عقب استقلالها وتوقيع معاهدة باريس للعام 1783، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع علاقات مضطربة مع بريطانيا. ومع بداية القرن التاسع عشر، تزايدت حدة الخلاف بين البلدين بسبب السياسات البريطانية. فبتلك الفترة، مارس البريطانيون ضغوطا ومنعوا الأميركيين من التجارة مع الفرنسيين ضمن نوع من سياسة الحصار على فرنسا. أيضا، لجأت بريطانيا لممارسة نوع من القرصنة البحرية، حيث لم تتردد الأخيرة في اعتقال البحارة الأميركيين بعرض البحر لإجبارهم على العمل بالبحرية البريطانية.
ومستغلين انشغال بريطانيا بالحروب النابليونية والرغبة بالتوسع شمالا على حساب المستعمرات البريطانية بشمال القارة الأميركية، أعلن الأميركيون الحرب على بريطانيا خلال شهر يونيو (حزيران) 1812.
خلال الحرب الأميركية البريطانية التي اندلعت عام 1812، حاول الأميركيون السيطرة على مناطق كندا الحالية التي كانت حينها خاضعة لسلطة البريطانيين. وبهذه الحرب التي شهدت تحالف العديد من قبائل السكان الأصليين مع كلا الطرفين، جرت أغلب المعارك عند المناطق المحيطة بالبحيرات الكبرى والساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية.
من جهة ثانية، شهدت هذه الحرب كارثة حرق العاصمة الأميركية واشنطن. فمع دخولهم إليها خلال أغسطس (آب) 1814، أقدم البريطانيون على إضرام النار بالبيت الأبيض وعدد من المباني الرئيسية بالعاصمة واشنطن. أيضا، عرفت مدينة بوفالو (Buffalo) بولاية نيويورك مصيرا مشابها حيث أحرقت الأخيرة من قبل البريطانيين عقب معركة طاحنة حولها.
ففي خضم هذه الحرب، عبرت القوات الأميركية النياغارا (Niagara) وحلت بقرية نيوارك (Newark) بالمستعمرات البريطانية الشمالية. وهنالك، تكفل الأميركيون بحرق هذه القرية بأكملها تاركين سكانها بدون مأوى خلال فصل الشتاء.
وكرد على ذلك، عبر البريطانيون، وحلفاؤهم من السكان الأصليين، بقيادة الجنرال فينياس ريال (Phineas Riall) النياغارا يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) 1813 وحلوا بالقرب من مدينة بوفالو. وبعد معارك ضارية، فضلت القوات الأميركية الانسحاب خوفا من إمكانية تطويقها.
وعلى إثر ذلك، دخل البريطانيون يوم 30 ديسمبر (كانون الأول) 1813 مدينة بوفالو وأضرموا النار فيها بالكامل. وقد أسفر الحريق حينها عن دمار هائل بالمدينة حيث لم ينجُ من مبانيها سوى أربعة مبانٍ فقط. لاحقا، تقدم البريطانيون نحو قرية بلاك روك (Black Rock) وأحرقوها بالكامل قبل أن يعودوا أدراجهم نحو مستعمراتهم بالشمال.
أسفرت عملية حرق بوفالو وبلاك روك عن تشريد عدد كبير من الأميركيين الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى خلال الشتاء. وبعد بضعة أسابيع، عبّر قائد القوات البريطانية بشمال القارة الأميركية عن أسفه لما حصل مؤكدا أن حرق بوفالو كان ردا شرعيا على حرق نيوارك.
خلال السنوات التالية، أعادت بوفالو بناء نفسها وتحولت بشكل سريع لمدينة ذات مكانة اقتصادية هامة بولاية نيويورك. وفي المقابل، فقدت بلاك روك مكانتها، بعد أن كانت منافسة لبوفالو، وتحولت بمرور الوقت لجزء من مدينة بوفالو.
المصدر:
العربيّة