عند إطلاق دار نشره "سيرماي" قبل خمس سنوات في مدينة تشيناي في الهند، لم يتوقع عويس أحمد كل هذا الترحيب بالكتب العربية المترجمة إلى التاميلية بين الشعب التاميلي.
على الرغم من عدم معرفته بهذا الترحيب في المستقبل، فإن عزيمته لتوفير الكتب الفكرية والأدبية من العالم الإسلامي للقراء التاميل دفعته إلى إطلاق دار نشره، التي أصدرت كتبًا قيمة للمفكرين والأدباء العرب مثل سيد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وغسان كنفاني ونجيب محفوظ ونجيب الكيلاني.
وتعد التاميلية إحدى اللغات التي يعود أصلها إلى آلاف السنين، ويعترف بها لغة رسمية في كل من الهند وسريلانكا وماليزيا وسنغافورة، ويفوق تعداد المتحدثين الأصليين بها 85 مليون نسمة في أنحاء العالم، منهم من يتبعون الإسلام ويشكلون 7 ملايين نسمة.
في البداية، كانت حركة ترجمة الكتب العربية إلى التاميلية تركز على الكتب الإسلامية، لكنها مع مرور الزمن لم تقتصر جهودها على الكتب الدينية فقط، بل وسعتها إلى الكتب الأدبية للأدباء العرب، وحاليًا تعمل عشرات دور النشر في ترجمة الكتب العربية إلى التاميلية.
ومن جانبه، يهتم أحمد، مؤسس دار نشر سيرماي، بنشر كتب الفكر الإسلامي المعاصر، والكتب الأدبية العربية المترجمة إلى التاميلية، وهو دائمًا يختار الموضوعات التي لم يسبق نشرها في التاميلية، والكتب التي تسهم في التقريب بين المسلمين وغيرهم.
ومشيرًا إلى كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" لسيد قطب والذي نشرت ترجمته التاميلية عام 2020، قال أحمد للجزيرة نت "تلقى هذا الكتاب ترحيبًا مميزا في أوساط غير المسلمين في ولاية تاميل نادو في الهند، لأن العدالة الاجتماعية أيديولوجية متجذرة في حركة درافيدا التي أثرت على معظم الأحزاب السياسية في الولاية، فاشترى القراء التاميل هذا الكتاب لمعرفة المنظور الإسلامي حول العدالة الاجتماعية".
ورغم هذا الترحيب المتزايد بالكتب العربية المترجمة في الآونة الأخيرة، فإن المكتبة التاميلية كانت قد شهدت صدور كتب علماء الإسلام المعاصرين منذ عقود، حيث تمت ترجمة كتب علماء الإسلام مثل سيد قطب، وسيد سابق، ومحمد الغزالي، ومصطفى السباعي، ويوسف القرضاوي.
وفي محاولة لتوسيع هذه المكتبة، حققت دار سيرماي ترجمة الكتب الشهيرة، بما فيها "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق"، و"هذا الدين" لسيد قطب، و"قوارب النجاة في حياة الدعاة" لفتحي يكن، و"العقائد" لحسن البنا، و"كتاب التوحيد" لعبد المجيد الزنداني، وعدد من كتب التصوف للمتصوفة.
إلى جانب كتب الفكر الإسلامي، يهتم أحمد ودار نشره بتوفير الكتب الأدبية من العالم الإسلامي للقراء التاميل، وتحظى الكتب العربية بمكان مهم ضمنها، حيث تم نشر وإعادة نشر كتب قيمة للأدباء العرب.
وعند سؤاله عما دفعه إلى اهتمامه بنشر الكتب الأدبية العربية المترجمة إلى التاميلية، أرجع أحمد ذلك إلى عدم وجود الكتب الأدبية العربية للقراء التاميل، في حين يتوفر لهم معظم الكتب الأدبية العالمية باللغة التاميلية.
وأضاف أحمد للجزيرة نت "كان من الصعب أن نجد الكتب الأدبية العربية المترجمة إلى التاميلية في السوق، لأن دور النشر الإسلامية لم تهتم بهذا النوع من الكتب، وإن وجدنا بعض الكتب الأدبية العربية المترجمة قد لا تعكس الحياة الحقيقية للعالم الإسلامي، لأن ناشريها ومترجميها كانوا غير مسلمين يمثلون الفكر العلماني".
استجابة لما يعتقده أحمد عن الكتب الأدبية، نشرت دار سيرماي عدة مؤلفات أدبية بما فيها "رجال في الشمس" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي السوداني الطيب صالح، و"اللص والكلاب" للروائي المصري نجيب محفوظ، و"فارس هوازن" للروائي المصري نجيب الكيلاني، و"أعراس آمنة" للروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، و"ثلاثية غرناطة" للروائية المصرية رضوى عاشور.
وحول ملاءمة ثلاثية غرناطة للقراء التاميل، والتي تتناول في ثلاث روايات منفصلة الظروف القاسية التي عاشها المسلمون الأندلسيون بعد سقوط حكمهم، قال مترجم الثلاثية الدكتور محمد عرفان للجزيرة نت "لا شك في أن الثقافة المحلية التي تتناولها ثلاثية غرناطة جديدة بالنسبة للقراء التاميل، ولكن بعض المشكلات التي تواجهها الأقليات في الهند وسريلانكا تعكس ما تتناوله الثلاثية".
الدكتور عرفان، الذي ترجم أكثر من 50 كتابًا عربيا إلى التاميلية، يعد من أهم المترجمين في العالم التاميلي، وهو محاضر وخبير أجنبي للغة العربية في جامعة الأمير سونكلا في تايلند. وإضافة إلى عمله في الجامعة، دفع اهتمامه بالترجمة إلى اعتماد المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة عليه في ترجمة كتب المعهد إلى التاميلية.
وحول التحديات التي يواجهها المترجمون في ترجمة الكتب العربية إلى التاميلية، أشار الخبير اللغوي عرفان إلى أن المترجمين يضطرون لبذل قصارى جهودهم في سياق انتماء العربية والتاميلية إلى عائلتين لغويتين مختلفتين، وهما السامية والدرافيدية (إحدى أكبر العوائل اللغوية وتضم نحو 23 لغة أغلبها جنوب الهند وسريلانكا).
وحسب ما أوضحه الخبير اللغوي للجزيرة نت، فهذا الانتماء المختلف يجعل الأسلوب اللغوي والكلمات وأصواتها مختلفين تمامًا في اللغتين، كما أن الثقافة المتعلقة بالعربية وتلك المتعلقة بالتاميلية مختلفة تمامًا. ويرى عرفان أن المعرفة العميقة بهذه الجوانب المتعلقة باللغتين ستساعد المترجمين في أداء مهامهم.
وأضاف الخبير عرفان للجزيرة نت "المشكلة المهمة التي تواجهها حركة الترجمة هي أن المترجمين ومن يتمنى أن يصبحوا مترجمين لا يتوفر لديهم المستوى نفسه من المعرفة في اللغتين العربية والتاميلية". بناءً على هذا، ينصح الخبير بأن يتعمق المترجمون في اللغتين في الوقت ذاته.
وفيما يتعلق بتدريب المترجمين لتحمل مهام الترجمة من العربية إلى التاميلية في المستقبل، أشار الخبير إلى أنه كفرد يقوم بتدريبهم، ولكنه دعا الجامعات ومراكز الأبحاث لتكثيف جهودهم في تدريب المترجمين لتشهد المكتبة التاميلية مزيدًا من الكتب العربية المترجمة إلى التاميلية.