كشف وزير الثروة الحيوانية والسمكية السوداني، أحمد التجاني المنصوري، في حوار خاص مع الجزيرة نت، عن خسائر كبيرة لحقت بقطاع الثروة الحيوانية تُقدَّر بمليارات الدولارات، جراء الحرب التي اندلعت في البلاد منذ 15 أبريل/نيسان 2023.
وأوضح المنصوري أن بعض الماشية تعرّضت للاستهداف بالرصاص، في حين نفق جزء آخر جوعا بعد نزوح الأهالي وترك حيواناتهم خلفهم، كما فُقدت أعداد منها أثناء النزوح من غرب السودان إلى شماله.
وأضاف أن الأضرار لم تقتصر على الثروة الحيوانية نفسها، بل طالت كذلك وزارة الثروة الحيوانية، حيث تم تدمير جزء من المعامل والمحاجر والمسالخ التابعة لها.
وأشار إلى عدم وجود تعداد دقيق للثروة الحيوانية بعد اندلاع الحرب، لافتا إلى أن آخر إحصاء شامل أُجري قبل أكثر من 50 عاما، لكنه توقّع أن يتجاوز العدد الحالي 140 مليون رأس من الماشية.
وكشف المنصوري أن قطاع الثروة الحيوانية يسهم بنحو 25% من ميزانية الدولة، مبينا أن الإيرادات منذ بداية العام تجاوزت الربط الذي قدّرته وزارة المالية بثلاثة أضعاف، كما أشار إلى استئناف تصدير اللحوم إلى دول مجلس التعاون الخليجي قبل نهاية العام.
ولم يستبعد إقبال شركات خليجية رائدة في مجال الإنتاج الحيواني على الاستثمار والإنتاج في السودان، في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج في تلك الدول، والحاجة المتزايدة إلى الألبان واللحوم، مؤكدا أن الاستثمار في مجال المنتجات الحيوانية في السودان يُعد مغريا ومجزئا للغاية.
وبيّن أن وزارة الثروة الحيوانية وضعت إستراتيجية تنفيذية للنهوض بالقطاع خلال 5 سنوات، عبر تنفيذ 40 مشروعا حيويا تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض الأسعار، مع التركيز على السوق المحلي والأسواق القريبة.
الثروة الحيوانية تُعد أكبر الموارد الموجودة حاليا في السودان، وآخر تعداد رسمي أُجري للثروة الحيوانية كان في عام 1972، حيث بلغ عددها نحو 132 مليون رأس من الماشية.
ولو افترضنا أن أي بهيمة يمكن أن تلد مرة واحدة في السنة، لكان من المفترض أن يتضاعف العدد مرتين أو 3 مرات، لكن البلاد شهدت فترات جفاف متعاقبة، ثم جاءت هذه الحرب اللعينة التي أخذت جزءا كبيرا من الثروة الحيوانية.
ومع ذلك، وحتى لو افترضنا أن العدد انخفض إلى الثلث، فإنه لا يزال عددا كبيرا. ولا يوجد تعداد دقيق منذ أكثر من 50 سنة. ولهذا بدأنا التفاوض مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) لإجراء تعداد شامل للثروة الحيوانية في السودان، لأن القاعدة الإدارية تقول "الشيء الذي لا تستطيع قياسه لا تستطيع إدارته"، ولا بد من معرفة الحجم الحقيقي للثروة الموجودة لدينا.
وضعنا خطة إستراتيجية تنفيذية تمتد 5 سنوات، وتضم حوالي 40 مشروعا، جميعها مشاريع حيوية تستهدف السوق المحلي والأسواق القريبة
كانت هناك خسائر كبيرة جدا في قطاع الثروة الحيوانية تُقدّر بمليارات الدولارات. بعض الماشية تم استهدافه بالرصاص، وبعضها الآخر مات جوعا بعد نزوح الناس وتركهم حيواناتهم وراءهم، كما فُقدت أعداد منها أثناء النزوح من غرب السودان إلى شماله.
كما تضررت وزارة الثروة الحيوانية نفسها، حيث تم تدمير جزء من المعامل والمحاجر والمسالخ. الخسارة كبيرة، لكن لا يوجد رقم دقيق يمكن التصريح به في الوقت الراهن.
المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع يصعب التصدير منها حاليا، لكنّ الجزء الشرقي من كردفان ما زال يمدنا بالماشية. وقد وصلنا مؤخرا نحو 90 ألف رأس تم تطعيمها بالكامل، وهي جاهزة الآن للتصدير.
وضعنا خطة إستراتيجية تنفيذية تمتد 5 سنوات، وتضم حوالي 40 مشروعا، جميعها مشاريع حيوية تستهدف السوق المحلي والأسواق القريبة. ويرجع ذلك إلى أن معظم منتجاتنا الحيوانية حساسة، ويبلغ عمرها الافتراضي بين 4 و5 أيام، مثل الألبان والأجبان والزبادي واللحوم والبيض. ونتفاوض حاليا مع وزارة الزراعة لإضافة الخضراوات والفواكه ضمن هذه المنظومة.
وقد قسمنا الأسواق إلى قسمين:
كما تشمل الخطة إنشاء مستودعات مبردة في عطبرة وبورتسودان وجدة، للحفاظ على المنتجات عند درجة حرارة 4 مئوية حتى تصل بجودة عالية، إضافة إلى مستودع مبرد في مطار الخرطوم.
وتتضمن الخطة كذلك إعادة تأهيل المسالخ القائمة وإنشاء أخرى جديدة في جميع مدن الإنتاج الحيواني، بما يسمح بالاستفادة من الجلود ومخلفات الذبائح في صناعات الحقائب والأحذية والأحزمة والملابس، وهو ما يضاعف القيمة الاقتصادية للمنتج.
ونعمل بالتعاون مع جامعة القضارف على إنتاج لحوم عضوية، وتأهيل الشركات للحصول على شهادات "الحَسَب"، والآيزو، والحلال، والمنتجات العضوية، بهدف فتح أسواق أوروبا والخليج وشرق أفريقيا واليابان.
المسالخ والمدابغ التي نعمل على تطويرها ستكون حديثة، وستضيف قيمة مضافة حقيقية، كما ستنال الشهادات العالمية المطلوبة للتصدير إلى أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي.
صحيح، إنتاجية الماشية لدينا ضعيفة. ففي غرب السودان، على سبيل المثال، يبلغ متوسط إنتاج البقرة نحو 6 إلى 7 أرطال من اللبن، بينما تنتج البقرة الأوروبية نحو 100 رطل، وهذا الفارق الكبير ينعكس سلبا على المستوى المعيشي للمربين.
نحن نتفاهم حاليا مع البنوك لتمويل مشاريع تحسين الحظائر، وتقديم الخدمات البيطرية، والتلقيح الاصطناعي، ونقل الأجنة، إضافة إلى توفير الأدوية والتطعيمات.
كما سنعمل على جمع الحليب من المربين وإنشاء مصانع للألبان، مع خصم تكلفة الخدمات المقدمة ودفع باقي المبلغ لهم، ما يسهم في رفع الإنتاجية وخفض الأسعار.
لا يوجد تعداد دقيق بعد الحرب، لكن أتوقع أن يكون العدد فوق 140 مليون رأس، وهناك حاجة كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي للألبان واللحوم.
حاليا تسهم الثروة الحيوانية بنحو 25% من ميزانية الدولة، ومنذ بداية السنة تجاوزت الإيرادات الربط الذي قدّرته وزارة المالية بثلاثة أضعاف.
وتمكن زيادة هذا الإسهام من خلال تشغيل المسالخ وفق المواصفات العالمية. فقد جهزنا 6 مسالخ للتصدير، وسنبدأ قريبا التصدير إلى دول مجلس التعاون، كما تم حل مشكلات مع السعودية والإمارات وقطر، ونعمل حاليا على حلها مع مصر.
الاستثمار في السودان مغر جدا، فموقعه الجغرافي قريب من الأسواق الكبيرة، وقريب من دول الكوميسا التي وقعنا معها اتفاقية تعفي من الضرائب بنسبة 25%. كما يتمتع السودان بمياه عذبة، وأراض خصبة، وأيد عاملة رخيصة، وثروة حيوانية ضخمة.
وقد اجتمعت مع المربين والمصدرين وحتى المهربين، وكلهم أجمعوا على أن الاستثمار في الثروة الحيوانية أكثر ربحية من العقار أو الصناعة. وبناء على ذلك، تم تكوين مجلس رجال الأعمال السوداني العُماني، والسوداني السعودي، والسوداني الكويتي، وجميعهم يخططون للاستثمار في المنتجات الحيوانية.
لا يوجد تعداد دقيق بعد الحرب، لكن أتوقع أن يكون العدد فوق 140 مليون رأس، وهناك حاجة كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي للألبان واللحوم.
وأتوقع أن تأتي شركات كبرى مثل "المراعي" في السعودية، و"بلدنا" في قطر، و"الروابي" في الإمارات للإنتاج في السودان، في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج لديها. ويمكننا إنتاج منتجاتهم بأسمائهم، بما يرفع دخل السودان.
رغم الحرب، تم تكوين مجالس رجال الأعمال، وما زالت هناك رغبة قوية في الاستثمار بالسودان. وأعتقد أن استثمارات دول مجلس التعاون والدول الأوروبية -وسعينا أيضا لجذب مستثمرين من أميركا- ستسهم في تحقيق الاستقرار، لأن أي دولة لن تخاطر بضرب مصالح دولة أجنبية داخل السودان. وهذا الاستثمار سيحقق الاستمرارية والاستقرار للبلاد.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة