آخر الأخبار

معركة الحقيقة في غزة واستنساخ إرث "الأبارتهايد" الفاشل

شارك

الحدث الإسرائيلي

يشخص الكاتب والباحث الإسرائيلي دان ساغير المحاولات الحكومية الراهنة لطمس وقائع الحرب في قطاع غزة بوصفها إعادة تدوير لسياسات بائدة، مشبهاً منع دخول الصحفيين الأجانب وحظر التغطية المستقلة بممارسات نظام الفصل العنصري "الأبارتايد" في جنوب أفريقيا سابقاً. ويرى ساغير أن الإستراتيجية الإسرائيلية التي بدأت مع اندلاع الشرارة الأولى للحرب في أكتوبر 2023 لم تكن مجرد إجراء أمني عابر، بل محاولة ممنهجة للسيطرة على الوعي العالمي ومنع وصول المشاهد المروعة من داخل القطاع إلى الضمير الدولي، وهي مساعٍ يصفها بأنها محكومة بالفشل الحتمي في عصر الانفتاح المعلوماتي.

ظلال جنوب أفريقيا فوق ركام غزة

يستعيد ساغير تجربته الشخصية إبان حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث لجأ النظام هناك في عام 1985 إلى حظر وجود فرق التلفزة والمصورين الأجانب في مناطق المواجهات، مدعياً حينها أن الكاميرات هي التي تؤجج المشاعر وليست الممارسات القمعية. ويشير الكاتب إلى أن الحجج التي تسوقها إسرائيل اليوم حول "عدم حيادية الإعلام الأجنبي" هي ذاتها الذرائع التي استخدمها نظام "الأبارتايد" قبل عقود لتبرير طرده للصحفيين، وهي الخطوة التي طالت الكاتب نفسه آنذاك. ويؤكد أن الهدف في الحالتين واحد، وهو عزل الجلاد عن عيون العالم وخلق واقع بديل يتناسب مع الرواية الرسمية للسلطة.

السردية المستحيلة وسقوط جدار الرقابة

رغم الإغلاق المحكم والمرافقة اللصيقة من قبل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للحالات النادرة التي سُمح فيها بدخول مراسلين أجانب، يرى ساغير أن السيطرة على " القصة الحقيقية " باتت ضرباً من الخيال. فبينما نجح نظام جنوب أفريقيا قديماً في الحد من التغطية التلفزيونية عبر إعلان حالة الطوارئ، فإن إسرائيل تواجه اليوم تحدياً لا يمكن قمعُه يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي. ويشدد الكاتب على أن كل مواطن في غزة يحمل هاتفاً محمولاً قد تحول إلى شاهد عيان ومراسل محتمل، مما جعل الحصار الإعلامي مخرقاً من الداخل عبر تدفق الصور والبيانات التي تصل إلى العالم بضغطة زر.

ضريبة الدم والصمود الإعلامي

يتوقف ساغير عند الدور البطولي للصحفيين الفلسطينيين داخل القطاع، الذين تولوا زمام التغطية بعد منع زملائهم الأجانب. ويوضح أن استهداف هؤلاء الصحفيين من قبل الجيش الإسرائيلي، والذي دفع فيه الكثيرون حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة، لم ينجح في وأد الرواية، بل زاد من إصرار القنوات الدولية ذات الانتشار الواسع، وفي مقدمتها قناة الجزيرة، على الاستمرار في كشف المستور. وفي المقابل، ينتقد الكاتب حالة الانغلاق داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث اكتفت وسائل الإعلام المحلية ببيانات المتحدث العسكري، مما خلق فجوة هائلة بين ما يراه الجمهور الإسرائيلي وما يشاهده العالم بأسره من صور المجاعة والدمار.

حتمية الانكشاف ودرس التاريخ الأخير

يخلص دان ساغير إلى نتيجة قطعية مفادها أن الحكومات مهما بلغت قوتها في فرض الرقابة أو طرد الشهود وصناعة واقع زائف، فإنها لا تستطيع الصمود أمام قوة الحقيقة. ويؤكد أن الدرس المستفاد من تجربة جنوب أفريقيا هو أن محاولات تشكيل الوعي عبر الحجب القسري للواقع تنتهي دائماً بانهيار السردية الرسمية أمام الضغوط الدولية وتلاحم الحقائق. فالحقيقة التي تحاول إسرائيل إخفاءها اليوم خلف أسوار غزة ستظهر بالكامل غداً، لأن أدوات القمع التقليدية لم تعد صالحة لمواجهة عصر توثيق اللحظة بالصوت والصورة.

المصدر: الحدث/ هآرتس

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا