منذ انطلاقة كأس العالم لكرة القدم عام 1930 وحتى نسخة قطر 2022، تغيّرت ملامح اللعبة، وتطوّرت المدارس التكتيكية من الدفاع الصارم إلى الكرة الشاملة، لكن هناك ظاهرة واحدة ظلت صامدة أمام الزمن: كل منتخب تُوِّج باللقب العالمي كان يقوده مدرّب من نفس جنسية المنتخب.
ورغم العولمة الواسعة في كرة القدم وتبادل المدارس التدريبية بين القارات والمنتخبات، فإن كأس العالم ظل عصيّا على المدربين الأجانب حتى عام 2022. هذه الظاهرة التي تبدو "مصادفة إحصائية" للوهلة الأولى، أصبحت اليوم حقيقة راسخة تؤكدها الأرقام والتاريخ.
فعلى مدى أكثر من 90 عاما، تعاقب على منصة المجد أسماء خالدة مثل فيتوريو بوزّو، هيلموت شون، ماريو زاجالو، مارتشيلو ليبي، ديدييه ديشامب، وليونيل سكالوني، وجميعهم حملوا راية أوطانهم داخل وخارج الملعب.
هذا السجل الفريد فتح باب الجدل بين المحللين: هل الانتماء الوطني هو سر النجاح في المونديال ؟ أم أن قوة المنظومات الكروية في الدول الكبرى هي التي جعلت الاستعانة بمدرّب أجنبي غير ضرورية؟
في هذا التقرير الشامل نستعرض القائمة الكاملة لكل المنتخبات الفائزة بلقب كأس العالم (2022/1930)، مع أسماء مدربيها وجنسياتهم، ونرصد آراء الخبراء حول سرّ تفوق المدرّبين الوطنيين واستمرار هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ البطولة الأعرق في كرة القدم.
في السطور التالية، نستعرض القائمة الكاملة لجميع المنتخبات الفائزة بكأس العالم من 1930 حتى 2022، مع أسماء مدربيها وجنسياتهم، قبل أن نحلل لاحقا سرّ استمرار هذه الظاهرة التاريخية وآراء الخبراء حولها.
الخبراء والصحف العالمية قدموا تفسيرات متعددة تجمع بين العوامل الفنية والثقافية والنفسية، أبرزها ما يلي:
ذكرت صحيفة "أس" الإسبانية أن "المدرّب الوطني يعيش مشاعر اللاعبين ويعرف تفاصيلهم النفسية، وهو ما لا يستطيع المدرب الأجنبي تحقيقه بسهولة مهما بلغت خبرته".
وأضافت أن الارتباط العاطفي والانتماء المشترك يولدان حافزا إضافيا داخل غرفة الملابس، خصوصا في بطولات قصيرة تعتمد على الروح الجماعية أكثر من الزمن الطويل للعمل.
تحليل نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أشار إلى أن المنتخبات التي فازت بالبطولة -مثل البرازيل وألمانيا وإيطاليا وفرنسا- تمتلك منظومات تدريب محلية متكاملة ومدارس كروية غنية، ما يجعل الاعتماد على مدرب وطني أمرا طبيعيا.
وأضاف التقرير أن هذه الدول تملك وفرة في الكفاءات الفنية المؤهلة لقيادة المنتخبات الكبرى، لذلك لم تضطر للاستعانة بمدربين أجانب.
مجلة "فرانس فوتبول" رأت أن النجاح في كأس العالم يتجاوز الجانب التكتيكي إلى فهم الثقافة الكروية للمجتمع: "المدرّب الوطني يعرف عقلية جماهيره، وضغوط الإعلام، وتاريخ المنتخب، وهذا يمنحه ميزة نفسية هائلة في إدارة اللحظات الحرجة".
ولذلك ربطت المجلة بين هوية المدرب ونجاح المنتخبات في إدارة الضغط خلال مراحل الإقصاء.
في المقابل، أشارت مجلة "فوربس" الأميركية إلى أن عصر العولمة جعل التكتيكات الكروية متقاربة، لكن العوامل العاطفية والرمزية ما زالت تميّز المدرب الوطني.
وجاء في تحليلها: "الكفاءة يمكن أن تتنقل بين الدول، لكن الانتماء لا يُستورد، ولهذا يظل المدرب المحلي الأقرب لوجدان لاعبيه وشعبه".
تساءلت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في تقرير موسّع عام 2023 عن احتمالية أن يفوز مدرّب أجنبي باللقب يوما ما، وقالت: "في ظل تولّي مدربين أجانب لمنتخبات كبرى مثل إنجلترا وبلجيكا، قد تنكسر القاعدة يوما، لكن حتى الآن يبدو أن كأس العالم يحبّ أبناء الوطن أكثر من الغرباء".
ويُجمع المراقبون على أن المدرب الوطني في كأس العالم هو أكثر من مجرد قائد فني؛ إنه رمز للهوية، وجسر بين الشعب وفريقه، ومرآة لثقافة بلد بأكمله.
لهذا، ظلّ اللقب العالمي حكرا على من يفهم وجدان أمته، ويتحدث لغة لاعبيه، ويقودهم بعاطفة الانتماء قبل عبقرية الخطط.
ويبقى السؤال مفتوحا أمام المستقبل: هل سيكسر مدرّب أجنبي هذه القاعدة التاريخية في مونديال 2026؟ أم سيبقى كأس العالم أوفى لأبنائه كما كان طوال 90 عاما؟