في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي نفذته حركة حماس في غلاف غزة، سعى قادة إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى خلق سردية ضد الحركة كمنطلق سياسي لتبرير العدوان على قطاع غزة والمحافظة على استمراره.
واتخذت الرواية الإسرائيلية أشكالا عدة، بدءا من اتهام الحركة بقتل المدنيين وقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، مرورا بأنها تستخدم المدنيين دروعا بشرية تحت المستشفيات وفي المدارس كمقرات قيادة وسيطرة، وصولا إلى ادعاء أنها تسرق المساعدات وتختلق أزمة مجاعة.
عمَد الخطاب الإسرائيلي إلى تشبيه هجوم " طوفان الأقصى " بالمحرقة التي ارتكبها النظام النازي بقيادة هتلر بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية .
View this post on Instagram
وفي أول ظهور رسمي له بعد العملية قال نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – إن "حماس ارتكبت المجزرة الأكثر دموية على اليهود منذ الهولوكوست، ورأينا مجازر لم نشهد مثلها منذ أيام النازية ".
وحاول نتنياهو في خطابه توظيف مصطلحات مثل "أسوأ مجزرة منذ الهولوكست" واستدعاء هذه الذكرى المأساوية في الوعي الجمعي الإسرائيلي ليقول إن ما حدث في 7 أكتوبر ليس مجرد هجوم مسلح، بل هو تهديد وجودي يعيد إلى الأذهان لحظة إبادة اليهود.
لم يكن نتنياهو الوحيد الذي وظف هذا الحدث في الخطاب السياسي، بل كان ذلك سمة ملازمة لجميع خطابات قادة الاحتلال، فهذا وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت يقول في مؤتمر صحفي عقب تشكيل حكومة الطوارئ، "إن هجوم حماس، هو أسوأ هجوم إرهابي شهده الشعب اليهودي منذ أهوال الحرب العالمية الثانية عام 1945″.
ووظف غالانت هذا الحدث وقتها لتحقيق لحمة إسرائيلية داخلية خاصة بعد انقسامات حادة ولشحن المجتمع اليهودي بالخوف مما سماه "التهديد الوجودي" الذي يهدد إسرائيل.
ولبناء سردية أخلاقية تسوّغ الحرب على قطاع غزة كان من الملاحظ أن الخطاب الإسرائيلي حرص على الحديث المتكرر عن ارتكاب حماس "فظائع وقتل مدنيين وحرق جثث واغتصاب نساء".
ورغم أن المؤسسات الدولية قالت إنه لا يوجد أي دليل يؤكد صحة الادعاءات الإسرائيلية إلا أن خطاب المسؤولين والناطقين الإسرائيليين لم يتوقف عن تكرار أن حماس ارتكبت عمليات قتل ضد عائلات بأكملها وقطعت رؤوس جنود ومدنيين.
وهناك العديد من التصريحات التي تشير إلى ذلك، من بينها قول الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ في منتدى دافوس في يناير/كانون الثاني 2024، إن الإسرائيليين عانوا من "مجازر وحشية" شملت اغتصابا، وقطع رؤوس، وحرق عائلات خلال هجوم 7 أكتوبر ".
وقال نتنياهو في اتصال مع الرئيس الأميركي جو بايدن بعد الهجوم بأيام "لقد أخذوا أطفالا، وقيّدوهم، وأحرقوهم، ثم أعدموهم."
وحظي هذا الادعاء بانتشار كبير وردده الرئيس الأميركي وقتها، قال إنه "شاهد صور أطفال إسرائيليين ذبحتهم حماس"، لكن البيت الأبيض نفى لاحقا مشاهدة بايدن للصور بنفسه، مؤكدا أنه سمع عنها فقط من نتنياهو.
وواصل نتنياهو تكرار الاتهامات نفسها للحركة في أغلب خطاباته بأنها "قتلت عائلات بأكملها، وقتلت أطفالا أمام آبائهم، وقطعت رؤوس الجنود والمدنيين، ونكلت بجثث الضحايا، ومارس مقاتلوها الاغتصاب الجماعي خصوصا ضد النساء في مهرجان نوفا الموسيقي".
كرر المسؤولون الإسرائيليون في خطاباتهم الحديث عن أن حركة حماس تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل، ولم يكن ذلك مجرد توصيف فقط، بل كان خطابا وراءه أهداف، منها تكريس فكرة أن حماس ليست "حركة مقاومة وتحرير" بل هي خطر وجودي يجب استئصاله.
ولذلك ربط وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ، بين وجود إسرائيل والنصر العسكري التام في غزة، وطالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بضرورة حسم المعركة مع حماس واحتلال قطاع غزة بأكمله وتشجيع هجرة الفلسطينيين منه.
وبعد أيام وصف نتنياهو أن القضاء على حماس هو بمثابة "اختبار وجودي لإسرائيل"، وكذلك قال زعيم حزب العمل ميراف ميخائيلي إن "حماس تهديد وجودي ويجب القضاء عليها".
وتقوم المقاربة الخطابية الإسرائيلية هنا على تضخيم الخطر من أجل تبرير الرد العسكري وكسب التعاطف الدولي.
من الادعاءات أيضا التي لا يزال الخطاب الإسرائيلي يصر على استخدامها خلال هذه الحرب هو وصف حماس بأنها صورة أخرى لتنظيم الدولة الإسلامية ، في مسعى لتجريمها وشيطنتها دوليا، وخلق رد فعل دولي داعم لإسرائيل.
ومن ذلك، قول المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي السابق، دانيال هاغاري إن "خطف النساء أمر مشترك بين حركة حماس وداعش وإن على العالم العربي أن يرى حماس كداعش".
ففي منظور الخطاب الإسرائيلي أن تنظيم الدولة يرتبط بالوعي العالمي بالإرهاب الوحشي.
كما ربط نتنياهو بين حماس وتنظيم الدولة، وقال إن "حماس هي داعش، والفظائع التي ارتكبتها توازي ما فعلته داعش، بل أسوأ"، مشيرا إلى أن "حماس هي الوجه الفلسطيني لداعش، إنها تمثل نفس العقيدة، نفس البربرية، ونفس الحقد ضد الحضارة".
ولم يتوقف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي بصفحته في موقع "إكس"، على إطلاق ذلك الوصف بأن "حماس وداعش وجهان لعملة واحدة"؛ فمثلا أشار في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى أن "حماس مارست كل أنواع الجرائم مثل داعش تماما".
وعلى غرار تنظيم الدولة كانت إيران إحدى القوى التي سعت إسرائيل إلى توظيف علاقاتها مع حماس في الخطاب الإعلامي والسياسي، وهذا الربط ليس تفصيلا عابرا، بل هو عنصر إستراتيجي يخدم توجهات إسرائيل الإقليمية.
وركز خطاب إسرائيل على استخدام مصطلح أن "إيران محور الشر في الشرق الأ و سط وحماس جزء من هذا المحور".
وفي هذا الصدد يقول وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر في مقابلة على قناة بلومبيرغ التلفزيونية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "إيران هي وراء حماس. 93 % من ميزانيتها العسكرية تأتي من إيران، وهي تدعمها ماليا وتقنيا وسياسيا".
ويشير وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في 6 أبريل/نيسان 2025 -استنادا إلى وثيقة أمنية عثر عليها داخل نفق بغزة- إلى أن "حماس طلبت من فيلق القدس التابع للحرس الثوري مبلغ 500 مليون دولار لتمويل هجوم 7 أكتوبر".
وخلال مؤتمر صحفي قال نتنياهو "بدون إيران، لا توجد حماس. هذه منظومة شر موحدة تواجهنا".
ومن ركائز السردية الإسرائيلية خلال الحرب أيضا سعي الوزراء والناطقين في الحكومة الإسرائيلية إلى اتهام حماس بأنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية.
وهنا تجدر الإشارة إلى العمليات العسكرية التي خاضها الجيش الإسرائيلي ضد مستشفيات القطاع، وما سبقها من خطاب إعلامي تحريضي ضدها؛ حيث قال المتحدث العسكري السابق باسم الجيش دانيال هاغاري في إيجاز صحفي قبل اقتحام مجمع الشفاء الطبي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، "حماس حولت المستشفيات إلى مراكز قيادة وسيطرة ومخابئ لمسلحيهم وقادتهم".
وتم توظيف هذا الادعاء دوليا، إذ قالت مندوبة إسرائيل لدى منظمة الصحة العالمية السفيرة ميراف إيلون شاحار في ديسمبر/كانون الأول 2023: "في كل مستشفى جرى تفتيشه في غزة، وجدنا أدلة على الاستخدام العسكري من قبل حماس التي تستخدم المستشفيات والمنازل كدروع بشرية".
بل ذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك حيث نشر الجيش الإسرائيلي صورا ادعى فيها عثوره على نفق أسفل مجمع الشفاء الطبي بعد اقتحامه، إلا أن وسائل إعلام غربية ومؤسسات دولية شككت في الرواية الإسرائيلية وقالت إن الجيش لم يقدم أدلة كافية حول ذلك.
وكرر الجيش نفس السردية عند سيطرته على مستشفى الرنتيسي للأطفال والمستشفى الأوروبي جنوبي القطاع.
واستخدمت قوات الاحتلال هذا الخطاب من أجل إخلاء المسؤولية القانونية عن أي عمليات قتل مدنيين؛ ومن ثم التأسيس لسردية مفادها "نحن لا نستهدف المدنيين.. حماس هي من تستخدمهم دروعا بشرية".
ورغم أن المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أكدت أن إسرائيل تبالغ أو تستخدم هذه الادعاءات لتبرير أفعالها إلا أن الاحتلال استمر في تكرار هذه الاتهامات لحماس، ومن ذلك قول كاتس إن "حماس استخدمت سكان غزة كدروع بشرية" ودعاهم للثورة عليها.
سعى الخطاب الإسرائيلي إلى الإشارة بأن حماس عرقلت عمليات إخلاء المدنيين في غزة. وبالتزامن مع إعلان الجيش بدء عملية في شمال غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أشار المتحدث العسكري دانيال هاغاري إلى أن حماس أصدرت تعليمات للمدنيين بالبقاء كدروع بشرية لصالح البنى التحتية العسكرية.
واستند الجيش في ادعائه هذا إلى تسجيل صوتي يظهر مكالمة بين ضابط إسرائيلي ومواطن من غزة يقول فيها إن "حماس تمنعهم من مغادرة مناطق الشمال".
وقال بيان صادر عن مكتب نتنياهو في اليوم نفسه، إن "حماس طلبت من الناس البقاء في أماكنهم ومنعتهم من الإخلاء رغم تحذيراتنا المتكررة. هذا يدل على استخفافها بأرواح المدنيين".
عمدت إسرائيل إلى اتهامات بأن "حركة حماس تسرق المساعدات الإنسانية" في أكثر من مناسبة، سواء في بيانات رسمية أو خطابات إعلامية، لكن التحقيقات والجهات الدولية عدّتها غير مثبتة أو مفتقرة لأدلة ملموسة.
ويمكن رصد المحتوى الإسرائيلي الرسمي الذي يشير إلى ذلك، فقد قال نتنياهو إن حكومته قررت إلقاء المساعدات الغذائية جوا فوق قطاع غزة، لأن "حماس تسرق المساعدات التي تمر عبر المعابر البرية"، كما قال وزير دفاعه إن حماس تسرق الوقود والإمدادات الطبية من وكالة أونروا .
وحرص الخطاب الإسرائيلي على اتهام حماس بأنها تسرق المساعدات الإنسانية؛ في مسعى لتقويض الدور الإنساني بغزة، لأنه في سياق الحرب يُعتبر أي تدفق للمساعدات نقطة ضغط على إسرائيل.
كما شدد الخطاب الإسرائيلي على القول إن حماس هي من "تفتعل أزمة المجاعة في غزة "، وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي في 8 أغسطس/آب الجاري إنه "لا توجد مجاعة في غزة"، واتهم حماس بأن ما تنشره هو محض "أكاذيب"