ارتبط انتصار البشر على داء الكلب بطفل يبلغ من العمر 9 سنوات عضه كلب مسعور 14 مرة في يديه وساقبة وفخذيه، وبرجل كان يُعد سلاحا ضد الداء، وما كان بطبيب.
كان داء الكلب "السعار" حتى القرن التاسع عشر بمثابة مرض عضال. إذا أصاب فيروسه الجهاز العصبي المركزي لأحد، يموت ببطء وهو يقاسي آلاما مبرحة نتيجة شلل يصيب الجهاز التنفسي.
طفل يدعى جوزيف مايستر كاد أن يلاقي مثل هذا المصير في 4 يوليو 1885، حين جمعه حظه العاثر في مقاطعة الألزاس الفرنسية بكلب مسعور أدماه عضا ما جعله عاجزا عن المشي.
بعد مرور 12 ساعة من الحادث، قام طبيب محلي بمعالجة جروحه الناجمة عن العض بكيها بحمض الكاربوليك، وهي عملية مؤلمة جدا كان يُعتقد في تلك الحقبة أنها تمنع داء الكلب.
نصح الطبيب الريفي والدة الطفل المصاب بالسفر إلى باريس والاتصال بلويس باستور، عالم الأحياء الدقيقة والكيميائي الشهير الذي كان يعمل على تحضير لقاح مضاد لداء الكلب.
حملت المرأة ابنها المصاب إلى باريس حيث كان هذا العالم يجري تجارب ناجحة على الحيوانات. مع ذلك كانت هناك مشكلة، لم يكن لدى باستور رخصة طبية، ولم يكن يملك الحق في علاج الطفل.
حالة الطفل الصحية الحرجة، والمخاوف من احتمال موته في حال عدم تلقيه العلاج، أسقطت هذه العقبة. كان باستور قد طور في ذلك الوقت لقاحا لداء الكلب باستخدام فيروس ضعيف أخذ من النخاع الشوكي المجفف لأرانب مصابة. اللقاح جُرب بنجاح على الكلاب، لكنه لم يجرب على البشر.
استشار العالم باستور الطبيبين ألفريد فولبيان وجاك جوزيف غرانشر، وهما أكدا له أن الطفل جوزيف سيموت على الأرجح من دون تدخل طبي. على الرغم من المخاطر القانونية، جازف باستور ووافق على علاج الطفل.
بدأ العالم باستور في 6 يوليو بعد مرور 60 ساعة على تعرض الطفل لتلك العضات المسعورة، بحقن المريض بـ 13 حقنة قوية على مدار 10 أيام.
كل جرعة احتوت على سلالات أقوى تدريجيا من الفيروس الذي تم إضعافه، وذلك بالبدء من الفيروس الأقل ضراوة المأخوذ من الأنسجة شديدة الجفاف، إلى الأكثر ضراوة، من الحبل الشوكي الطري.
اتبع باستور طريقة لتوخي السلامة باختبار كل دفعة من الجرعات على الأرانب قبل إعطائها للطفل المريض. احتوت الحقنة النهائية سلالة قوية كان يمكن أن تُسبب داء الكلب لدى الأشخاص غير المُلقحين.
متابعة حالة الطفل جوزيف أظهرت عدم رصد أي أعراض لداء الكلب في فترة العلاج وما بعدها ما أكد فعالية اللقاح. نجا الطفل، ودخل التاريخ باعتباره أول إنسان يشفى من داء الكلب.
في البداية، تعرض باستور لانتقادات بسبب إجرائه عملية من دون أوراق اعتماد طبية، واستخدامه علاجا غير مُثبت. مع ذلك تُشير سجلات تاريخية إلى أنه ربما اختبر اللقاح سرا على مريضين آخرين قبل جوزيف وهما رجل يبلغ من العمر 61 عاما، شُفي من هذا الداء القاتل، وطفلة تبلغ من العمر 11 عاما، كانت أقل حظا وتوفيت. هاتان الحادثتان لم تتأكدا ولا تزالان محل جدل.
انتشر بسرعة نبأ نجاة الطفل جوزيف. لاحقا بحلول عام 1890، افتتحت بتمويل من تبرعات دولية، مراكز لعلاج داء الكلب في عدة مناطق في العالم مثل نيويورك وساو باولو وبودابست.
علاوة على ذلك، أسهمت حادثة شفاء الطفل في تأسيس معهد باستور في باريس عام 1887، حيث عمل جوزيف في وقت لاحق هناك، وكرس حياته لهذا المعهد الذي أنقذه صاحبه من الموت، وعمل هناك ما يزيد عن 50 عاما.
نهاية جوزيف مايستر كانت مأساوية. توفى في 24 يونيو 1940 أثناء الاحتلال النازي لباريس، باستنشاق الغاز وكان ناهز من العمر 64 عاما.
على النقيض من أسطورة شاعت بأنه ضحى بحياته وهو يحمي قبر باستور الذي كان توفى في عام 1895، كشفت شهادات تاريخية موثوقة أن جوزيف انتحر يأسا بعد أن اعتقد خاطئا أن زوجته وبناته قتلن على يد النازيين. يا لها من مأساة.. بعد ساعات من مفارقته الحياة منتحرا، عادوا جميعا سالمين إلى منزلهم!
المصدر: RT