فورا، دون انتظار نهاية العمليات القتالية".
وتوضح الكاتبة في الشأن العسكري أوليانا بيزبالكو للجزيرة نت أن "تحالف الراغبين ليس موجها فقط لجمع القوات وإرسالها، بل لجمع تبرعات وفرض عقوبات وتنفيذ مهام إنسانية".
وتابعت بأن "القوات المنشودة لن تكون قوات حفظ سلام كما يقول ماكرون، فهي لن تكون تحت غطاء أممي، وستأتي بعد وقف القتال على الأرجح، بغض النظر عن رغبة زيلينسكي الذي يستعجل الأمر".
وتضيف في الإطار ذاته، أنها "قد تكون على شكل قوات بشرية من 10 دول أبدت استعدادا مبدئيا، أو على شكل آليات ومعدات أو خدمات لوجستية، بحسب الدول المشاركة، وستكون مجهزة لتكون قادرة على تنفيذ مهام دفاعية حصرا، فالأعداد المعلنة لا تسمح بغير ذلك أصلا".
وهكذا، تتشكل صور أولوية ترسم هذه القوات كحائط صد، أو درع يحمي مواقع دون غيرها في أوكرانيا، وعلى هذا يتفق كثير من المراقبين.
يقول إيفان ستوباك الخبير العسكري في المعهد الأوكراني للمستقبل، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني "بناء على تصريحات وتلميحات سابقة، يمكن أن تلعب تركيا دورا في ضمان أمن المياه الإقليمية لأوكرانيا على البحر، فهي دولة جارة معنية بهذا أكثر من غيرها".
وتابع، في حديثه للجزيرة نت، "تركز بريطانيا وفرنسا على الأرض، بنشر قوات حول مدينة أوديسا وغيرها، كما تردد سابقا؛ بينما ستكون وحدات متعددة الجنسيات مسؤولة عن سلامة الأجواء، وأوكرانيا تطمع إلى دور أميركي في ذلك".
ومن وجهة نظر ستوباك، فإن روسيا "في رابع سنوات الحرب، لم تعد في أحسن وأقوى حالاتها، وإذا نشرت مثل هذه القوات في أوكرانيا، ستسهم في حماية المواقع الخلفية، وبالتالي تتعزز قدرة الجيش الأوكراني على تدعيم قواته في الخطوط الأمامية".
وتابع ستوباك "إذا تعرضت تلك القوات لسوء -بشكل أو بآخر- بعد وقف إطلاق النار، فموسكو تدرك أنها ستكون في مواجهة متعددة الأوجه ومفتوحة على كل الاحتمالات مع كامل التحالف؛ ولهذا نرى أنها تعارض الأمر بشدة وحدة قبل بدايته".
ومن وجهة نظر مراقبين أوكرانيين، فإن المنفعة الغربية هنا لا تقل أهمية، فكثير من الدول تنظر أيضا إلى أوكرانيا كدرع وحائط صد وأرض خصبة بما تملكه من قدرات وخبرة.
يقول أوليكسي ميلنيك، مدير قسم السياسة الخارجية والأمن الدولي في مركز "رازومكوف" للدراسات، للجزيرة نت "أعتقد أن زيلينسكي رسم صورة المشهد النهائي المتوقع، وهو مشهد يشبه النموذج الكوري الجنوبي، الذي يمنح إمكانية الاستقرار والازدهار، ويمنح دول الغرب إمكانية التمركز طويلا".
ويضيف "لا أستبعد حينها حتى أن تصبح أوكرانيا مركزا لوجستيا للردع الغربي، وأن تضم أراضيها قواعد عسكرية تابعة للغرب، فموقع أوكرانيا مثالي للردع، وأرضنا خصبة بالتجارب والخبرات العملية".
ويرى ميلنيك أن "دخول هذه القوات سيشكل منعطفا كبيرا في مسار الحرب لصالح أوكرانيا دون شك، لكنه يبقى مرهونا بحجم تلك القوات وبرد الفعل الروسي عليها قريبا، سواء بالتصعيد أو الجنوح للسلام".
يقول "دعونا لا ننسى أن فكرة ماكرون لنشر هذه القوات ظهرت قبل عام ونصف العام، وبعد أن وصفت بالرائعة وضعت جانبا عدة شهور قبل أن تفعّل من جديد، كل شيء يبقى نظريا حتى يتحقق، وكل شيء حولنا يعتمد على التطورات، وعلى موقف الولايات المتحدة المتقلب تجاه هذه الحرب في ظل إدارة ترامب".