آخر الأخبار

تسونامي آتشيه والمحيط الهندي.. ما الذي حصل؟ وكيف تغير الحال هناك؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

قبل 20 عاما، وخلال الأيام الأخيرة من ديسمبر/كانون الأول، كان سكان إقليم آتشيه وغيرهم من أهل سواحل المحيط الهندي في 14 دولة على موعد مع كارثة لم يسبق للأغلبية الساحقة منهم ومن سكان بلادهم أن شهدوها أو عرفوا حتى اسمها.

ففي 26 ديسمبر/كانون الأول عام 2004، وفي تمام الساعة 7:28 دقيقة صباحا، وقع زلزال قبالة السواحل الغربية لإقليم آتشيه جنوب غرب مدينة ميلابوه بقوة تراوح تقديرها ما بين 8.8 و 9.3 درجات بمقياس ريختر، وبعد 20 دقيقة فوجئ سكان السواحل الغربية والشمالية والشرقية لإقليم آتشيه، بعد انحسار أو جزر مفاجئ لمياه البحر، بأمواج عاتية أتت على المدن والقرى الساحلية بصورة لم يكن في وعيهم الجمعي ماهيتها وماذا تعني.

قناة الجزيرة والوصول إلى آتشيه بعد الكارثة

وقع الزلزال، وانقطعت الاتصالات بين آتشيه وغيرها من مدن إندونيسيا والعالم، وتوقف العمل في مطاراتها، فلم يكن من سبيل في اليوم الأول للكارثة إلى التوجه جوا من جاكرتا إلى ميدان، عاصمة إقليم سومطرة الشمالية، الذي يقع إلى الجنوب من إقليم آتشيه، ووصل كاتب هذه السطور مع الزميل المصور هارجيتو بن وارنو إلى مطار مدينة ميدان، في نفس يوم الكارثة؛ أي الأحد 26 ديسمبر/كانون الأول 2004 ليلا.

إعلان

لم يكن معظم سائقي السيارات والحافلات يتجرؤون على الذهاب شمالا باتجاه بندا آتشيه عاصمة إقليم آتشيه في طريق يمتد على الساحل الشرقي للإقليم، ويستغرق السير فيه في الظروف الطبيعية ما بين 14-16 ساعة، بعد أن سمعوا أخبارا لا يستطيعون فهمها، بأن أمواجا أو فيضانا من البحر وليس من الأنهار أو الجبال غمرت قرى ومدن الساحل وتسببت في دمار واسع وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

انطلقنا في تلك الليلة مع سائق كان شجاعا بما فيه الكفاية، لم نأخذ معنا زادا أو طعاما كافيا، فكنا نتصور أنها كارثة من الكوارث التي اعتاد العالم عليها ولا بد أن نجد في طريقنا ما نتناوله، الطريق المظلم في تلك الليلة كان شبه خال من السيارات، ومع الوصول إلى أولى قرى سواحل آتشيه، حيث شاهدنا مواطنين افترشوا الشوارع المرتفعة البعيدة عن السواحل، وكانوا يشرحون لنا ما حصل والكل مندهش.

ومع مواصلة السير نحو الشمال كنا فجرا قد وصلنا إلى مدينة لوكسماوي أكبر مدن شرق آتشيه، ومع التعمق في قراها، وقفنا على آثار دمار لم تسجله عدسات كاميرات كثير من تلفزيونات العالم باستثناء ما سجله اليابانيون ربما.

وما إن وصلنا في صبيحة اليوم الثاني للكارثة إلى مدينة بندا آتشيه، حتى كان مشهد الفاجعة والدمار يفوق الخيال، وكأنه فيلم مشهد من فيلم سينمائي، مدينة مدمرة، وآلاف الجثث في كل مكان، ورائحة الموت في كل زاوية من أطراف المدينة.

تسونامي آتشيه والوعي الجمعي عالميا

ربما كان التسونامي معروفا لسكان اليابان وبعد الدول الأخرى، ولبعض سكان جزر إندونيسية صغيرة، وسمع قلة من الأحفاد من أجدادهم قصص حدوث أمواج مدمرة أو حتى غير مدمرة بعد هزات أرضية، وكان لكل من سكان هذه الجزر مسميات محلية لهذه الظاهرة الطبيعية، ولذلك لم تكن إندونيسيا مستعدة لكارثة تسونامي بهذا الأثر التدميري الواسع.

ورغم أن آتشيه وكما أظهرت دراسات تاريخية وأثرية قد واجهت أمواج التسونامي خلال ألفي عام ماضية لأكثر من 11 مرة، وتسبب ذلك في زوال سلطنات وممالك وحواضر ساحلية مثل سلطنة لاموري المسلمة، إلا أن ذكريات وروايات تلك الكوارث كانت قد طويت من ذاكرة الأجيال التي عايشت تسونامي ديسمبر/كانون الأول 2004، ولم يكن ذلك ضمن أي برنامج توعية أو تعليم أو كتب تاريخية شائعة في إندونيسيا، ولم يكن في القرون الماضية تقنيات تصوير وتوثيق، يتعلم منها الناس، ولم تورث المعرفة وذاكرة الأجداد بشكل جيد، ففوجئ أحفاد الأحفاد بأمر جلل.

إعلان

وهكذا صار تسونامي آتشيه سببا في نشر وعي جمعي عالمي بماهية التسونامي عرفه الكبير والصغير، ورغم أن الهواتف المحمولة لم تكن قد وصلت إلى مستواها الذكي في التصوير كما هو حالنا اليوم قبل 20 عاما، وهذا ما يفسر قلة تسجيلات لحظة وقوع التسونامي، بل لم يكن بث الصور عبر شبكة الإنترنت بنفس الجودة التي نعرفها اليوم، لكن عدسات بعض المصورين على قلتهم سجلت تلك اللحظات، ثم تقاطر مئات الصحفيين بعد وقوعها بأيام وأسابيع فوثقوا آثار التسونامي والاستجابة الإنسانية المحلية والعالمية مع هذا الحدث الأليم.

ولهذا يستذكر سكان آتشيه وإندونيسيا هذه الذكرى، ببرامج عديدة تنظم في الغالب في مساجد الإقليم، بدأت في الأيام الأخيرة، وذروتها برنامج صبيحة 26 ديسمبر/كانون الأول، في مسجد بيت الرحمن، ملؤه الذكر والدعاء والمواعظ، وبعض الخطب والكلمات، وعرض برامج وثائقية، واستدعاء ذكريات من عايشوا تلك الكارثة، حتى يسمع الأبناء والأحفاد ممن ولدوا بعد الكارثة ويفهموا جيدا معنى التسونامي وتاريخه، ويحكوا ذلك لأبنائهم، ولذلك شيد متحف خاص بالتسونامي في آتشيه.

كارثة لا تنسى وأمواج بارتفاع 30 مترا

وتظل كارثة تسونامي آتشيه حدثا لا ينسى لمن عايشه، ففي مدن الساحل الغربي لإقليم آتشيه ارتفعت الأمواج لنحو 30 مترا، وغمرت منازل من طابقين و3، ولم تكن أمواجا كغيرها، بل بقوة اندفاع خاطفة اختلف الجيولوجيون في تقديرها.

إحدى التقديرات تشير إلى أن سرعة تلك الأمواج تراوحت ما بين 300 و360 كيلومترا في الساعة، تلك سرعة كانت كفيلة بأن تبتلع معها آلاف المواطنين وتجرفهم إلى عمق المحيط الهندي، حتى قدر عدد الضحايا بنحو 228 ألف شخص، معظمهم في آتشيه، وغيرهم في سريلانكا والهند وتايلند وسواحل أخرى، إضافة إلى نحو 45 ألف مفقود، ونحو 280 ألف مصاب، وملايين المتضررين.

لقد كان التسونامي إثر أقوى الزلازل التي سجلت في التاريخ الآسيوي منذ أن بدأ تسجيل تاريخ الزلازل عبر أجهزة السيسموغراف عام 1900، والثالث عالميا خلال 100 عام، وامتد أثره لمسافات تصل إلى 1600 كيلومتر من بؤرته تحت قاع المحيط جنوب غرب مدينة ميلابوه وعلى بعد 160 كيلومترا شمالي جزيرة سيميلوه، وهي جزيرة صغيرة تقع إلى الغرب من جزيرة سومطرة.

إعلان

حراك إنساني

ورغم عظم المصاب، فإن التسونامي حرك مبادرات إنسانية حكومية وأهلية من حول العالم، عربية وإسلامية وغربية وآسيوية، ربما تكون من أوسع الأعمال الإنسانية التي تركزت في إقليم واحد، إثر كارثة طبيعية، وتشير بعض التقديرات إلى أن نحو 14 مليار دولار أنفقت من خلال هيئة إعادة إعمار وتأهيل آتشيه، التي تأسست بقرار من حكومة الرئيس الإندونيسي السابق سوسيلو بامبانغ يوديونو، وظلت تعمل في إعمار الإقليم 5 سنوات حتى أبريل/نيسان عام 2009.

وكانت برامج الإعمار تنفذ من خلالها أو بالتنسيق معها، بقيام المنظمات الإنسانية بمشاريع إعمارهم بشكل مباشر واستمر ذلك الجهد لأكثر من 5 سنين، وكان لافتا أن الرئيس الإندونيسي الأسبق يوديونو الذي كان حاضرا منذ الأيام الأولى في إقليم آتشيه، وكذا نائبه يوسف كالا، قد أدرك سريعا في ذلك الحين الأضرار الإنسانية والاقتصادية الكبيرة، فلم يتردد في فتح الباب لدخول المعونات الأجنبية إلى إقليم آتشيه رغم ما أثار ذلك من انتقادات ومخاوف أمنية وثقافية واجتماعية في حينه.

وإلى جانب الوعي المحلي والوطني والعالمي بماهية التسونامي، فإن العمل الإنساني والإغاثي الذي جاء استجابة له قد قدم تجربة ودروسا هامة في التعامل مع الكوارث، ففي إندونيسيا -التي تعد ثاني أكثر الدول تأثرا بالكوارث من حيث عدد الضحايا خلال العقدين الماضيين بعد هاييتي، والتي فقد فيها نحو نصف مليون من سكان آتشيه منازلهم، وبلغت الخسائر المادية إلى جانب الكلفة الإنسانية الباهظة ما بين 4-5 مليارات دولارات- شهدت بعد تلك الكارثة عملا إنسانيا وتعاملا أفضل مع الكوارث، رغم حاجته اليوم لتحسين وتطوير ومتابعة.

فقد تم تأسيس الهيئة الوطنية الإندونيسية للتعامل مع الكوارث بقرار رئاسي عام 2008، وهيئة للبحث والإنقاذ، بعد أن كان ذلك الجهد موزعا بين الجيش والشرطة والأجهزة والوزارات المختلفة، إضافة إلى تزايد الاهتمام بالبحث الجيولوجي المختص بالزلازل والبراكين وأمواج التسونامي، التي تكررت بعد آتشيه في عدة مناطق أخرى في إندونيسيا ومنها تشيلاتشاب جنوبي جزيرة جاوا عام 2006، والتي أظهرت دراسات أن سكان تلك السواحل الجنوبية ما زالوا معرضين لخطر التسونامي في أي وقت مستقبلا.

إعلان

وتكررت الكارثة أيضا في بالو وسط جزيرة سولاويسي عام 2018، بتسونامي وظاهرة سيولة تربة حملت تفاصيلها الأليمة دروسا لا ينساها علماء الزلازل والبراكين من الباحثين الجيولوجين، وغيرهم ممن نجوا من المصاب.

التسونامي وتوقف الصراع السياسي الدامي

ولا ينسى الأثر السياسي والأمني والاجتماعي لكارثة التسونامي، فقد شهدت آتشيه صراعا طويلا منذ الخمسينيات، بين ثوارها والحكومة المركزية في جاكرتا، كانت المرحلة الثانية والأخيرة منه قد بدأت منذ عام 1976، على يد حركة تحرير آتشيه. وبعد 3 عقود، من الحروب، وسقوط ما بين 10-30 ألف قتيل حسب تقديرات منظمة العفو الدولية، خلال 29 عاما، معظمهم من المدنيين الآتشيين.

وبسبب ما تركه الصراع من آثار نفسية واجتماعية وحتى اقتصادية أليمة في أرياف آتشيه، جاء التسونامي ليهيئ الظروف، للوصول إلى اتفاق سياسي عرف باتفاق هلسنكي، وضعت بموجبه حركة تحرير آتشيه السلاح، وتحولت إلى العمل السياسي، من خلال أحزاب لها، وهي إلى اليوم مشاركة في الحكم المحلي وانتخابات الإقليم، ومتحالفة مع أحزاب أخرى على المستوى البرلماني الوطني، وبذلك كان التسونامي الصفحة الأليمة التي ختمت فصلا طويلا من الصراع دام عقودا، بلطف الله وتقديره.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

الأكثر تداولا اسرائيل سوريا أمريكا حماس

إقرأ أيضا