يُعد الأول من أغسطس/ آب الجاري، بداية مرحلة مهمة للبنان ولحزب الله، حيث طالب المبعوث الأميركي توماس باراك الدولة اللبنانية رسميا في زيارته الأولى لبيروت 19 من يونيو/ حزيران الماضي- أثناء الحرب الإسرائيلية على إيران- بوضعها خطة لنزع سلاح حزب الله خلال أربعة أشهر تبدأ مع الأول من أغسطس/ آب الجاري، وتنتهي مع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
في هذا السياق، من المرتقب أن تعقد الحكومة اللبنانية جلسة خاصة للنظر في هذا الموضوع، في ظل انقسام داخلي أو تباين في المواقف.
الرئيس جوزيف عون، في كلمة له نهاية يوليو/ تموز الماضي، أكد على "حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية"، وأضاف: "على الأحزاب السياسية اللبنانية اغتنام الفرصة وتسليم أسلحتها عاجلا وليس آجلا"، وأن بلاده ستسعى "للحصول على مليار دولار سنويا لمدة 10 سنوات لدعم الجيش وقوات الأمن في لبنان".
كما أشار في كلمته إلى أن الجيش اللبناني "تمكن من بسط سلطته على جنوب الليطاني (ما عدا المناطق التي تحتلها إسرائيل) وجَمْع السلاح وتدمير ما لا يمكن استخدامه منه".
في هذا التصريح للرئيس عون عدة إشارات مهمة:
في المقابل، حدد حزب الله موقفه، في 30 يوليو/ تموز، على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بقوله في كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال رئيس هيئة أركان الحزب فؤاد شُكُر بضربة إسرائيلية؛ إن "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي".
كما اتهم الشيخ نعيم قاسم المبعوث الأميركي باراك بممارسة "التهديد لمساعدة إسرائيل"، وأن "الخطر الداهم هو العدوان الإسرائيلي"، مطالبا "بإيقاف العدوان، وليس تسليم السلاح لإسرائيل"، معتبرا بقاء إسرائيل في النقاط الخمس المحتلة جنوب لبنان "مقدمة للتوسع، وليست نقاطا من أجل المساومة ولا التفاوض عليها".
بهذا الإعلان، حسم حزب الله موقفه برفض تسليم سلاحه وفق الشروط الأميركية الإسرائيلية الجديدة، مع الإشارة إلى أن الحزب كان قد أجرى في جولات متعددة سابقة حوارات مع الرئاسة اللبنانية، وناقش فيها ما يُسمى "الإستراتيجية الدفاعية" للبنان، والتي تقتضي "ضم" قوات المقاومة مع الجيش اللبناني بصيغة توافقية بين الطرفين، شرط أن تفي إسرائيل بالتزاماتها؛ أي انسحابها من النقاط الخمس المحتلة، وبإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وبوقف عدوانها على الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل.
اتسمت الحوارات الثنائية بين الرئاسة اللبنانية والحزب بالإيجابية، استنادا إلى قناعة كل الأطراف، أن الحوار الداخلي بعيدا عن الضغوط الخارجية، هو الطريق الأوحد لتقريب وجهات النظر، بعيدا عن فكرة استخدام القوة التي تعني جر لبنان للاقتتال والحرب الأهلية التي لا يسعى إليها أي طرف في ظل التركيبة الطائفية، وموازين القوى الداخلية.
الضغط الأميركي الأخير والتهديد بلسانٍ إسرائيلي، عكرا عمليا أجواء الحوار بين الرئاسة والحزب، وانعكسا سلبا على آخر لقاء مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" البرلمانية، حيث وصل الحوار إلى طريق مسدود برفض رئيس الكتلة السيد محمد رعد مقترح الرئاسة بتسليم الحزب أسلحته الإستراتيجية أو الثقيلة بالتدريج أو على مراحل.
حزب الله يعتقد أن إسرائيل لن تتراجع عن سياساتها العدوانية، ولن تنسحب من جنوب لبنان في حال سلم سلاحه، لعدة أسباب أهمها:
الأنظار تتجه الآن نحو مخرجات اجتماع الحكومة اللبنانية المخصص للنظر في قضية نزع سلاح حزب الله استجابة للمطالب الأميركية الإسرائيلية.
الحكومة تواجه خيارات محدودة، في ظل استمرار الضغط الأميركي الذي يتسم بالعجلة، وفقا لطبيعة الرئيس ترامب ورغبته بحسم كل شيء خلال ساعات أو أيام، ما يزيد المشهد تعقيدا في بلد كلبنان، يتداخل فيه المحلي بالإقليمي بالدولي، وعلى تماس مع أعقد قضية في الشرق الأوسط، ألا وهي القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، يبدو أن الحكومة اللبنانية محكومة بخيارات محدودة، منها:
هذا الواقع المعقد، يضع لبنان بين فرضيتَي الاقتتال الداخلي أو استئناف إسرائيل عدوانها المفتوح على لبنان وضد حزب الله، وفق تهديدات المبعوث الأميركي توماس باراك الذي يتابع الملف بشكل حثيث.
ملف نزع سلاح حزب الله هو أحد الملفات الساخنة التي تسعى إسرائيل لتسويتها في المنطقة، بالتوازي مع ملف حماس، والعلاقة مع سوريا الجديدة، وإيران التي لا يبدو أنها معنية حتى اللحظة بتغيير إستراتيجيتها الدفاعية وعلاقاتها الخارجية، التي تُشكل تحديا لنظرية إعادة رسم الشرق الأوسط وفقا للمعايير الأميركية الإسرائيلية.
الأيام والأسابيع القادمة ربما تحمل مفاجآت ذات بُعد أمني وعسكري، وقد تفتح الباب مجددا على مواجهة مباشرة مع حزب الله، في ظل تماهٍ كبير في الأهداف الإستراتيجية بين الإدارة الأميركية وإسرائيل.
واشنطن تسعى جاهدة لتحويل إسرائيل إلى عقد ناظم في الشرق الأوسط، لتتكئ عليها في قيادة المنطقة استنادا إلى "الاتفاقيات الأبراهامية" التطبيعية، لتتفرغ بدورها لمواجهة الصين وإصرار الرئيس بوتين على تحقيق أهدافه في أوكرانيا، ما قد يدفع بواشنطن للتعجيل بتسوية وحسم العديد من الملفات في الشرق الأوسط، ومنها سلاح حزب الله في لبنان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.