آخر الأخبار

تاريخ الجمال في العمائر الإسلامية والقبطية في بني سويف

شارك

عرفت بني سويف في صعيد مصر بأنها إحدى أقدم المحافظات المصرية، وبمكانتها الكبيرة في مصر القديمة. وتحظى إهناسيا -إحدى أهم مدن المحافظة- بحضور لافت في التاريخ الفرعوني، وكان المعبود الرئيسي لبني سويف وإهناسيا هو "حرشف"، الإله الكبش الذي لا تزال بقاياه موجودة بجانب بقايا معبد للملك رمسيس الثاني، أحد أبرز حكام مصر القديمة.

وبني سويف هي بلدة "رع حتب" وزوجته "نفرت"، اللذين يجمعهما تمثالهما الذي يعد من أجمل القطع الأثرية الباقية حتى اليوم في المتحف المصري بوسط القاهرة. ونظرا لأن بني سويف تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، فقد أقيم على أرضها متحف يعرض أهم المكتشفات الأثرية التي عثر عليها خلال الحفائر في مناطق مختلفة من المحافظة.

وإذا كان لبني سويف حضورها في الحضارة المصرية القديمة، فقد كان لها أيضا حضورها في التاريخ القبطي والإسلامي، وهي تمتلك تراثا معماريا فريدا يعود لفترات متعددة في العصر الإسلامي، إلى جانب العمائر القبطية. ورغم هذا التراث والمكانة التي احتلتها بني سويف في التاريخ الإسلامي، فإنها لم تحظ بقدر وافر من الدراسات التي تتناول آثارها وعمارتها القديمة، وخاصة تلك التي ترجع للعصر الإسلامي.

وإذا كانت موسوعة "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، لمؤلفتها الدكتورة سعاد ماهر محمد، قد تحدثت بتوسع عن العمارة في العهد الفاطمي، وهو العهد الذي تنتمي إليه الكثير من عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية، وكذلك العهد المملوكي، فإن كتاب "العمارة الإسلامية والقبطية ببني سويف في العصر الإسلامي"، لمؤلفه الدكتور أحمد عبد القوي، جاء ليغطي جانبا مهما من جوانب تاريخ ومعالم بني سويف، حيث يسرد لنا تاريخ العمائر الإسلامية والقبطية بمدن ومراكز المحافظة، ويقدم لنا وصفا دقيقا لها.

ونتعرف من الكتاب، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، على المساجد الأثرية ببني سويف، وطرزها وأنماطها، والمساجد ذات التخطيط النبوي، والمساجد التقليدية التي تتكون من صحن أوسط مكشوف و4 أروقة، كما نتعرف على الحلي المعمارية والكتابات والنقوش على عمائر بني سويف وقراها.

مصدر الصورة تأثرت عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية بالبيئة المحلية وكان لتنوع التربة في بني سويف وقراها أثره الواضح في تلك العمائر (شترستوك)

مئذنة عمرها ألف عام

يستعرض الكتاب كيف أنشأ المسلمون بمدن وقرى بني سويف العديد من المساجد الجامعة، مثل جامع دلاص الذي يعود للعصر الفاطمي، وتبقى منه مئذنته التي يعود تاريخ إنشائها لقرابة ألف عام مضت، ومنها أيضا مسجد العجمي بمدينة بني سويف الذي يعود للعصر المملوكي، ومسجد قرية بليفيا الذي يرجع تاريخه للعصر المملوكي أيضا.

إعلان

وبالإضافة إلى المساجد الجامعة، فقد أنشئت مساجد صغيرة، مثل مسجد مصطفى طاهر في تزمنت الغربية، ومسجدي الديري والغمراوي. وكان لبني سويف نصيبها من المساجد ذات القباب مثل مسجد السيدة حورية.

ويكشف لنا الدكتور أحمد عبد القوي في كتابه أن أسبابا عديدة أدت إلى عدم وجود مساجد أو كنائس من العصور التي سبقت العصر الفاطمي، ومن تلك الأسباب: المادة الخام التي شيدت بها العمائر، حيث بنيت من الطوب اللبن، وهي مادة ضعيفة أمام مخاطر الفيضان الذي كانت مياهه تغمر البلاد وتطال المساجد والكنائس، إضافة إلى أن الطوب اللبن مادة لا تقوى على البقاء لتأثرها بعوامل الجو، خاصة الرطوبة، إلى جانب دخول تغييرات وتجديدات على الكثير من المساجد في العصور اللاحقة لإنشائها. وبحسب الكتاب، فقد تنوعت طرز المساجد في بني سويف، فمنها ما ارتبط بشخصيات بارزة كان لها حضورها وسطوتها، ومنها ما شيده العامة.

مصدر الصورة جامع دلاص الأثري أحد شواهد العصر الفاطمي لم يتبقَّ منه سوى مئذنته التي يعود تاريخها إلى نحو ألف عام مضى (مولدة بالذكاء الاصطناعي-الجزيرة)

مؤثرات محلية

تأثرت عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية بالبيئة المحلية، وكان لتنوع التربة في بني سويف وقراها أثره الواضح في تلك العمائر، خاصة في ظل ما عرفته البيئة المحلية من تنوع في المواد الخام التي استخدمت في أعمال البناء، وفي مقدمة تلك المواد الحجر، حيث يتوفر في شرق النيل ببني سويف أحجار الرخام، ومحاجر الجبس والجير الأبيض، وكذلك حجر المرمر. وقد جاءت المواد الخام التي استخدمت في تشييد العمائر من مناطق صحراوية تقع داخل حدود المحافظة، ومناطق تسمى بالسهل الفيضي وتقع على الجانب الغربي من نهر النيل.

ووفقا لفصول الكتاب، فإن توفر الحجر أتاح للمعماري القديم أن يشيد مئذنة رائعة لمسجد الديري على النمط المملوكي، وأن يبني المسجد من مادة الحجر مع مداميك من الطوب الأحمر (الآجر). وينطبق الأمر في استخدام الحجر على مسجدي "السيدة حورية" و"العجمي". واستخدم الحجر أيضا في تشييد مسجدي "مصطفى طاهر" و"الغمراوي"، وفي بناء واجهات وأعمدة مسجد أمير الدين.

وعرفت كنائس بني سويف استخدام الحجر في أعمال البناء، حيث استخدم في كنيستي دير الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس، وخاصة في الوحدات المعمارية الملحقة بهما. أما القرى الواقعة ضمن السهل الفيضي، بين نهر النيل وبحر يوسف، فقد عرفت استخدام الطوب اللبن والآجر في بناء عمارتها القديمة.

وكان للمناخ تأثيره أيضا، حيث كان من المهم عمل فتحات تهوية في عمائر بني سويف الإسلامية والقبطية لتمرير الهواء والتقليل من الشعور بارتفاع درجات الحرارة في صعيد مصر، وكمنفذ يجلب الضوء أيضا.

مصدر الصورة كان هناك تأثير للعمارة الإسلامية على عمارة الكنائس، تمثل في برج الجرس الذي جاء في بعض الكنائس مرتفعا لتأثره بالمئذنة الإسلامية، في الصورة "دير الأنبا بولا في بني سويف" (البوابة الإلكترونية لمحافظة بني سويف)

بين المساجد والكنائس

وكما يقول الدكتور أحمد عبد القوي في كتابه، فإن الأديرة وجدت ببني سويف في العصر الإسلامي، كما وجدت أديرة من عصور ما قبل الإسلام، لكنها عمرت ونشطت في ظل الدولة الإسلامية. ووفقا له، فرغم أن الأديرة قد انتشرت بالصحراء، فإن هناك ديرين بنيا في وسط العمران، هما دير الأنبا بولا ودير الأنبا أنطونيوس. ويرى البعض أن سبب وجودهما في مناطق العمران يرجع إلى أنهما جرى توظيفهما في إمداد الديرين الواقعين بالصحراء الشرقية، ويحملان الاسم نفسه، بالمؤن ومواد الإعاشة.

إعلان

ويوضح الكاتب أنه كان للحرية الدينية التي تمتع بها أقباط مصر في العصر الإسلامي دورها في إنشاء العديد من الكنائس كدور للعبادة في مدن وقرى بني سويف. وقد اتخذت هذه الكنائس نمطا معماريا موحدا في تخطيطها، إذ تتكون من مساحة مستطيلة مقسمة إلى 3 أروقة، يغطي كل رواق 3 قباب، ويغطي الهيكل 3 قباب منخفضة عن قباب الصحن. ويفصل الصحن عن حجرات الهيكل حجاب خشبي تأثر صانعوه كثيرا بزخرفة الأخشاب عند المسلمين، حتى إننا لنجد أن بعض الأحجبة زخرفت بالزخرفة الإسلامية التي ابتكرها المسلمون وحدهم، وهو "الطبق النجمي"، كما نرى في حجاب كنيسة الأنبا بولا.

وتأثر الصناع المسيحيون بالنصوص الكتابية التي تعلو المداخل والمنابر والمحاريب، فكتبوا على الأحجبة ما يتوافق مع عقيدتهم وأرخوا لصناعتها أو لبناتها.

ولم يتوقف تأثر المسيحيين بالزخارف والكتابات الإسلامية فقط، بل تأثروا كذلك بالعمارة الإسلامية، وظهر ذلك جليا في بناء الكنائس نفسها، حيث يلاحظ وجود القباب التي تغطي صحن الكنيسة، في تأثر واضح بالقباب الإسلامية. وتدلنا فصول الكتاب على أنه كان هناك تأثير آخر للعمارة الإسلامية على عمارة الكنائس، تمثل في برج الجرس الذي جاء في بعض الكنائس مرتفعا لتأثره بالمئذنة الإسلامية، حيث اتخذ شكل المبخرة كما كانت المئذنة الإسلامية.

يذكر أن بني سويف عرفت الكثير من أنماط العمارة، فكان بجانب المساجد والكنائس، الأسبلة والوكالات والحمامات وغير ذلك من الأنماط المعمارية التي كانت تتزين بها مدن وقرى المحافظة، والتي اندثر بعضها وبقي بعضها الآخر.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار