آخر الأخبار

هل تفتح قمة أذربيجان باب الاندماج الاقتصادي لأفغانستان؟

شارك

كابل- في إطار مساعيها الحثيثة لكسر عزلتها الدولية، شاركت حكومة طالبان للمرة الأولى في قمة رفيعة المستوى لمنظمة التعاون الاقتصادي (إيكو)، من خلال وفد رسمي ترأسه الملا عبد الغني برادر ، النائب الاقتصادي لرئيس الوزراء، وذلك بدعوة رسمية من حكومة أذربيجان.

وتُعد هذه المشاركة الأفغانية في القمة السابعة عشرة للمنظمة، التي عقدت في العاصمة باكو يومي الثالث والرابع من يوليو/تموز، محطة بارزة في إستراتيجية الحركة الجديدة للانفتاح على التكتلات الإقليمية، ومحاولة جادة لسدّ الفراغ الناجم عن غياب الاعتراف الدولي منذ عودتها إلى السلطة في أغسطس/آب 2021.

مشاركة "رسمية" بعد غياب عن قمة مشهد

وأفاد بيان صادر عن مكتب النائب الاقتصادي لرئيس الوزراء في كابل بأن حكومة طالبان تلقت "دعوة رسمية" من أذربيجان للمشاركة في قمة هذا العام، ما يضع هذه المشاركة في سياق مختلف عن قمة العام الماضي التي عُقدت في مدينة مشهد الإيرانية، والتي غابت عنها أفغانستان رغم عضويتها الكاملة في المنظمة.

ووفقًا لوكالة الأنباء الأفغانية "باختر" ، ألقى برادر كلمة خلال الجلسة العامة دعا فيها لعقد القمة القادمة في كابل، وحثّ الأعضاء على الاعتراف بـ"الواقع السياسي الجديد في أفغانستان".

كما أجرى لقاءات ثنائية مع عدد من المسؤولين الأذريين، أبرزهم رئيس الوزراء علي أسدوف.

أذربيجان.. أول من كسر الجليد مع طالبان

وتُعد أذربيجان الدولة الوحيدة التي بادرت إلى افتتاح سفارة لها في كابل بعد عودة طالبان للحكم، حيث أرسلت سفيرًا رسميًا للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين. وقبل عام 2021، لم يكن لأذربيجان تمثيل دبلوماسي في أفغانستان، لكن عقب عودة طالبان إلى السلطة، كانت باكو أول من كسر حالة الجمود، معلنة افتتاح سفارتها في خطوة فُسّرت على أنها إشارة سياسية إيجابية نحو التعاون بعيدًا عن تعقيدات الاعتراف الدولي.

وقد شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين تطورًا ملحوظًا خلال العامين الماضيين، حيث أعربت طالبان مرارًا عن رغبتها في تعزيز التعاون مع أذربيجان في الملفات السياسية والتجارية. كما ناقش الجانبان إمكانيات تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة، والنقل، والربط الإقليمي، بما يخدم مصالح الطرفين ويُسهم في إعادة دمج أفغانستان في محيطها الإقليمي.

مصدر الصورة تُعد أذربيجان الدولة الوحيدة التي بادرت إلى افتتاح سفارة لها في كابل بعد عودة طالبان للحكم (الفرنسية)

قمة بنفَس سياسي واقتصادي

وتأتي هذه المشاركة في سياق أوسع من الجهود التي تبذلها طالبان للانفتاح على دول الجوار الآسيوي، إذ تشكل منظمة التعاون الاقتصادي، التي تضم 10 دول من بينها تركيا، إيران، باكستان، ودول آسيا الوسطى، منصة واعدة لتفعيل التبادل التجاري والمشروعات الإقليمية المشتركة في مجالات البنية التحتية، الطاقة، والنقل.

إعلان

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة التعاون الاقتصادي تأسست عام 1985 بمبادرة من إيران، باكستان، وتركيا بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين الدول الأعضاء.

وفي عام 1992، توسعت المنظمة بانضمام كل من أفغانستان، أذربيجان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، وأوزبكستان، لتصبح بذلك تكتلًا اقتصاديًا إقليميًا ذا ثقل جغرافي وإستراتيجي.

وبحسب تقارير المنظمة، فإن عدد سكان الدول الأعضاء يبلغ نحو 500 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي المجمّع حوالي 2.5 تريليون دولار (2023)، منها 1.1 تريليون دولار لتركيا و400 مليار لإيران.

لكن حجم التبادل التجاري البيني لا يتجاوز 100 مليار دولار، أي نحو 8% فقط من إجمالي تجارة الدول الأعضاء، ما يعكس هامشًا واسعًا للنمو.

وخلال القمة، أقرّ قادة 7 دول -من بينها تركيا وإيران وأوزبكستان وباكستان– إستراتيجية تكامل اقتصادي تمتد حتى عام 2035، تركز على تحرير التجارة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة الخضراء، والنقل، وإعادة إعمار المناطق المتأثرة بالنزاعات.

وقال حكمت حاجييف، مساعد الرئيس الأذربيجاني للسياسة الخارجية، إن الخطة تتضمن إنشاء مركز إقليمي للطاقة الخضراء ومركزٍ للنقل والطاقة في أذربيجان، ضمن رؤية شاملة لتحويل المنطقة إلى ممر اقتصادي محوري.

تحوّل في أولويات طالبان الخارجية

ويرى محللون أن طالبان تحاول عبر هذه الخطوة ترسيخ شكل جديد من "الشرعية العملية" على المستوى الإقليمي، من خلال استثمار أدوات الدبلوماسية الاقتصادية بدلًا من انتظار اعتراف سياسي دولي يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عبد الرحمن نوري للجزيرة نت: "طالبان باتت تُدرك أن كسر العزلة لا يكون فقط عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، بل من خلال بوابات الاقتصاد والتعاون الفني، وهو ما يجعل من منظمة التعاون الاقتصادي فرصة إستراتيجية لربط أفغانستان بمحيطها الحيوي والاقتصادي".

مصدر الصورة أردوغان ( يمين ): خانكندي يمكن أن تتحول إلى "مركز للسلام والتنمية في جنوب القوقاز" (الفرنسية)

ملفات طرحتها أفغانستان

تشير مصادر حكومية إلى أن الوفد الأفغاني طرح عدة ملفات تعاون خلال القمة، من أبرزها:


* إنشاء خطوط نقل تربط أفغانستان بموانئ بحر قزوين: تم التوافق على دراسة جدوى للمشروع بالتنسيق مع أذربيجان وتركمانستان، مما يعزز رؤية المنظمة لتحسين شبكات النقل.
* تفعيل التجارة مع أذربيجان عبر تركمانستان: بما يفتح آفاقًا جديدة لحركة البضائع في ظل غياب الطرق البحرية المباشرة.
* التعاون في الطاقة والزراعة والمشاريع الصغيرة: حيث أبدت دول عدة -بينها أذربيجان وأوزبكستان– استعدادها لتقديم دعم تقني لأفغانستان في هذه المجالات، ضمن "رؤية إيكو 2035" للتنمية المستدامة.
* تحسين البنية التحتية للنقل والاتصالات: مع إمكانية حصول أفغانستان على دعم فني من المنظمة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من النزاعات.

تحديات

رغم المؤشرات الإيجابية، يرى مراقبون أن التحدي الأكبر أمام الحكومة الأفغانية لا يكمن في المشاركة بالمبادرات، بل في توفير بيئة قانونية واستثمارية جاذبة.

إعلان

ويعاني الاقتصاد الأفغاني من تحديات مزمنة، حيث يبلغ عدد السكان نحو 41 مليون نسمة، بينما لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 364 دولارًا (2021).

ويعتمد معظم السكان على الزراعة، وتُقدّر قيمة الصادرات السنوية بنحو مليار دولار مقابل واردات تصل إلى 6 مليارات.

مصدر الصورة أبدت دول منظمة التعاون الاقتصادي رغبتها في تعزيز التعاون مع أفغانستان (الفرنسية)

وفي هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي عبد الظهور مدبر للجزيرة نت: أن المنظمات الإقليمية يمكن أن توفر غطاءً عمليًا للتعاون، لكن دون إصلاحات داخلية، مثل بيئة قانونية مستقرة وتوسيع النظام المصرفي، ستبقى أي شراكة محدودة التأثير.

ويضيف: يجب تعزيز مناخ الاستثمار داخليًا قبل الحديث عن جدوى الانفتاح الخارجي.

وخلال القمة، أبدت دول المنظمة رغبتها في تعزيز التعاون مع أفغانستان، لكنها ربطت ذلك بتحسين الأوضاع الداخلية، خصوصًا في ما يتعلق بحقوق الإنسان والمناخ الاستثماري.

من جهته، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن خانكندي يمكن أن تتحول إلى "مركز للسلام والتنمية في جنوب القوقاز"، فيما أشارت تقارير إلى أن إستراتيجية ECO 2035 ستُعتمد رسميًا في اجتماع مجلس وزراء الخارجية المزمع عقده في كازاخستان نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

فهل تنجح طالبان في تحويل هذه البوابة الاقتصادية إلى رافعة سياسية تعزز حضورها الإقليمي والدولي؟

سؤال مفتوح، تبقى إجابته رهينة بتحولات الداخل الأفغاني، ومدى استعداد الأطراف الدولية والإقليمية للتعامل مع الواقع الجديد في كابل.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار