يعمل بعض صُنّاع الموسيقى في الظل، يمنحون الأصوات بريقها، والكلمات روحها، في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتتبدّل الأذواق.
من بين هؤلاء يبرز اسم شادي حسن، ملحن اختار أن يصعد بهدوء، وأن يترك لألحانه مهمة التقديم والتمهيد. تعاون مع كبار النجوم، من عمرو دياب إلى تامر حسني ورامي صبري ومحمد حماقي، وقدم تجربة موسيقية تمتزج فيها الحرفة بالإحساس.
وفي حواره مع "العربية.نت"، كشف عن عوالمه الخاصة، وبداياته الفنية، كما تحدث عن كواليس الأغاني التي علقت في ذاكرة الجمهور، عن الفن كمسؤولية، والنجاح كاختبار دائم، وعن المسافة بين ما يُلحنه للعالم، وما يحتفظ به لنفسه، وعن علاقته بالهضبة عمرو دياب وتلحينه له في ألبومه الأخير، كما تحدث عن تجربته مع النجوم تامر حسني ورامي صبري، وأعماله القادمة مع محمد حماقي.
بصراحة، الدخول إلى عالم عمرو دياب لم يكن بالأمر السهل. كنت أعلم تماماً أن هذا الفنان لا يختار أعماله اعتباطًا، بل يزن كل تفصيلة بعناية شديدة. لقائي الأول به كان من خلال ترشيح، ووقتها لم يتم التعاون فوراً. لكن حينما وصلت إليه لحن أغنية "جماله" شعر بشيء مختلف، وكانت تلك لحظة التحوّل بالنسبة لي. ومنها بدأنا التعاون الذي تُوِّج لاحقًا بأعمال تركت أثرًا في الجمهور.
قمت بتلحين أغنية "دايما فاكر"، وهي من كلمات تامر حسين في الألبوم الجديد الذي صدر منذ أيام.
عمرو دياب ليس مجرد مطرب؛ هو عقل موسيقي يُدرك تمامًا ما الذي يبحث عنه. لا يطلب لحناً سريعاً أو رائجاً فقط، بل يبحث عن إحساس صادق، عن شخصية موسيقية تحمل بصمة. حين تعمل معه، تشعر أنك في "ورشة بحث" وليس مجرد جلسة تلحين. هو يطرح الأسئلة، يناقش، يقترح، ويقودك إلى أفضل ما فيك دون أن تشعر.
تامر من الفنانين الذين يتمتعون بطاقة تلقائية وصدق ظاهر، وهو شديد القرب من الناس في اختياراته وأدائه. بدأت علاقتنا من خلال مشروع أغنية كنت أعمل عليها مع الشاعر عمرو تيام، وكان من الواضح أن تامر سيكون الاختيار الأمثل لأدائها. تطور الأمر سريعًا، وتحوّلت الفكرة إلى أغنية "فعلاً مايتنسيش"، التي جمعته مع رامي صبري.
في الحقيقة، لم تكن الفكرة منذ اللحظة الأولى قائمة على أنها "دويتو"، لكن كلما تطوّر اللحن بدأنا نشعر أن هناك مساحة لشخصيتين غنائيتين مختلفتين أن تتحاورا عبره. وهنا جاءت الفكرة بأن يكون رامي صبري وتامر حسني، ورامي يقدّم حالة مختلفة تماماً عن تامر، مما منح الأغنية نوعاً من التوازن والتضاد المحبب.
رامي فنان يملك حساً غنائياً عالياً، وهو واضح وصريح في اختياراته، ويدافع عن الأغنية التي يؤمن بها. خلال العمل على "فعلاً مايتنسيش"، أبدى حماساً كبيراً، وساهم في تطوير أداء الأغنية بطريقة جعلتني أرى اللحن من زاوية جديدة. أحب هذا النوع من التعاون الذي لا يكتفي بأن يؤدي المطرب اللحن بل يضيف إليه من روحه.
أعتقد أن النجاح جاء من صدق الفكرة وبساطتها في آنٍ. اللحن خرج من منطقة عاطفية لا تتصنّع الحزن أو الفرح، بل تقول ما يشعر به الإنسان العادي ببساطة. كما أن التوزيع الموسيقي الذي قدّمه طارق توكل أضاف للأغنية إيقاعاً متجدداً جعلها سهلة الوصول إلى قلوب المستمعين.
أنا أميل إلى الأغاني ذات الإيقاع السريع لأنها مبهجة وتساهم في إسعاد الناس في الأفراح والأماكن العادية، لذلك أحب هذا النوع من الأغاني.
أُكن احتراماً كبيراً لمحمد حماقي، وأعتبره من أكثر الفنانين وعياً بما يريد أن يُقدمه. تحدثنا في أكثر من مناسبة عن إمكانية التعاون، وهناك بالفعل مشروع موسيقي قيد التحضير في الألبوم الجديد، وأؤمن أن الوقت المناسب سيفرز العمل المناسب، وأتطلع أن يكون بيننا تعاون قريباً يضيف إلى رصيدي وإلى ذائقته المتميزة.
كل فنان من هؤلاء هو مدرسة فنية مستقلة. عمرو دياب يتعامل مع الموسيقى كعالم متكامل من الفكرة إلى التفاصيل الدقيقة، وتامر حسني يحمل روحاً تجريبية ويحب المغامرة في الأداء، أما رامي صبري فصوته مفعم بالصدق ويملك "كاريزما" حقيقية حين يغني، في حين أن حماقي يركّز على الكمال في كل تفصيلة، سواء في اللحن أو التوزيع أو حتى اختيار الكلمة.
لا أضع أمامي مبدأ الانتشار أو الحسابات الرقمية فقط. أكثر ما يهمني هو أن أكون مؤمناً باللحن قبل أن أقدمه. أحياناً أرفض مشاريع كبيرة فقط لأنني لا أشعر بالصدق فيها. اللحظة التي لا أشعر فيها بشحنة عاطفية تجاه ما أقدمه، هي اللحظة التي أفقد فيها مبرراً للاستمرار.
ربما أكون قد تعاملت مع معظم الأصوات التي كنت أحلم بها، لكن الحلم الحقيقي هو أن أصل يوماً إلى مرحلة يستطيع فيها أي شخص يسمع لحناً لي، أن يقول: "هذا لحن شادي حسن".. أن أترك أثراً موسيقياً يحكى عنه بعد سنوات، هذا هو الحلم الأهم.