يسجل الريال الإيراني منذ الأحد الماضي أدنى مستوياته على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي، عقب إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة ، في ظل أزمات اقتصادية متراكمة أثرت مباشرة على حياة المواطنين.
وفاق سعر الدولار في مكاتب الصرف في طهران 1.17 مليون ريال في السوق الموازية، مقابل السعر الرسمي البالغ نحو 570 ألف ريال، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين السوقين والضغط المتزايد على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلا من العقوبات الغربية وتراجع عائدات النفط.
وتضاعف سعر الدولار أكثر 34 ضعفا خلال عقد واحد أي منذ عام 2015.
كما وصل سعر غرام الذهب في إيران إلى نحو 80% من الحد الأدنى للأجور وفق قانون العمل، مما يبرز تأثير الأزمة على القدرة الشرائية للمواطنين.
وقال أمين عام مجلس الوزراء الإيراني كامل تقوي نجاد إنه تم التخطيط لحزم تعويضات، وتقرر توفير حزم معيشية شهرية للمواطنين ابتداء من هذا الشهر.
ورغم ذلك، يؤكد المسؤولون الإيرانيون أن عودة العقوبات لا تؤثر كثيرا على الاقتصاد، مشيرين إلى قدرة الحكومة على مواجهة الضغوط الخارجية عبر برامج في مجال العملة والسياسات النقدية، وفق تصريح أدلى به وزير الاقتصاد علي مدني زاده.
كما قال وزير الخارجية عباس عراقجي "لقد عشنا سابقا مع القرارات التي يسعون لإحيائها، ولن تكون هناك عقوبات أشد مما فرضته أميركا من قبل".
ومع ذلك، يشهد السوق الموازي ارتفاعات حادة في سعر الدولار، بينما تتصاعد الضغوط المعيشية، مما يطرح تساؤلات حول فعالية الإجراءات الحكومية في حماية الطبقة المتوسطة والفقراء.
قال دكتور الاقتصاد آيزاك سعيديان -في حديث مع الجزيرة نت- إن العقوبات الدولية الحالية على إيران تختلف بشكل جوهري عن العقوبات السابقة، فلم تعد مجرد قيود أحادية الجانب من الولايات المتحدة ، بل صارت تشمل الاقتصاد الإيراني بأكمله.
وأوضح أن هذا يعني أن تأثير العقوبات سيكون أوسع وأعمق، وقد يضر بالطرق الاقتصادية الحيوية للبلاد، ويحد من قدرة الحكومة على إدارة مواردها المالية.
وحسب الأكاديمي الاقتصادي فإن الإيرادات النفطية تمثل أكبر مصدر دخل للحكومة، وإن أي قيود على هذه المبيعات تضغط مباشرة على المالية العامة وتحد من قدرة الدولة على التمويل.
وأكد سعيديان أن العقوبات الدولية تؤثر كذلك على الشبكات المالية التي أنشأتها إيران بالخارج لتجاوز القيود السابقة، مشيرا إلى أن هذا يجعل الوصول إلى الموارد المالية الأساسية أكثر صعوبة.
وأشار إلى أن ارتفاع معدلات التضخم ومعدل الفائدة الرسمي البالغ نحو 35% يصعب على الشركات تحقيق أرباح مضمونة، مضيفا أن كل هذه العوامل تؤدي إلى خروج رؤوس الأموال من قطاع الإنتاج، سواء من قبل المستثمرين المحليين أو بعض المستثمرين الأجانب.
وفي المجمل، قال سعيديان إن هذه العوامل مجتمعة تشير إلى أن الاقتصاد الإيراني معرض لتراجع كبير في الأشهر المقبلة، مع استمرار الضغوط على العملة المحلية وصعوبة الوصول إلى الموارد المالية الضرورية.
يُذكر أن رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان صرح -اليوم الخميس- بأن بلاده تنتج يوميا 8 ملايين برميل من النفط والغاز، وقال "يخيفوننا بآلية الزناد لأننا ربطنا حياتنا بهذين الموردين، وأنا أفكر في اليوم الذي لا يكون لدينا فيه نفط ولا غاز، هل علينا أن نموت حينها".
مع الحديث عن احتمال تفعيل "آلية الزناد" وعودة العقوبات، تحاول الحكومة طمأنة الناس بأن التأثير سيكون نفسيا أكثر من كونه اقتصاديا، وفي هذا الصدد قال الرئيس بزشكيان إن العقوبات "ليست نهاية العالم".
لكن في الواقع ترتفع الأسعار بشكل مستمر، حتى على مستوى الأدوية، مما يجعل التخطيط للنفقات صعبا، وفق قول ربة البيت زهراء للجزيرة نت.
ولم تقتصر الأزمة على الفقراء، بل شملت الطبقة المتوسطة، إذ اضطر كثير من الموظفين والمتقاعدين إلى العمل في وظائف إضافية لتغطية مصاريفهم، وفق قول حسين وهو موظف حكومي متقاعد يعمل سائقا عبر تطبيق سيارات.
وكشفت دراسة أكاديمية أعدّها محمد رضا فرزانغان ونادر حبيبي أن العقوبات الدولية أدت إلى انكماش حاد في الطبقة المتوسطة الإيرانية. فبينما كان من الممكن أن تبلغ حصتها نحو 80% من السكان، تراجعت فعليا إلى حوالي 55%، أي بانخفاض قدره 25 نقطة مئوية.
كما سجّلت الدراسة تراجعا في الدخل الفردي الحقيقي بنحو 3 آلاف دولار، وانخفاضا في الاستثمار الفردي بنسبة 37%، إلى جانب زيادة الوظائف غير الرسمية بـ3.4% والوظائف الهشة بـ2.7%.
كذلك تراجعت نسبة الإيرانيين الذين يعتبرون أنفسهم من الطبقة المتوسطة من 78.7% عام 2005 إلى 63.7% عام 2020.
وبحسب الباحثين، فإن المحصلة النهائية للعقوبات كانت تقليص حجم الطبقة المتوسطة، ودفع جزء منها نحو الطبقات الدنيا، وزيادة الاعتماد على وظائف غير مستقرة، مما أدى لاهتزاز إحدى أهم ركائز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بإيران.
قال دكتور الاقتصاد بيمان مولوي للجزيرة نت إن انخفاض قيمة الريال مرتبط بشكل مباشر بارتفاع التضخم في الاقتصاد الإيراني.
وأضاف أن أي انخفاض في مبيعات النفط بمقدار 500 ألف برميل يمكن أن يزيد ا ل تضخم السنوي بنسبة 5%، لافتا إلى أنه في حال انخفضت المبيعات بمقدار مليون برميل فقد يرتفع التضخم من 37% إلى نحو 47%.
وأوضح مولوي أن هذا يعني أن الإيرادات النفطية الأقل ستؤدي إلى طباعة المزيد من النقود وزيادة السيولة، مما يزيد التضخم ويبطئ النمو الاقتصادي .
وفيما يخص الإجراءات الممكنة لمساعدة المواطنين، قال مولوي إن خيارات الحكومة محدودة، مؤكدا أن أهم خطوة يمكن اتخاذها هي تخفيف القيود والقوانين الصعبة على المستهلكين، خصوصا القطاعات التي تواجه فيها الأسر مشاكل كبيرة.
وأضاف أن الاقتصاد الإيراني يعد من أكثر الاقتصادات انغلاقا، ويحتل المرتبة 158 من أصل 165 على مؤشر الحرية الاقتصادية، مما يزيد صعوبة فتح الأسواق أو تحسين الأداء الاقتصادي.
وأوضح مولوي أن "النظام الاقتصادي المركزي" في إيران يمثل عقبة كبيرة أمام النشاط الاقتصادي، مؤكدا أن أي حلول حقيقية على المدى المتوسط والطويل لن تكون ممكنة إلا بعد رفع العقوبات وحل الخلافات مع واشنطن والدول الغربية.
وأوضح أن العقوبات تسببت في توقف المستثمرين عن ضخ أموالهم في الاقتصاد، مما يبطئ النمو ويزيد صعوبة إيجاد فرص عمل، مشيرا إلى أن الاقتصاد الإيراني لا يستطيع امتصاص هذه الصدمات بسهولة.
وقال مولوي إن حجم الاقتصاد تقلص من نحو 645 مليار دولار بداية العقوبات إلى نحو 400 مليار دولار حاليا، أي أنه فقد نحو ثلث قيمته، مضيفا أن أي عقوبات إضافية ستزيد من انغلاق الاقتصاد وتقلل الشفافية ، مما يضع إيران في ركود طويل الأمد.
وختم مولوي تصريحاته بالقول إن استمرار العقوبات من دون حل سياسي أو تفاوضي سيؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي وصعوبة تأمين احتياجات المواطنين الأساسية.