في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في 24 يوليو/تموز الماضي (2025) اندلعت جولة هي الأعنف في تاريخ صراع حدودي وثقافي وديني "خامل نسبيا" بين دولتين آسيويتين لا ينال عادة نصيبا وافرا من الضوء. وأسفرت الجولة الحالية من الاشتباكات بين تايلند وكمبوديا عن مقتل ما لا يقل عن 43 شخصا معظمهم من المدنيين، وإصابة العشرات فضلا عن نزوح ما لا يقل عن 350 ألف شخص من منازلهم.
وجاءت هذه الجولة الدامية بعد أسابيع من تبادل وجيز لإطلاق النار بين جنود تايلنديين وكمبوديين على الحدود المتنازع عليها بين البلدين في 28 مايو/أيار مما أسفر عن مقتل جندي كمبودي.
وبعد 5 أيام من الاشتباكات الدامية توصل الطرفان إلى اتفاق وقف إطلاق نار غير مشروط بعد ما التقى رئيس الوزراء التايلندي بالإنابة فومثام ويتشاياتشاي مع رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت في العاصمة الإدارية الماليزية بوتراجايا وتصافحا بحضرة رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الرئيس الحالي لرابطة دول جنوب شرق آسيا.
جاء الاتفاق إثر ضغوط من الصين والولايات المتحدة بعدما هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب البلدين بأن استمرار قتالهما سيعني تعريض اتفاقياتهما التجارية مع الولايات المتحدة للخطر، مشترطا وقف إطلاق النار لإجراء مزيد من المفاوضات لخفض الرسوم الجمركية الوشيكة على واردات البلدين إلى أميركا؛ وتواجه الدولتان رسوما جمركية بنسبة 36% على وارداتهما إلى الولايات المتحدة بدءا من مطلع أغسطس/آب الحالي.
تمتلك كل من الدولتين روايتها الخاصة حول من أطلق الرصاصة الأولى في الصراع الذي شهد استخدام أسلحة ثقيلة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة وحتى القوات البحرية. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، تقول الرواية التايلندية إن كمبوديا هي من بدأت بإطلاق صواريخ على 4 مقاطعات مدنية في تايلند، وهو ما دفع تايلند للرد بإرسال طائرات "إف – 16" لضرب أهداف كمبودية.
في المقابل تقول الرواية الكمبودية إن تايلند هي من بدأت بإطلاق النار على قوات كمبودية عند معبد براسات تا موين ثوم الذي تدعي كل دولة منهما أن لها الحق في ملكيته، ومن ثم اضطرت القوات الكمبودية أن ترد على إطلاق النار التايلندي بعد 15 دقيقة من بدء النزاع.
هذا الخلاف حول المتسبب بالصراع سرعان ما عرّض وقف إطلاق النار الهش لاختبار مبكر، حيث وجهت تايلند اتهاما لجارتها كمبوديا بانتهاك الهدنة وشن هجوم بالقنابل اليدوية على عدد من العسكريين التايلنديين في مقاطعة سيساكيت بشرق البلاد.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لا يزال وقف إطلاق النار صامدا ولم ينهر رغم أن جذوة الأزمة لم تنطفئ بعد. هذه الأزمة لا تخلو للمفارقة من بعد ديني واضح رغم أن كلا البلدان يتبعان الديانة البوذية بل وينتميان إلى نفس المدرسة داخل البوذية وهي البوذية التيرافادية (Theravāda) أو مذهب الأقدمين.
وفي كمبوديا تُعد البوذية هي الدين الرسمي للدولة بموجب الدستور كما أن 95% تقريبا من سكان البلدان من البوذيين الترافاديين وهي نفس النسبة تقريبا في تايلند التي يعترف دستورها بدور البوذية في تشكيل الهوية الوطنية للدولة رغم أنه لا يعرِّفها كدين رسمي للدولة.
المفارقة الكبرى هي أن البوذية طالما اشتهرت بحضها على السلام ورفض كافة أشكال التطرف والعصبية القومية وهو ما يجعل نشوب صراع دموي بين بلدين يعتبران نفسيهما حاميين للقيم البوذية أمرا مثيرا للانتباه وبخاصة أن التيارات القومية المغذية لروح الصراع في كل منهما تزعم استنادها إلى القيم البوذية والإرث البوذي.
بحسب منصة "ذا برينت" الهندية فإن هذه الحرب فريدة من نوعها لأن منبعها الأساسي هو الصراع على التراث. يمتلك البلدان تاريخا طويلا من النزاع الحدودي حول منطقة يقع فيها عدد من المعابد المهمة أبرزها معبد برياه فيهيار الواقع على نتوء صخري في سلسلة جبال دانغريك على ارتفاع أكثر من 500 متر فوق سطح البحر والذي شُيد وتطور إلى هيئته الحالية بين القرنين التاسع والحادي عشر الميلاديين على يد إمبراطورية الخمير، وهو مدرج بحسب منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي .
تعود أزمة الحدود بين البلدين بالأساس إلى أن هذه الحدود قد تم ترسيمها بواسطة الاستعمار، فأثناء الاستعمار الفرنسي لكمبوديا وُضعت خريطة ترسيم حدود بين الجانب الفرنسي المسؤول عن كمبوديا ومملكة سيام (تايلند حاليا) في عام 1907، وفي تلك الخريطة يظهر معبد برياه فيهيار واقعا داخل الأراضي الكمبودية، ولكنْ من الناحية الأخرى تتمسك تايلند باتفاقية ثانية وُقعت عام 1904 مع الجانب الفرنسي ترسم الحدود بناء على سلاسل الجبال وتمنح تايلند الحق في تلك المساحة الحدودية بما فيها معبد برياه فيهيار، علما بأن المعبد لا يُعد وحده نقطة الخلاف الأساسية بين البلدين، فهناك إلى جانب ذلك معبدان آخران يقعان غربه، بالإضافة إلى منطقة المثلث الزمردي الغنية بالثروات الطبيعية وذات القيمة الإستراتيجية العسكرية.
في الحرب العالمية الثانية كانت تايلند قد تحالفت مع دول المحور وتحديدا مع اليابان، ونالت السيطرة على منطقة معبد برياه فيهيار مكافأة لها على ذلك، لكن بعد أن تغير مسار الحرب، عادت تلك المنطقة للسيطرة الفرنسية مرة أخرى ومن ثم حين حصلت كمبوديا على استقلالها وقع المعبد وأرضه تحت السيادة الكمبودية، ولكنّ تايلند لم تقبل هذا وشرعت في الاستيلاء على المعبد بالقوة من جارتها الضعيفة عسكريا.
وأمام ذلك اتجهت كمبوديا في عام 1959 إلى محكمة العدل الدولية للبت في أحقيتها في المعبد الأثري والمنطقة المحيطة به، وبالفعل أقرت المحكمة في عام 1962 بتبعية المعبد لكمبوديا وذلك تبعا للخريطة الفرنسية لعام 1907.
وبحسب تقرير لـ"مجموعة الأزمات الدولية" فإن تايلند قد قبلت رسميا بحكم المحكمة لكن تلك الهزيمة القانونية غذّت مشاعر غضب قومية عارمة في البلاد باعتبار أن تلك الأرض وهذا المعلم الأثري الديني حق تايلندي سُلب عنوة من خلال الاستعمار الفرنسي.
ووفق التقرير فإنه منذ هذا الحكم القانوني تنامت قوة وشعبية الخطاب القومي التايلندي الذي يمجد التراث ويجدد الآمال باستعادة الأثر التاريخي المسلوب استعماريا من وجهة نظره، ورغم أن محكمة العدل الدولية قد عادت عام 2013 لتؤكد على ملكية كمبوديا للمعبد ووقوعه داخل أراضيها فإن المحكمة أكدت في نفس السياق على عدم اختصاصها بتحديد الخط الحدودي الفاصل في الأرض المتنازع عليها حول محيط المعبد، وهو ما اعتبره القوميون التايلنديون نصرا لهم في حين اعتبر الكمبوديين أنه لا يغير من الحقيقة القانونية شيئا.
وقد ألقت هذه الخلافات القانونية والسياسية بظلالها على الحدود المتوترة التي شهدت نزاعات مسلحة منذ عام 2008 على خلفية إدراج اليونسكو للمعبد ضمن مواقع التراث العالمي في كمبوديا. وبلغت ذروتها عام 2011 باشتباكات بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون خلفت عشرات القتلى والجرحى فضلا عن آلاف النازحين على الجانبين.
غذت هذه التوترات المتزايدة الخطاب القومي في كلا البلدان أكثر فأكثر، خطاب تمحور حول الأحقية التاريخية والثقافية في المعابد والتراث وأصل الرقصات التقليدية والألعاب القتالية، وهو ما تسبب في تجذر الخلاف على مستوي القواعد الجماهيرية بين الشعبين البوذيين المتنافسين.
وبلغ الأمر في عام 2003 حد قيام حشود كمبودية بإشعال النار في السفارة التايلندية بعد تناقل تصريحات لم تكن حقيقية لمسؤولة تايلندية عن أحقية بلادها في تراث معماري وثقافي كمبودي. وظل هذا المناخ قابلا للاشتعال بأقل قدر من الوقود.
بحسب مصادر صحفية فإن ما حفز اندلاع الجولة الحالية من الصراع كان واقعة تسلق جنود ومدنيين كمبوديين أنقاض معبد براسات تا موين ثوم المتنازع عليه أيضا وهم ينشدون أغاني وطنية كمبودية، وهو الأمر الذي أجج المشاعر القومية في البلدين. تطور الأمر مع تبادل القوات المسلحة من البلدين إطلاق النار لوقت قليل في إحدى المناطق المتنازع عليها بينهما مما أدى لمقتل جندي كمبودي في نهاية مايو/أيار.
أدى هذا القتال بحسب صحيفة غارديان البريطانية إلى تبعات كبيرة إذ حظرت كمبوديا استيراد الخضراوات والفاكهة من تايلند ووصل الأمر إلى منع بث الأفلام التايلندية في البلاد وفي المقابل فرضت تايلند قيودا حازمة على الحدود مع كمبوديا.
ووصل إلى ذروته في شهر يوليو/تموز مولّدا الصراع الحالي الذي أوقفته الهدنة، وذلك حين أصيب 5 عسكريين تايلنديين بجروح بعد انفجار ألغام أرضية عند المناطق الحدودية وقد أعلنت تايلند أن تلك الألغام قد زُرعت مؤخرا بواسطة الكمبوديين قبل أن تتطور الاشتباكات.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، طردت تايلند السفير الكمبودي من أراضيها وسحبت سفيرها من البلاد، وأعلنت كمبوديا في المقابل خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع تايلند إلى أدنى المستويات.
يُعد هذا التصعيد الدبلوماسي والعسكري غير مسبوق بمعايير الصراع بين البلدين اللذين حافظا على علاقات سياسية جيدة بفضل العلاقات المتينة بين العائلتين الحاكمتين فعليا، عائلة شيناواترا في تايلند وعائلة هون سين في كمبوديا. وقد بلغت درجة العلاقات بين العائلتين من القوة حد تعيين رئيس وزراء تايلند السابق تاكسين شيناواترا، والد رئيسة الوزراء الموقوفة عن العمل حاليا بايتونغتارن شيناواترا، مستشارا اقتصاديا للحكومة في كمبوديا في عام 2009.
وفي أعقاب الإفراج عن تاكسين، المدان من القضاء التايلندي بسوء استخدام السلطة وتضارب المصالح، في فبراير/شباط 2024، تلقى زيارة من هون سين، والد رئيس وزراء كمبوديا الحالي في مقر إقامته ما سلط الضوء على العلاقات المتنامية بين الرجلين والعائلتين.
هذه العلاقات بدأت تثير خلافا سياسيا حادا في تايلند على وجه الخصوص بين الحكومة والجيش، وهو الخلاف الذي بلغ ذروته بتسريب مكالمة لرئيسة الوزراء التايلندية الموقوفة حاليا بايتونغتارن شيناواترا (ترجح العديد من المصادر أن كمبوديا هي من سربتها) تحدثت فيها باحترام بالغ مع رئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين إذ كانت تقول له "يا عمي"، كما أنها انتقدت في المكالمة القائد العسكري المسؤول عن شمال شرق تايلند.
تسببت هذه المكالمة في موجة غضب تايلندي عارم، ورغم أن رئيسة الوزراء قد سوغت المكالمة بكونها نوعا من "التكتيك التفاوضي" لكن قطاعات واسعة من التايلنديين فضلا عن المؤسسة العسكرية قد رأت فيها تساهلا مع كمبوديا وتهاونا في "الكرامة التايلندية"، وانتهى الأمر بزلزال كبير في الحكومة الائتلافية التي تقودها، وصولا إلى تعليق المحكمة الدستورية التايلندية عمل شيناواترا في بداية شهر يوليو/تموز حتى انتهاء التحقيق معها، وتسليم مهام منصبها إلى وزير الدفاع السابق فومثام ويتشاياتشاي.
يبدو إذن أن الأجواء السياسية المتوترة أسهمت في خروج الجولة الحالية من التصعيد العسكري عن النسق المعتاد. وبحسب "ذا ديبلومات" فبغض النظر عمن بدأ القتال في ظل اختلاف الروايات بين البلدين، فإن الحشد العسكري المتبادل كان غير مسبوق. وقد نشر كل من الجيشين أسلحته الثقيلة وقاذفات الصواريخ والمدفعية والدبابات بكثافة، وفي حين أطلقت كمبوديا قذائف مدفعية وبطاريات صواريخ "بي إم-21" (BM-21) الروسية على تايلند قامت تايلند باستخدام طائرات "إف-16" ضد جارتها ضاربة أهداف عسكرية في كمبوديا.
جدير بالذكر بحسب رويترز أن الجيش التايلندي بتمتع بتفوق واضح على نظيره الكمبودي على صعيد التعداد والميزانية والتجهيزات العسكرية. فبينما يبلغ عدد أفراد الخدمة الفعلية في القوات المسلحة في كمبوديا 124 ألفا و300 فرد يبلغ عدد أفراد الجيش التايلندي في الخدمة الفعلية أكثر من 360 ألف فرد، وفي حين تصل ميزانية الدفاع في كمبوديا بحسب أرقام 2024 إلى 1.3 مليار دولار أميركي، تتمتع تايلند بميزانية دفاعية تصل إلى 5.73 مليارات دولار أميركي بحسب أرقام نفس العام.
وعلى صعيد القوات الجوية، تمتلك كمبوديا أسطول طائرات صغيرا مكونا من طائرات نقل ومروحيات قديمة تعود للحقبة السوفياتية وطائرات صينية أخرى وقوات جوية لا يتعدى قوامها 1500 فرد، وفي المقابل تمتلك تايلند واحدا من أفضل الأساطيل الجوية في منطقة جنوب شرق آسيا بعدد قوات يبلغ 46 ألف فرد، و112 طائرة منها 28 طائرة من طراز "إف – 16".
ولا يختلف الأمر كثيرا في مجال القوة البحرية، فبينما يبلغ عدد القوات البحرية الكمبودية 2800 فرد، و13 سفينة، يبلغ عدد القوات البحرية التايلندية في المقابل 70 ألف فرد مع ترسانة مجهزة جيدا من السفن.
ورغم أن تايلند تتفوق بوضوح على كمبوديا نظريا في قوتها العسكرية، فإن جنرالات الجيش التايلندي بحسب صحيفة الإيكونوميست البريطانية يقولون إن كمبوديا هي من بدأت تلك الحرب في حين يرد جنرالات الجيش الكمبودي بأن الجيش التايلندي هو من يفتعل الأزمة ويشعل نيران الحرب كي يخلق مناخا يسهّل عليه القيام بانقلاب سياسي داخل البلاد.
كما سبق أن ذكرنا فإن واحدة من أكبر مفارقات هذه الحرب هي أنها تقوم بين بلدين يتبعان ديانة أكثر ما يشتهر عنها أنها تحث على السلام وتشجب العصبيات القومية المتطرفة، وعلى الرغم من ذلك فإن القوميين الذين روجوا لروح الصراع بين البلدين في السنوات السابقة يبنون نسختهم القومية على أعمدة الإيمان بالقيم البوذية.
يُعد هذا مثالا قويا على الطريقة التي يمكن أن توظف بها السياسة المشاعر الدينية لتحقيق مآربها. وعلى سبيل المثال في ورقة بعنوان "إحياء القومية البوذية في تايلند وتأثيره السلبي على الحرية الدينية" يشير الباحث خيمثونغ تونساكولرونغروانغ إلى أن صعود الحركة القومية في تايلند قد ارتبط بدمج الانتماء الديني والانتماء الوطني معا، وباتت تلك الهوية البوذية مع الوقت مرادفا للمحافظة السياسية وتوجهات اليمين القومي في البلدان. بالإضافة إلى أن العلاقة الوثيقة بين المؤسسة العسكرية والنخب الحاكمة ونخبة القيادات الدينية المحافظة البوذية في البلاد قد صبغت اليمين السياسي القومي في البلاد بالبوذية.
وقد استخدمت الشخصيات اليمينية في تايلند خطابا دينيا في الحديث عن الصراع مع الجارة الحدودية كمبوديا، إذ لطالما قُدمت للجماهير فكرة حماية التراث باعتبارها واجبا مقدسا. باختصار فإن البوذية في كلا البلدين قد اتخذت مع صعود الحركة القومية شكلا بعيدا عن طابعها المنفتح، مرتبطا أكثر بأفكار الحدود وسيادة الدولة والهيمنة حتى في مجال الحريات الدينية.
يُعد صعود القومية محركا أساسيا للغاية لفهم هذا الصراع، وبحسب تقرير لـ"ذا ديبلومات" فإنه بالنسبة للقطاع الأوسع من الكمبوديين والتايلنديين فإن فكرة فقدان أي مساحة أرض من دولتهم مهما كانت صغيرة تسبب لهم شعورا عميقا بالإهانة والإذلال الوطني، وأنه نظرا لفقدان كمبوديا التدريجي لأراضيها في الماضي، فقد تولدت عند الشعب الكمبودي نزعة خوف عميقة من الفناء، وبات هذا الأمر يلعب دورا محوريا بشكل غير معتاد في المخيلة الوطنية لكمبوديا.
هذا الخوف الشديد على بقاء الجماعة الذي يوجد في أقصى اليمين السياسي في مختلف البلدان، هو محوري وسائد بين مختلف أطراف الطيف السياسي في كمبوديا. على الجهة الأخرى، يمتلك القوميون التايلنديون قلقا مماثلا فتاريخ المواجهات العنيفة بين مملكة سيام وقوى الاستعمار الغربي ترك إحساسا مستمرا بالقلق والخوف من الإذلال، وبحسب "ذا ديبلومات" فإن "واحدة من أكثر الطرق فاعلية في تايلند لتشويه سمعة المعارضين السياسيين هي ربطهم بفقدان الأراضي التايلندية".
حتى الآن لا تزال الهدنة سارية خاصة في ضوء رفض الصين والولايات المتحدة الأميركية التام لتصاعد الأمور بين البلدين لكن الصراع الكبير الذي اشتعل في الأيام الماضية يمكن أن يعود للانفجار من جديد في أي ظروف مواتية في ظل تنامي الحركة القومية التي تغذي جذوة الصراع في كلا البلدين. وهكذا تبقى "حرب المعابد" بين تايلند وكمبوديا شاهدة على أن الحروب لا تدور فقط حول الثروات الطبيعية والمصالح الاقتصادية أو حتى النفوذ الجيوسياسي، وإنما يمكن أن تنشب بسبب المعابد، وبسبب رغبة كل طرف في فرض منظوره الخاص للتراث وللتاريخ.