في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تخيّل أنك تحجز رحلة أحلامك قبل أسابيع. حقائبك جاهزة، ومقعدك مُحدد، وتقف عند البوابة في انتظار لحظة الصعود. فجأة يعلو في المكان إعلان مزعج: "تم إلغاء الرحلة بسبب صيانة الطائرة".
هذا السيناريو تكرر مع مئات الآلاف من المسافرين حول العالم الأسبوع الماضي، بعد استدعاء ضخم من شركة إيرباص لنحو 6 آلاف طائرة من عائلة "إيه 320". جاء الإجراء الاحترازي عقب الحادثة التي تعرضت لها طائرة تابعة لشركة "جيت بلو" الأميركية خلال رحلتها من كانكون إلى نيويورك ، عندما واجهت خللا مفاجئا في التحكم نتيجة عطل في الحاسوب.
أثناء التحليق على ارتفاع 35 ألف قدم، انحرفت مقدمة الطائرة فجأة نحو الأسفل دون تدخل من الطيار، ما أدى إلى انخفاض حاد قبل أن ينجح الطاقم في الهبوط اضطراريا في تامبا بولاية فلوريدا الأميركية.
دفعت هذه الواقعة شركات الطيران عالميا إلى إيقاف آلاف الطائرات من هذا الطراز مؤقتا لإجراء تحديثات برمجية عاجلة، مما أحدث ارتباكا واسعا في حركة الطيران الدولية وتأخر ملايين الركاب عن مواعيدهم وأعمالهم.
وتُثير الحادثة تساؤلات محورية:
كانت تداعيات الحادثة كبيرة؛ فقد نُقل 15 راكبا إلى المستشفى بعد الهبوط الاضطراري في تامبا، واحتاجت نحو 6 آلاف طائرة إلى إصلاح فوري. كما واجهت أكثر من 350 شركة طيران حول العالم تعطلا وتأخيرا في رحلاتها، بينما كانت نحو 3 آلاف طائرة في الجو عند صدور الإنذار.
يمثل هذا الاستدعاء أزمة تتجاوز الجانب الهندسي إلى صميم تجربة العملاء، فقد وجدت شركات الطيران نفسها أمام خيارين: إيقاف الطائرات وتعطيل المسافرين، أو المجازفة بتسيير رحلات غير آمنة، ولم يكن هناك سوى قرار واحد: إيقاف الأسطول فورا.
تشير دراسة لشركة ماكينزي إلى أن 63% من المسافرين يفضلون التحديثات الفورية عند الاضطرابات، لكن كثيرا من الشركات عجزت عن توفير معلومات مباشرة، فانتشر الارتباك وازدادت الشكاوى. وتُظهر دراسة "جي دي باور" لعام 2025 أن أقل من 10% من الركاب يواجهون مشاكل عادة، لكن رضاهم ينخفض بما يصل إلى 125 نقطة عند حدوثها، ما يكشف هشاشة الثقة في لحظات الأزمة وفقا لتقرير شركة "سي إكس كويست".
وكانت "أفيانكا" الكولومبية من أكثر الشركات تأثرا، إذ تعطّل أكثر من 70% من أسطولها، فقررت تعليق مبيعات التذاكر حتى 8 ديسمبر/كانون الأول وفقا لرويترز، وهي خطوة قاسية لكنها شفافة حدّت من خيبات أمل المسافرين.
تشترك الشركات التي تجاوزت الأزمة بنجاح في سمة واحدة: الصدق والشفافية والتواصل الاستباقي مع الركاب. فبحسب بحث لشركة "جيت نوكس"، يُقدِّر 75% من المسافرين الإبلاغ المبكر عن التأخيرات، بينما يُعد الصمت أكبر مهدد للثقة وفقا لـ"سي إكس كويست".
أصدرت شركة إنديجو، المشغّلة لـ370 طائرة من عائلة إيه 320 في الهند ، تحذيرات فورية وعملت مع إيرباص لتقليل الاضطرابات، وهو نهج عزز الثقة وفقا لصحيفة "انديان إكسبرس".
كما اعترفت الخطوط الجوية الهندية بالمشكلة مباشرة، ونشرت تحديثات عامة واعتذرت عن الإزعاج مع تأكيد الأولوية للسلامة، بما يتماشى مع أفضل ممارسات التواصل في الأزمات.
أما الشركات التي التزمت الصمت، فواجهت موجات غضب على منصات التواصل، وتحول الركاب المنتظرون بلا معلومات إلى منتقدين.
وتتعامل الشركات الذكية مع الاضطرابات باعتبارها فرصة لتعزيز سمعتها؛ فالمسافر الذي تُقدم له خدمة جيدة خلال الأزمة غالبا ما يتحول إلى عميل وفيّ. وتشير الأبحاث إلى أن استعادة الخدمة بنجاح قد تولد ولاءً يفوق الولاء في الظروف العادية.
أما في أميركا وأوروبا والمملكة المتحدة ، فحقوق الركاب واضحة: إعادة الحجز أو استرداد المبلغ، وتقديم المرطبات أو الإقامة عند التأخير، وتعويضات مالية بين 220 و520 جنيها إسترلينيا (290-686 دولارا). لكن الشركات التي تتجاوز الحد الأدنى بتوفير الإقامة أو قسائم الطعام تلقائيا هي التي تبني ولاء طويل الأمد وفقا لـ"سي إكس كويست".
تلعب الحكومات والجهات الرقابية دورا أساسيا في حماية حقوق المسافرين. وقد اعتمدت الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أنظمة تعويض واضحة عند التأخير أو الإلغاء. وسنأخذ الولايات المتحدة نموذجا.
أطلقت وزارة النقل الأميركية عام 2024 قواعد تنظيمية جديدة، وتضمنت أبرز حقوق المسافرين:
تُلزم الشركات بردّ الأموال نقدا وبشكل تلقائي عند إلغاء الرحلة أو تغييرها بشكل كبير، أو عند تأخر الأمتعة أو عدم تقديم خدمات مدفوعة مسبقا.
تهدف لحماية المستهلك من الرسوم الإضافية المبالغ فيها عبر الإفصاح المسبق ومنع الإعلانات المضللة، مع تأكيد شمول المقعد والحقائب في سعر التذكرة.
تقترح اللائحة تعويضات تتراوح بين 200 و300 دولار للتأخيرات بين 3 و6 ساعات، وبين 375 و525 دولارا لتأخيرات 6-9 ساعات، و750-775 دولارا للتأخيرات التي تتجاوز 9 ساعات.
تشترط إعادة الحجز دون رسوم عند الإلغاء أو التأخير الطويل محليا أو دوليا.
تواجه شركات الطيران خسائر كبيرة لا تقتصر على الحوادث التقنية، بل تشمل الحروب والتوترات الجيوسياسية. فقد أدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى تراجع السفر في منطقة الشرق الأوسط، ما تسبب بخسائر لشركات مثل "إيزي جيت" و"وايز إير".
ووفق منصة "ذي سي إف أو"، سجلت "إيزي جيت" خسارة صافية قدرها 40 مليون جنيه إسترليني (54 مليون دولار) في الربع الأخير من 2024، بينما بلغت خسائر "وايز إير" 90.2 مليون يورو (104 ملايين دولار) بسبب توقف الرحلات ومشكلات سلسلة التوريد.
وتبرز هذه الأرقام هشاشة القطاع والحاجة إلى إستراتيجيات مالية متينة، كما يلخص تقرير "بي بي إن سلويوشنز" أبرز الأساليب المتبعة:
تعزيز توقعات الطلب باستخدام بيانات فورية
تعتمد الشركات على:
ويتضمن ذلك:
وتبرز الأزمة أن شركات الطيران الأكثر قدرة على التكيف السريع والتواصل الواضح وإدارة التكاليف بكفاءة هي التي ستنجح في تجاوز الاضطرابات. فرغم الخسائر والضغوط، تمنح الأزمات فرصة لتحسين الأداء وتعزيز الثقة، ويظل التخطيط الذكي والاعتماد على البيانات طريقا نحو صناعة طيران أكثر كفاءة واستدامة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة