عندما غرقت سفينة تايتانيك عام 1912، لقي مُعظم الضحايا في شمال المحيط الأطلسي، الذي بلغت درجة حرارته سالب 2 مئوية، حتفهم في غضون دقائق من صدمة البرد والسكتة القلبية.
لا يمتلك البشر مضادا للتجمد في دمائهم، حيث تبدأ خلايانا بتكوين بلورات جليدية في درجة حرارة صفر مئوية، مما يثقب الأغشية ويُسبب أضرارا مميتة.
لذلك، تتجمد الأنسجة البشرية في غضون دقائق في المياه القطبية بدون معدات واقية، وقد يبقى الشخص في ماء بدرجة حرارة 0 درجة مئوية على قيد الحياة مدة 15-30 دقيقة على الأكثر.
على الجانب الآخر، تتميز الغابات الشمالية في ألاسكا وكندا ببعضٍ من نطاقات درجات الحرارة الأكثر درامية في العالم، حيث يمتد النهار في الصيف إلى 24 ساعة، وقد تصل درجات الحرارة إلى 30 مئوية.
أما الشتاء، فيجلب معه بعضًا من أبرد درجات الحرارة على وجه الأرض، فليس من غير المألوف أن تصل درجات الحرارة إلى أكثر من 40 تحت الصفر!
بل وسجّلت "بروسبكت كريك"، جنوب سلسلة جبال بروكس، وهي سلسلة جبال في أقصى شمال أميركا الشمالية تمتد نحو 1100 كم من الغرب إلى الشرق عبر شمال ألاسكا إلى إقليم يوكون بكندا درجات حرارة أبرد من ذلك وصلت إلى سالب 62 مئوية، وهناك تعيش "الضفادع الخشبية" أو "الضفادع الحرجية".
هذا النوع من الضفادع ينتشر على نطاق واسع في أميركا الشمالية، يعيش في معظم كندا، وغابات الشمال ويصل إلى ما وراء الدائرة القطبية الشمالية، يشمل نطاقه كذلك ألاسكا، في غرب القارة، وصولًا إلى شمال جورجيا وجنوب جبال الأبلاش في الجنوب الشرقي، وقد لفت ضفدع الخشب انتباه علماء الأحياء لتحمله التجمد.
في الواقع، يمكن أن يتحول ما يصل إلى 65-70% من ماء جسم الضفدع إلى جليد. في الشتاء نحن أمام كائن شبه ميت: لا توجد حركة عضلية، ولا نبض في القلب، ولا تنفس. طوال فصل الشتاء، يكون ضفدع الغابة ككتلة من الحجر الصلب المتجمد المنحوت على شكل ضفدع.
شيء عجيب، كيف يتوقف نبض قلب هذا الكائن شهورا عدة دون أن يموت؟ حينما يستشعر دماغ الضفدع بدايات البرد، فإن كبده يفرز كميات كبيرة من السكر، والذي ينتشر في الدم والخلايا، يحمي السكر خلايا الضفدع من الانفجار أو التمزق عند تجمّد الماء داخل الجسم.
كذلك، حيث يغمر هذا الكائن خلاياه باليوريا قبل التجمد، وهما يعملان كعاملين واقيين من التجمد، فهما يُثبّتان البروتينات والأغشية ويمنعان تكون الجليد داخل الخلايا.
بدلاً من ذلك، يتكون الجليد فقط في الفراغات خارج الخلايا، أثناء دخوله في حالة جمود أسابيع أو أشهر من الشتاء، ومع حلول ذوبان الجليد في الربيع، يذوب جليد الضفدع ويستأنف نشاطه.
في عام 2021، جمع فريق من علماء الحيوان ضفادع خشبية قرب فيربانكس في ألاسكا، وجمّدوها إلى سالب 16 درجة مئوية، وعندما تمكنت هذه المخلوقات من العودة للحياة بعد الذوبان، بحث الفريق عن صفات جسدية قد تفسر هذه المرونة الفائقة.
ووجد بحسب الدراسة التي نشرت في "جورنال أوف إكسبرمنتال بيولوجي" أن ضفادع ألاسكا تخزن كميات مذهلة من سكر معقد (يُسمى الجليكوجين) في أكبادها التي تنمو بمقدار 1.5 ضعف نسبة إلى كتلة الجسم مع استعدادها لفصل الشتاء، وبسبب ذلك وصف الباحثون هذا الضفدع بأنه "كبد متحرك".
مثلما يفعل الإنسان، حينما ينتهي السكر الذي حصل عليه من الوجبة الأخيرة، يُحوّل الكبد هذا الجليكوجين (السكر المخزن) لاحقًا إلى جلوكوز، وهو مادة واقية من التجمد معروفة، تنتشر بسرعة في جميع خلايا الجسم عند انخفاض درجات الحرارة.
كما لاحظ الباحثون تراكم نحو ثلاثة أضعاف كمية اليوريا في بلازما دم ضفادع ألاسكا، وهي مادة واقية من التجمد. وُجدت مادة ثالثة، لا تزال هويتها غامضة، في ضفادع ألاسكا، ولا يزال العلماء يتابعون الأمر.
قبل الشتاء، يأكل الضفدع كثيرًا في الخريف، ويخزن الطاقة في شكل دهون تحت الجلد وفي الكبد، أو سكر جلوكوز يمكن استخدامه لاحقًا، ويستخدم هذه الدهون ببطء شديد جدًا خلال فترة السبات، ولأن جسمه يكون تقريبًا متوقفا، فهو لا يستهلك كثيرا من الطاقة.
أدنى درجة حرارة مسجلة لجسم إنسان حتى كتابة هذه الكلمات، كانت للطفل "آدم" البالغ من العمر 27 شهرًا، والتي تم قياسها باستخدام مقياس حرارة شرجي، كانت 11.8 درجة مئوية، قُيّم الطفل أثناء علاجه من الأطباء في كراكوف، بولندا، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
كان آدم يتجول حافي القدمين خارج منزل جدته في راكلاويتسي في بولندا، في الساعات الأولى من الصباح، عندما انخفضت درجات الحرارة إلى -7 درجات مئوية، أغمي عليه بجانب جدول صغير، وظل مستلقيًا ثلاث ساعات على الأقل قبل أن تجده الشرطة.
نقل آدم على وجه السرعة إلى المستشفى في سيارة إسعاف مُدفأة، وتم إنعاشه بنجاح، على الرغم من انخفاض درجة حرارة جسمه الشديد. واستطاع النهوض والمشي في غضون أسبوعين، وكانت حالة نادرة جدا لدرجة أنه سجلت في المجلة الأوروبية لجراحة القلب والصدر.
لو طالت المدة بآدم لَكنا فقدناه، لأنه ليس لدينا مضاد تجمد طبيعي سوى السلوكيات، مثل البحث عن مأوى، وتوليد الحرارة عن طريق الارتعاش، وهذا هو السبب في أن البيئات شديدة البرودة، مثل القارة القطبية الجنوبية غير صالحة للسكن للبشر الذين لا يرتدون ملابس ثقيلة ولا يمتلكون تكنولوجيا، في حين أن أشكال الحياة قد طورت حلولاً لهذه المشكلات، أكثر تقدما بفارق شاسع.