بمجرد أن توقفت الأمطار وعادت أشعة الشمس لتضيء سماء العاصمة المغربية الرباط، دبّت الحركة من جديد في السوق القديم "باب الأحد"، الذي امتلأ بالزوار من المغاربة والأجانب القادمين لمتابعة منافسات بطولة كأس أمم أفريقيا التي يحتضنها المغرب من 21 ديسمبر/ كانون الأول 2025 حتى 18 يناير/ كانون الثاني 2026.
أجواء البطولة طغت بشكل واضح على مختلف أرجاء السوق، حيث عمد التجار إلى تكييف معروضاتهم بما يتناسب مع هذا الحدث القاري، الذي يُعد فرصة حقيقية لانتعاش الحركة التجارية وزيادة المداخيل، خاصة مع توافد أعداد كبيرة من الزوار من داخل المغرب وخارجه.
غير بعيد عن أحد أسوار سوق باب الأحد، يوجد مطعم شعبي يقدم الأكلات المحلية، يكاد لا يخلو من الزبائن على مدار اليوم، خصوصاً مع الحضور اللافت للمشجعين الجزائريين، الذين يشكّلون نسبة كبيرة من رواد السوق، إلى جانب جماهير أخرى قادمة من تونس ودول أفريقية مختلفة.
سألنا أحد عمّال المطعم، الذي كان يرتدي قميص المنتخب المغربي ويوزّع الوجبات بابتسامة لا تفارقه، عن تأثير البطولة على نشاطهم، فأكد أن الإقبال عرف ارتفاعاً ملحوظاً منذ انطلاق المنافسات، رغم الأمطار، مشيراً إلى أن أغلب الزبائن من مشجعي المنتخبات الأفريقية، إضافة إلى زوار من فرنسا وإسبانيا.
وبالقرب من المطعم تنتشر محلات تبيع قمصان المنتخبات المشاركة في البطولة، حيث ازداد الإقبال على شراء قمصان المنتخب المغربي ، خصوصاً تلك التي تحمل أسماء نجومه مثل حكيمي ودياز. كما تشهد الأعلام ومستلزمات التشجيع رواجاً كبيراً، لتتحول إلى مصدر دخل مهم للعديد من صغار التجار في السوق القديمة بالرباط.
وما يلفت الانتباه في هذا الفضاء التجاري هو ابتكار بعض التجار لطرق عرض غير تقليدية، تماشياً مع أجواء البطولة . فقد عمد أحد بائعي التوابل إلى تزيين أوعيته بألوان المنتخبات المشاركة، ووضع مجسّم يشبه كأس إفريقيا داخل محله، ليمنح الزبائن فرصة التقاط الصور التذكارية، في خطوة تهدف إلى جذب الانتباه وتشجيع الزوار على اكتشاف متجره.
ويوضح نبيل النوري، رئيس النقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالمغرب، في حديثه لـ DW عربية أن كأس أفريقيا بالمغرب يعد رافعة حقيقية للتجارة الاستهلاكية "ويعزز صورة المغرب كوجهة سياحية واقتصادية جذابة" ويوضح أنه قبل انطلاق بطولة أمم أفريقيا قامت النقابة الوطنية للتجار والمهنيين بعدة لقاءات توعوية لإنجاح هذه التظاهرة الأفريقية "شملت التكوين في عدة جوانب منها تحسين الفضاءات التجارية وإشهار لائحة الأسعاروتحسين الخدمات وحسن الإستقبال للسياح والزوار لإعطاء صورة لائقة لبلدنا المغرب حتى تعود بالنفع على التاجر والمستهلك".
من العبارات التي راجت بين المشجعين المغاربة في الآونة الأخيرة قولهم: "لديهم سوق واقف في قطر، ولدينا سوق جالس في الرباط"، في إشارة إلى ساحة باب الأحد التي تحولت إلى فضاء نابض بالحياة، يجتمع فيه المشجعون من مختلف الجنسيات للاحتفال والسهر حتى ساعات متأخرة من الليل.
ولم تخلُ الساحة من عروض ترفيهية، حيث قدّم بعض المشجعين استعراضات كروية ومهارات فردية، فيما نظّم آخرون تحديات رياضية تفاعلية جذبت أنظار الحاضرين، من بينهم مشجعون يرتدون قمصان المنتخب التونسي، ما أضفى أجواء من المرح والتقارب بين الجماهير.
في أزقة السوق وساحته، يصعب ألا تصادف المشجعين الجزائريين، الذين اتخذوا من المكان نقطة تجمع رئيسية لهم. ومن بين الهتافات التي رددوها أغنية تقول: "من سطيف لمغنية والدخلة على وجدة"، في إشارة رمزية إلى تطلعهم لفتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر.
أحد المشجعين الجزائريين، قدم من فرنسا رفقة مجموعة من أصدقائه، عبّر عن هذا الشعور قائلاً إنهم يتمنون فتح الحدود بعد أكثر من ثلاثين سنة من الإغلاق، مضيفاً: "انظروا إلى العداوة التاريخية بين فرنسا وألمانيا، واليوم هما شريكان وصديقان".
هكذا، فرضت أجواء التآخي والتقارب بين الجماهير نفسها على هامش البطولة، في وقت يواصل فيه التجار استثمار هذا الزخم بأساليب مبتكرة، ما يجعل من كأس أمم أفريقيا مناسبة لا تقتصر فوائدها على الجانب الرياضي فحسب، بل تمتد لتشمل الحراك الاقتصادي والاجتماعي في قلب العاصمة المغربية.
تحرير: صلاح شرارة
المصدر:
DW